قتل الفقيه عماره











قتل الفقيه عماره



قتل المترجم بسبب هذه القصيدة مع جمع نسب إليهم التدبير علي صلاح الدين

[صفحه 416]

ومکاتبة الفرنج واستدعاؤهم إليه حتي يجلسوا ولدا للعاضد وکانوا أدخلوا معهم رجلا من الاجناد ليس من أهل مصر فحضر عند صلاح الدين وأخبره بما جري فأحضرهم فلم ينکروا الامر ولم يروه منکرا فأمر بصلبهم وصلبوا يوم السبت في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالقاهرة، وقد قبض عليهم يوم الاحد الثالث والعشرين من شعبان، وصلب مع الفقيه عمارة قاضي القضاة ابوالقاسم هبة الله بن عبدالله بن الکامل،وابن عبد القوي داعي الدعاة، کان يعلم بدفائن القصر فعوقب ليدل عليها فامتنع من ذلک فمات واندرست، والعويرس ناظر الديوان، وشبريا کاتب السر، وعبذ الصمد الکاتب أحد امراء مصر، ونجاح الحمامي، ومنجم نصراني کان قد بشرهم بأن هذا الامر يتم لهم.

قال الصفدي في (الغيث المنسجم) انه لا يبعد أن يکون القاضي الفاضل سعي في هلاکه وحرض عليه لان صلاح الدين لما استشاره في أمره قال ينفي قال يرجي رجوعه قال يؤدب قال ألکلب يسکت ثم ينبح قال يقتل قال الملوک إذا ارادوا فعلوا وقام من فوره، فأمر بصلبه مع القاضي العويرس وجماعة معه من شيعتهم، ولما اخذ ليشنق قال مروا بي علي باب القاضي الفاضل لحسن ظنه فيه، فلما رآه قام وأغلق بابه فقال عمارة


عبدالعزيز قد احتجب
إن الخلاص من العجب


وذکر عماد الدين الکاتب في (الخريدة) لتاج الدين الکندي أبي اليمن بعد صلب المترجم


عمارة في الاسلام أبدي خيانة
وبايع فيها بيعة وصليبا


وأمسي شريک الشرک في بغض أحمد
وأصبح في حب الصليب صليبا


وکان خبيث الملتقي إن عجمته
تجد منه عودا في النفاق صليبا


سيلقي غدا ما کان يسعي لنفسه
ويسقي صديدا في لظي وصليبا


کان للمترجم مکانة عالية عند بني رزيک وله فيهم شعر کثير يوجد في ديوانه وکتابه (النکت العصرية) وفي الثاني ان الملک الصالح طلايع بعث إليه بثلاثة آلاف دينار في ثلاثة أکياس وکتب فيها بخطه


قل للفقيه عمارة ياخير من
قد حاز فهما ثاقبا وخطابا


اقبل نصيحة من دعاک إلي الهدي
قل حطة وادخل إلينا البابا


تجد الائمة شافعين ولا تجد
إلا لدينا سنة وکتابا


وعلي أن أعلي محلک في الوري
وإذا شفعت إلي کنت مجابا


وتعجل الآلاف وهي ثلاثة
ذهبا وقل لک النضار مذابا


فراجعه عمارة بقوله


حاشاک من هذا الخطاب خطابا
ياخير أملاک الزمان نصابا


لکن إذا ما أفسدت علماؤکم
معمور معتقدي وصار خرابا


ودعوتم فکري إلي أقوالکم
من بعد ذاک أطاعکم وأجابا


فاشدد يديک علي صفاء محبتي
وامنن علي وسد هذا البابا


توفي للفقيه المترجم في حياته ستة أولاد ذکور ورثاهم ألا وهم عبدالله ويحيي ومحمد وعطية و إسماعيل و حسين، وتوفي أولا ولداه عبدالله ويحيي ثم بعدهما محمد في سنة 56 ليلة الاثنين 4 جمادي الاولي بمصر ورثاهم بقصيدة أولها


