ترجمة ألناشي الصغير











ترجمة ألناشي الصغير



أبوالحسن[1] علي بن عبدالله بن الوصيف الناشي الصغيرألاصغر البغدادي من باب الطاق، نزيل مصر، المعروف بالحلاء، کان أبوه يعمل حلية السيوف فسمي حلاء ويقال له الناشي لان الناشي يقال لمن نشأ في من فنون الشعر کما قال السمعاني في الانساب.

کان أحد من تضلع في النظر في علم الکلام، وبرع في الفقه، ونبغ في الحديث، و تقدم في الادب، وظهر أمره في نظم القريض، فهو جماع الفضايل، وسمط جمان العلوم، وفي الطليعة من علماء الشيعة ومتکلميها، ومحدثيها، وفقهائها، وشعرائها.

روي عنه الشيخ الامام محمد بن محمد بن نعمان المفيد، وبواسطته يروي عنه شيخ الطائفة أبوجعفر الطوسي کما في فهرسته ص 89، واحتمل في (رياض العلماء)

[صفحه 29]

رواية الشيخ الصدوق عنه ايضا، وقال لعله الذي کان من مشايخ الصدوق، وفي «الوافي بالوفيات» و «لسان الميزان» 4 ص 238 ان أباعبدالله الخالع وأبابکر ابن زرعة الهمداني وعبدالواحد العکبري وعبدالسلام بن الحسن البصري اللغوي وإبن فارس اللغوي وعبدالله بن أحمد بن محمد بن روزبة الهمداني وغيرهم يروون عنه، وانه يروي عن المبرد وابن المعتز وغيرهما.

ذکر إبن خلکان انه أخذ العلم عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت، و هو من أعاظم متکلمي الشيعة.

و قال شيخ الطائفة في فهرسته ص 89 وکان يتکلم علي مذهب أهل الظاهر في الفقه وأهل الظاهر هم أصحاب أبي سليمان داود بن علي بن خلف الاصبهاني المعروف بالظاهري المتوفي 270، قال إبن نديم في (الفهرست) ص 303 هو أول من استعمل قول الظاهر وأخذ بالکتاب والسنة وألغي ما سوي ذلک من الرأي والقياس وقال إبن خلکان في تاريخه 1 ص 193 کان أبوسليمان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع کثير يعرفون بالظاهرية.

وفي رجال النجاشي أن للمترجم کتابا في الامامة، لکن الشيخ الطوسي يذکر له کتبا في (الفهرست) وفي تاريخ إبن خلکان أن له تصانيف کثيرة، وفي الوافي بالوفيات ان شعره مدون، وأن مدايحه في أهل البيت عليهم السلام لا تحصي کثرة، ولذلک عده إبن شهراشوب في (معالم العلماء) من مجاهري شعراء أهل البيت عليهم السلام.

وفي (معجم الادباء) قال الخالع کان الناشي يعتقد الامامة، ويناظر عليها بأجود عبارة، فاستنفد عمره في مديح أهل البيت حتي عرف بهم، وأشعاره فيهم لا تحصي کثرة، ومدح مع ذلک الراضي بالله وله معه أخبار، وقصد کافورا الاخشيدي بمصر وامتدحه، وامتدح إبن خنزابة وکان ينادمه، وطري إلي البريدي بالبصرة، وإلي أبي الفضل بن العميد بارجان وقال قال إبن عبدالرحيم حدثني الخالع قال حدثني الناشي، قال أدخلني إبن رائق علي الراضي بالله وکنت مداحا لابن رائق ونافقا عليه فلما وصلت إلي الراضي قال لي أنت الناشي الرافضي؟ فقلت خادم أميرالمؤمنين الشيعي، فقال من أي الشيعة؟ فقلت شيعة بني هاشم فقال هذا خبث حيلة.

