وفاة الصاحب به عباد











وفاة الصاحب به عباد



توفي الصاحب ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة 385 بالري ولما توفي عطلت المدينة وأسواقها، واجتمع الناس علي باب قصره، وينتظرون خروج جنازته، وحضر فخر الدولة وسائر القواد، وقد غيروا بزاتهم، فلما خرج نعشه من الباب علي أکتاف حامليه للصلاة عليه قام الناس بأجمعهم إعظاما، وصاحوا صيحة واحدة، وقبلوا الارض، وخرقوا ثيابهم، ولطموا وجوههم، وبلغوا في البکاء و النحيب عليه جهدهم، وصلي عليه أبوالعباس الضبي، ومشي فخر الدولة أمام الجنازة وقعد في بيته للعزاء أياما، وبعد الصلاة عليه علق نعشه بالسلاسل في بيت إلي أن نقل إلي إصفهان فدفن في قبة هناک تعرف بباب درية[1] قال إبن خلکان وهي عامرة إلي الآن واولاد بنته يتعاهدونها بالتبييض وقال السيد في (روضات الجنات) قلت بل وهي عامرة إلي الآن، وکان أصابها تشعث وانهدام فأمر الامام العلامة محمد إبراهيم الکرباسي في هذه الايام بتجديد عمارتها، ولا يدع زيارتها مع ما به من العجز في الاسبوع والشهر والشهرين، وتدعي في زماننا بباب الطوقچي والميدان العتيق، و الناس يتبرکون بزيارته، ويطلبون عند قبره الحوائج من الله تعالي.

قال الثعالبي في (اليتيمة) لما کني المنجمون عما يعرض عليه له في سنة موته قال الصاحب


يا مالک الارواح والاجسام
وخالق النجوم والاحکام


مدبر الضياء والظلام
لا المشتري أرجوه للانعام


ولا أخاف الضر من بهرام
وإنما النجوم کالاعلام


والعلم عند الملک العلام
يا رب فاحفظني من الاسقام


ووقني حوادث الايام
وهجنة الاوزار والآثام

[صفحه 75]

هبني لحب المصطفي المعتام
وصنوه وآله الکرام


ورثي الصاحب بقصايد کثيرة منها نونية أبي منصور أحمد بن محمد اللجيمي منها[2][3] .


مضي من إذا ما أعوز العلم والندي
أصيبا جميعا من يديه وفيه


مضي من إذا أفکرت في الخلق کلهم
رجعت ولم أظفر له بشبيه


ثوي الجود والکافي معا في حفيرة
ليأنس کل منهما بأخيه


هما اصطحبا حيين ثم تعانقا
ضجيعين في قبر بباب ذريه


قد يعزي بعض هذه الابيات إلي أبي القاسم بن أبي العلاء الاصبهاني مع حکاية طيف عنه.

ومنها نونية أبي القاسم بن أبي العلاء الاصفهاني ذکر منها الثعالبي في ( يتيمة الدهر) ج 3 ص 263 قوله


يا کافي الملک ما وفيت حظک من
وصف وإن طال تمجيد وتأبين

[صفحه 76]

فقت الصفات فما يرثيک من أحد
إلا وتزيينه إياک تهجين


مامت وحدک لکن مات من ولدت
حواء طرا بل الدنيا بل الدين


هذي نواعي العلا مذمت نادبة
من بعد ما ندبتک الخرد العين


تبکي عليک العطايا والصلات کما
تبکي عليک الرعايا والسلاطين


قام السعاة وکان الخوف أقعدهم
فاستيقظوا بعد مامت الملاعين


لا يعجب الناس منهم إن هم انتشروا
مضي سليمان وانحل الشياطين


ومنها دالية أبي الفرج بن ميسرة ذکر منها الثعالبي في (اليتيمة) ج 3 ص 254 قوله


ولو قبل الفداء لکان يفدي
وإن حل المصاب علي التفادي


ولکن المنون لها عيون
تکد لحاظها في الانتقاد


فقل للدهر أنت أصبت فالبس
برغمک دوننا ثوبي حداد


إذا قدمت خاتمة الرزايا
فقد عرضت سوقک للکساد


ومنها دالية لابي سعيد الرستمي ذکر الثعالبي منها قوله


أبعد ابن عباس يهش إلي السري
أخو أمل أو يستماح جواد؟


أبي الله إلا ان يموتا بموته
فما لهما حتي المعاد معاد


ومنها لامية أبي الفياض سعيد بن أحمد الطبري ذکرها الثعالبي في «اليتيمة» ج 3 ص 254:


خليلي کيف يقبلک المقيل؟

و دهرک لا يقيل و لا يقيل


ينادي کل يوم في بنيه

: ألا هبوا فقد جد الرحيل


و هم رجلان منتظر غفول

و مبتدر إذا يدعي عجول


کأن مثال من يفني و يبقي

رعيل سوف يتلوه رعيل


فهم رکب و ليس لهم رکاب

و هم سفر و ليس لهم قفول


تدور عليهم کأس المنايا

کما دارت علي الشرب الشمول


و يحدوهم إلي الميعاد حاد

و لکن ليس يقدمهم دليل


ألم تر من مضي من أولينا

و غالتهم من الأيام غول

[صفحه 77]

قد احتال وا فما دفع الحويل
وأعولنا فما نفع العويل؟!؟!