أحببت في خير أعضائي وأعضادي
وخير أهلي إذا عدوا وأولادي


بأبلج الوجه من سعد العشيرة لم
يعرف بغير الندي والبشر في النادي


وله في رثاء محمد قصيدة مطلعها


سأبکي علي ابني مدتي وحياتي
ويبکيه عني الشعر بعد مماتي


ومنها


أتبلي المنايا مهجة ابن ذخرته
لدهري ويبلوني بخمس بنات


وتوفي بعدهم عطية ورثاه بقصيدة منها


عطية إن صادفت روح محمد
أخيک وصنويک العليين من قبل


فسلم عليهم لا شفيت وقل لهم
سقيت أباکم بعد کم جرعة الثکل


وقال في رثائه


عطية إن ذقت طعم الحمام
فإن فراقک عندي أمر


هوي کوکب منک بعد الطلوع
ذوي غصن منک بعد الثمر

[صفحه 418]

ولو لم تکن قمرا زاهرا
لما مت عند خسوف القمر


وتوفي بعدهم ولده إسماعيل سنة 561 في ربيع الآخر ورثاه بقصيدة أولها


ما کنت آلف منزلي إلا به
ولقد کرهت الدار بعد مصابه


وقال يرثيه


أأرجو بقاءا أم صفاء حياة
وقد بددت شملي النوي بشتات؟


يقول فيها


أتبلي الليالي لي بنيا ذخرته
وتبقي لي الايام شر بناتي؟


ومنها


وما عشت إلا سبعة من سني الوري
سقي عهدهن الله من سنوات


وقال في رثائه


حسبت الدهر في ولدي
يساعدني ويسعدني


ويقول فيها


لاسماعيل أشواقي
تزيد علي مدي الزمن


وإسماعيل لي شغل
عن اللذات يشغلني


وإسماعيل لا أسلو
ه حتي الموت يصرعني


سأبکيه وأندبه
بنوح زائد الشجن


کما قمرية ناحت
ببغداد علي غصن


وأبقي بعده أسفا
مدي الايام والزمن


وتوفي حسين سنة 563 ورثاه بقوله


أتري يکون لي الخلاص قريب؟
فالموت بعدک يابني يطيب


عللت فيک الحزن کل تعلة
لم تنفعني شربة وطبيب


ورثاه بقصيدة أولها


داويت ما نفع العليل دوائي
بل زاد سقما في خلال ضنائي


يقول فيها


ما عاش إلا سبعة من عمره
ونأي إلي دار البلي لبلائي

[صفحه 419]

وله في رثائه من قصيدة مستهلها


قل للمنية لا شوي
لم يخط سهمک إذ رمي


ومنها


ما کان إلا سبعة
وثلاثة ثم انقضي


وقال في رثائه


خطبتني الخطوب بالهم لما
حدثتني بألسن الحدثان


ومنها


يا لها نکبة علي نکبة جا
ءت وجرحا يبکي بجرح ثان


ومصاب علي مصاب وثکل
بعد ثکل اصيب منه جناني


ويقول فيها


کل عام للموت عندي نصيب
في سراة البنين والاخوان


ونختم الترجمة وهي ختام هذا الجزء من الکتاب بقول المترجم يدعو ربه


يارب هيئ لنا من أمرنا رشدا
واجعل معونتک الحسني لنامددا


ولا تکلنا إلي تدبير أنفسنا
فالنفس تعجز عن إصلاح ما فسدا


أنت الکريم وقد جهزت من أملي
إلي أياديک وجها سائلا ويدا


وللرجاء ثواب أنت تعلمه
فاجعل ثوابي دوام الستر لي أبدا[1] .



صفحه 416، 418، 419.





  1. اخذنا الترجمة من النکت العصرية، الخريدة لعماد الکاتب، الکامل لابن الاثير 11 ص 163، تاريخ ابن خلکان 1 ص 409، تاريخ ابن کثير 12 ص 275،مرآة الجنان 3 ص 390 وتوجد في غير واحد من کتب المتأخرين ومعاجمهم.