[صفحه 30]

فقلت مع طهارة مولد، فقال هات ما معک فأنشدته فأمر أن يخلع علي عشر قطع ثيابا، وأعطي أربعة آلاف درهم، فأخرج إلي ذلک وتسلمته وعدت إلي حضرته فقبلت الارض وشکرته وقلت أنا ممن يلبس الطيلسان فقال ها هنا طيالس عدنية أعطوه منها طيلسانا وأضيفوا إليها عمامة خز ففعلوا، فقال أنشدني من شعرک في بني هاشم فأنشدته:


بني العباس إن لکم دماء
أراقتها امية بالذحول[2] .


فليس بهاشمي من يوالي
امية واللعين أبا زبيل


فقال ما بينک وبين أبي زبيل فقلت أميرالمؤمنين أعلم فابتسم وقال انصرف ويستفاد من غير واحد من الاخبار أن الناشي علي کثرة شعره في أهل البيت عليهم السلام حظي منهم بالقبول والتقدير وحسبه ذلک مأثرة لا يقابلها أي فضيلة، ومکرمة خالدة تکسبه فوز النشأتين.

روي الحموي في (معجم الادباء) قال حدثني الخالع قال کنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبي في مجلس الکبوذي في المسجد الذي بين الوراقين والصاغة وهو غاص بالناس وإذا رجل قد وافي وعليه مرقعة وفي يده سطيحة ورکوة ومعه عکاز، وهو شعث، فسلم علي الجماعة بصوت يرفعه، ثم قال أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها فقالوا مرحبا بک وأهلا ورفعوه فقال أتعرفون لي أحمد المزوق النائح؟ فقالوا هاهو جالس، فقال رأيت مولاتنا عليهاالسلام في النوم فقالت لي امض إلي بغداد واطلبه وقل له نح علي ابني بشعر الناشي الذي يقول فيه


بني أحمد قلبي بکم يتقطع
بمثل مصابي فيکم ليس يسمع


وکان الناشي حاضرا فلطم لطما عظيما علي وجهه وتبعه المزوق والناس کلهم وکان اشد الناس في ذلک الناشي ثم المزوق ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلک اليوم إلي أن صلي الناس الظهر، وتقوض المجلس، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئا منهم، فقال والله لو اعطيت الدنيا ما أخذتها فإنني لا أري أن أکون رسول مولاتي عليها السلام ثم

[صفحه 31]

آخذ عن ذلک عوضا وانصرف ولم يقبل شيئا، قال ومن هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتا


عجب لکم تفنون قتلا بسيفکم
ويسطو عليکم من لکم کان يخضع


کأن رسول الله أوصي بقتلکم
وأجسامکم في کل أرض توزع


قال الاميني أول هذه القصيدة


بني أحمد قلبي لکم يتقطع
بمثل مصابي فيکم ليس يسمع


فما بقعة في الارض شرقا ومغربا
وليس لکم فيها قتيل ومصرع


ظلمتم وقتلتم وقسم فيئکم
وضاقت بکم أرض فلم يحم موضع


جسوم علي البوغاء ترمي وأرؤس
عي أرؤس اللدن الذوابل ترفع


توارون لم تأو فراشا جنوبکم
ويسلمني طيب الهجوع فأهجع


وقال الحموي حدثني الخالع قال إجتزت بالناشي يوما وهو جالس في السراجين فقال لي وقد عملت قصيدة قد طلبت واريد أن تکتبها بخطک حتي اخرجها فقلت أمضي في حاجة وأعود، وقصدت المکان الذي أردته وجلست فيه فحملتني عيني فرأيت في منامي أباالقاسم عبدالعزيز الشطرنجي النائح فقال لي احب أن تقوم فتکتب قصيدة الناشي البائية فإنا قد نحنابها البارحة بالمشهد، وکان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة، فقمت ورجعت إليه وقلت هات البائية حتي أکتبها، فقال من أين علمت أنها بائية؟ وما ذکرت بها أحدا، فحدثته بالمنام فبکي، وقال لا شک أن الوقت قد دنا فکتبتها فکان أولها