کذاک الدهر أعمار تزول
وأحوال تحول ولا تؤول


لنا منه وإن عفنا وخفنا
رسول لا يصاب لديه سول


وقد وضح السبيل فما لخلق
إلي تبديله أبدا سبيل


لعمرک إنه أمد قصير
ولکن دونه أمد طويل


أري الاسلام أسلمه بنوه
وأسلمهم إلي وله يهول


أري شمس النهار تکاد تخبو
کأن شعاعها طرف کليل أري


القمر المنير بدا ضئيلا
بلا نور فأضناه النحول


أري زهر النجوم محدقات
کأن سراتها عور وحول


أري وجه الزمان وکل وجه
به مما يکابده فلول


أري شم الجبال لها وجيب
تکاد تذوب منه أو تزول


وهذا الجو أکلف مقشعر
کأن الجو من کمد عليل


وهذي الريح أطيبها سموم
إذا هبت وأعذبها بليل


وللسحب الغزار بکل فج
دموع لا يزار بها المحول


نعي الناعي إلي الدنيا فتاها
أمين الله فالدنيا ثکول


نعي کافي الکفاة فکل حر
عزيز بعد مصرعه دليل


نعي کهف العفاة فکل عين
بما تقذي العيون به کحيل


کأن نسيم تربته سحيرا
نسيم الروض تقبله القبول


إذا وافي انوف الرکب قالوا
سحيق المسک أم ترب مهيل؟


آيا قمر المکارم والمعالي
أبن لي کيف عاجلک الافول؟


أبن لي کيف هالک ما يهول
وغالک بعد عزک ما يغول؟!؟!


ويا من ساس أشتات البريا
وألجم من يقول ومن يصول


أدلت علي الليالي من شکاها
وقد جارت عليک فمن يديل


بکاک الدين والدنيا جميعا
وأهلهما کما يبکي الحمول


بکتک البيض والسمر المواضي
وکنت تعولها فيمن تعول

[صفحه 78]

بکتک الخيل معولة ولکن
بکاها حين تندبک الصهيل


قلوب العالمين عليک قلب
وحظک من بکائهم قليل


ولي قلب لصاحبه وفي
يسيل وتحته روح تسيل


إذا نظمت يدي في الطرس بيتا
محاه منه منتظم هطول


فإن يک رک شعري من ذهولي
فذلک بعض ما يجني الذهول


کتبت بما بکيت لان دمعي
عليک الدهر فياض همول


وکنت أعد من روحي فداء
لروحک إن أريد لها بديل


أأحيا بعده وأقر عينا
حياتي بعده هدر غلول


حياتي بعده موت وحي
وعيشي بعده سم قتول


عليک صلاة ربک کل حين
تهب بها من الخلد القبول


ومنها ميمية أبي القاسم غانم بن محمد بن أبي العلا لاصبهاني يقول فيها[4] .


مضي نجل عباد المرتجي
فمات جميع بني آدم


اواري بقبرک أهل الزمان
فيرجح قبرک بالعالم


وله من قصيدة اخري في رثاء الصاحب يقول فيها


هي نفس رقتها زفراتي
دماء أرقتها عبراتي


لشباب عذب المشارع ماض
ومشيب جذب المراتع آت


زمن أذرت الجفون عليه
من شؤوني ما کان ذوب حياتي


تتلاقي من ذکره في ضلوعي
ودموعي مصايف ومشاتي


جاد تلک العهود کل أجش ال
ودق ثر الاخلاف جون السرات


بل ندي الصاحب الجليل أبي القا
سم نجل الامير کافي الکفاة


تتباري کلتا يديه عايا
و منايا حتما لعاف وعات


ضامنا سيبه لغنم مفاد
موذنا سيفه بروح مفات


وارتياح يريک في کل عطف
ألف ألف کطلحة الطلحات


ويد لا تزال تحت شکور
لاثم ظهرها وفوق دواة

[صفحه 79]

ومنها تائية رثاه بها صهره السيد أبوالحسن علي بن الحسين الحسني أوله[5] .