رجائي بعيد والممات قريب
ويحظئ ظني والمنون تصيب


قال الاميني ومن البائية في المديح قوله


اناس علوا أعلا المعالي من العلا
فليس لهم في الفاضلين ضريب


إذا انتسبو اجازوا التناهي لمجدهم
فما لهم في العالمين نسيب


هم البحر أضحي دره وعبابه
فليس له من منتفيه رسوب


تسير به فلک النجاة وماؤها
لشرابه عذب المذاق شروب


هوالبحر يغني من غدا في جواره
وساحله سهل المجال رحيب

[صفحه 32]

هم سبب بين العباد وربهم
محبهم في الحشر ليس يخيب


حووا علم ما قد کان أو هو کائن
وکل رشاد يحتويه طلوب


وقد حفظوا کل العلوم بأسرها
وکل بديع يحتويه غيوب


هم حسنات العالمين بفضلهم
وهم للاعادي في المعاد ذنوب


وجمع العلامة السماوي شعر الناشي في أهل البيت عليهم السلام يربو علي ثلاثمائة بيتا.

ولادته ووفاته: حکي الحموي في (معجم الادباء) نقلا عن خالع انه قال مولده علي ما أخبرني به سنة 271، ومات يوم الاثنين لخمس خلون من صفر سنة 365 وکنت حينئذ بالري فورد کتاب إبن بقيه[3] إلي إبن العميد يخبره وقيل إنه تبع جنازته ماشيا وأهل الدولة کلهم، ودفن في مقابر قريش وقبره هناک معروف وهو ممن نبش قبره في واقعة سنة 443 واحرقت تربته[4] وقال إبن شهر آشوب في «المعالم» ص 136 حرقوه بالنار وظاهره أنه استشهد حرقا والله أعلم.

وهناک أقوال اخر لا تقارف الصحة فقد أرخ وفاته اليافعي في «مرآة الجنان» 2 ص 235 بسنة 342، وإبن خلکان بسنة 360، وابن الاثير في «الکامل» بسنة 366، وهو محکي إبن حجر في «لسان الميزان» عن إبن النجار، وبها أرخ علاء الدين البهائي في «مطالع البدور» 1 ص 25 وذکر له


ليس الحجاب بآلة الاشراف
إن الحجاب مجانب الانصاف


ولقل ما يأتي فيحجب مرة
فيعود ثانية بقلب صاف


وذکر له الثعالبي في «ثمار القلوب» ص 136 في نسبة السواد إلي وجه الناصبي قوله


يا خليلي وياصاحبي
من لوي بن غالب


حاکم الحب جاير
موجب غير واجب

[صفحه 33]

لک صدغ کأنما
لونه وجه ناصبي


يلدغ الناس إذ تعق
رب لدغ العقارب


لفت نظر توجد في (تنقيح المقال) ج 2 ص 313 ترجمة الناشي وفيها والظاهر انه هو علي بن عبدالله بن وصيف بن عبدالله الهاشمي الذي روي في (العيون) عنه عن الکاظم عليه السلام النص علي الرضا اه د وهذا أعجب ما رأيت في طي هذا الکتاب القيم من العثرات.



صفحه 29، 30، 31، 32، 33.





  1. في فهرست الشيخ ورجال ابي داود ابوالحسين.
  2. الذحل الثأر العداوة الحقد ج ذحول.
  3. أبوطاهر محمد بن بقية کان وزير عز الدولة، ولما ملک عضد الدولة بغداد ودخلها طلب ابن بقية وألقاه تحت ارجل الفيلة فلما قتل صلبه بحضرة بيمارستان العضدي ببغداد سنة 367 (ابن خلکان 2 ص 175).
  4. سيوافيک في هذا الجزء في ترجمة المؤيد ما وقع في تلک الواقعة الهائلة من الطامات والفظايع.