ألا إنها أيدي المکارم شلت
ونفس المعالي إثر فقدک سلت


حرام علي الظلماء إن هي قوضت
[6] وحجر علي شمس الضحي أن تجلت


لتبک علي کافي الکفاة مآثر
تباهي النجوم الزهر في حيث حلت


لقد فدحت فيه الرزايا وأوجعت
کما عظمت منه العطايا وجلت


ألا هل أتي الآفاق آية غمة
أطلت؟ ونعمي أي دهر تولت؟


وهل تعلم الغبراء ماذا تضمنت
وأعواد ذاک النعش ماذا أفلت؟!؟!


فلا أبصرت عيني تهلل بارق
يحاکي ندي کفيک إلا استهلت


ولو قبلت أرواحنا عنک فدية
لجدنا بها عند الفداء وقلت


وقال السيد أبوالحسن محمد بن الحسين الحسني المعروف بالوصي الهمداني المترجم في يتيمة الدهر في رثائه


مات الموالي والمحب
لاهل بيت أبي تراب


قد کان کالجبل المنيع
لهم فصار مع التراب[7] .


وله في رثائه


نوم العيون علي الجفون حرام
ودموعهن مع الدماء سجام


تبکي الوزير سليل عباد العلا
والدين والقرآن والاسلام


تبکيه مکة والمشاعر کلها
وحجيجها والنسک والاحرام


تبکيه طيبة والرسول ومن بها
وعقيقها والسهل والاعلام


کافي الکفاة قضي حميدا نحبه
ذاک الامام السيد الضرغام


مات المعالي والعلوم بموته
فعلي المعالي والعلوم سلام


ورثاه سيدنا الشريف الرضي (الآتي ذکره في شعراء القرن الخامس) بقصيدة

[صفحه 80]

شرحها أبوالفتح عثمان بن جني المتوفي 392 في مجلد واحد کما ذکره الحموي في (معجم الادباء) 5 ص 31، ولنشر القصيدة في ديوان ناظمه الشريف وفي غير واحد من المعاجم نضرب عنها صفحا أولها


أکذا المنون يقطر الابطالا؟
أکذا الزمان يضعضع الاجيالا؟


أکذا تصاب الاسد وهي مدلة
تحمي الشبول وتمنع الاغيالا؟


أکذا تقام علي الفرائس بعدما
ملات هماهمها الوري أوجالا؟


أکذا تحط الزاهرات عن العلي
من بعد ما شأت العيون منالا؟


(ألقصيدة 112 بيتا)

ومر أبوالعباس الضبي بباب الصاحب بعد وفاته فقال


أيها الباب لم علاک اکتئاب؟
أين ذاک الحجاب والحجاب؟


أين من کان يفزع الدهر منه؟
فهو اليوم في التراب تراب


لا يذهب علي القارئ ان استدلال مثل الصاحب أحد عمد مراجع اللغة والادب علي أفضلية امير المؤمنين نظما ونثرا بحديث الغديرحجة قوية علي صحة إرادة معني للمولي لا يبارح الامامة والخلافة کما أراد هو



صفحه 75، 76، 77، 78، 79، 80.





  1. بفتح الدال المهملة وکسر الراء کذا ضبطها السيد في أعيان الشيعة،وتجدها في (اليتيمة) وغيرها بالذال المجمعة کما يأتي بعيد هذا في شعر أبي منصور اللجيمي.
  2. يتيمة الدهر ج 4 ص 375.


    أکافينا العظيم إذا وردنا
    ومولانا الجسيم إذا فقدنا


    أردنا منک ما أبت الليالي
    فأبطل ما أرادت ما أردنا


    شققت عليک جيبي غير راض
    به لک فاتخذت الوجد خدنا


    ولو أني قتلت عليک نفسي
    لکان إلي قضاء الحق أدني


    أفدنا شرح أمر فيه لبس
    فإنا صائبا کنا استفدنا


    ألم تلک منصفا عدلا؟ فأني
    عمرت حفيرة وقلبت مدنا


    وکيف ترکت هذا الخلق حالت
    خلائقهم فليس کما عهدنا؟


    تملکنا اللئالم وصيرونا
    عبيدا بعدما کنا عبدنا


    لئن بلغت رزيته قلوبا
    فذبن أو أعينا منا فجدنا


    لما بلغت حقائقها ولکن
    علي الايام نعرف من فقدنا


    وله في رثائه من قصيدة

  3. يتيمة الدهر ج 4 ص 375.
  4. تتميم يتيمة الدهر ج 1 ص 120.
  5. ذکرها له الحموي في معجم الادباء والسيد في (الدرجات الرفيعة).
  6. الحجر المنع.
  7. ذکرهما له في ترجمته الثعالبي في (اليتيمة)ج 3 ص 260.