ترجمة الفقيه عماره











ترجمة الفقيه عماره



ألفقيه نجم الدين أبومحمد عمارة بن أبي الحسن علي بن زيدان بن أحمد الحکمي اليمني، من فقهاء الشيعة الامامية ومدرسيهم ومؤلفيهم ومن شهداء أعلامهم علي التشيع، وقد زان علمه الکامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألق،

[صفحه 409]

وإنک لا تدري إذا نظم شعرا هل هو ينضد درا؟ أو يفرغ في بوتقة القريض تبرا؟ فقد ضم شعره إلي الجزالة قوة، وإلي السلاسة رونقا، وفوق کل ذلک مودته المتواصلة لعترة الوحي وقوله بإمامتهم عليهم السلام حتي لفظ نفسه الاخير ضحية ذلک المذهب الفاضل؛ وقد أبقت تآليفه القيمة وآثاره العلمية والادبية له ذکرا خالدا مع الابد منها النکت العصرية في أخبار الوزراء المصرية وتاريخ اليمن وکتاب في الفرايض، وديوان شعره، وقصيدة کتبها إلي صلاح الدين سماها (شکاية المتظلم ونکاية المتألم).

قال في کتابه (النکت العصرية)[1] ص 7 عند ذکر نسبه فأما جرثومة النسب فقحطان ثم الحکم بن سعد العشيرة المذحجي، وأما الوطن فمن تهامة باليمن مدينة مرطان من وادي وساع وبعدها من مکة في مهب الجنوب أحد عشر يوما، وبها المولد المربي وأهلها بقية العرب في تهامة، وکانت رئاستهم وسياستهم تنتهي إلي المشيب بن سليمان وهو جدي من جهة الوالدة، وإلي زيدان بن أحمد وهو جدي لابي، وهما إبنا عم، وکان زيدان يقول أنا أعد أسلافي أحد عشر جدا ما منهم إلا عالم مصنف في عدة علوم، ولقد أدرکت عمي علي بن زيدان، وخالي محمد بن المشيب، ورئاسة حکم بن سعد العشيرة تقف عليهما وتنتهي إليهما إلي أن قال قلت لاخي يحيي يوما من القائل في جديک المشيب بن سليمان وزيدان بن أحمد


إذا طرقتک أحداث الليالي
ولم يوجد لعلتها طبيب


وأعوز من يجيرک من سطاها
فزيدان يجيرها والمشيب


هما ردا علي شتيت ملکي
ووجه الدهر من رغم قطوب


وقاما عنه خذلاني بنصري
قياما تستکين به الخطوب


فقال هو السلطان علي بن حبابة الفرودي کان قومه قد أخرجوه من ملکه وأفقروه من ملکه وولوا عليهم أخاه سلامة فنزل بهما فسارا معه في جموع من قومهما حتي عزلا سلامة ووليا عليا وأصلحا له قومه، وکان الذي وصل إليه من برهما وأنفقاه

[صفحه 410]

علي الجيش في نصرته، وحملا إليه من خيل ومن إبل ما ينيف علي خمسين ألفا من الذهب، قال يحيي وفي أبي وخالي يقول مدبر الشاعر الحکمي من قصيدة طويلة


أبواکما ردا علي ابن حبابة
ملکا تبدد شمله تبديدا


کفل المشيب علي الحسام بعوده
مذ صال زيدان به فاعيدا


وبنيتما ما شيدا من سؤدد
قدما فأشبه والد مولودا


وحدثني أبي قال مرض عمک علي مرضا أشرف فيه علي الموت ثم أبل منه فأنشدته لرجل من بني الحارث يدعي سلم بن شافع کان قد وفد عليه يستعينه في دية قتيل لزمته فلما شغلنا بمرض صاحبنا إرتحل الحارثي إلي قومه وأرسل إلي بقصيدة منها


إذا أودي ابن زيدان علي
فلا طلعت نجومک يا سماء


ولا اشتمل النساء علي جنين
ولا روي الثري للسحب ماء


علي الدنيا وساکنها جميعا
إذا أردي أبوالحسن العفاء


قال فبکي عمک وأمرني باحضار الحارثي ودفع له ألف دينار وساق عنه الدية بعد ستة أشهر، وکان إذا رآه أکرمه ورفع مجلسه، وبسط القول في جود عمه علي ابن زيدان وسعة ثروته وعظم شجاعته ثم قال ما ملخصه أدرکت الحلم سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وفي سنة إحدي وثلاثين بعثني والدي إلي زبيد مع الوزير مسلم ابن سخت فنزلت فيها ولازمت الطلب فأقمت أربع سنين لا أخرج عن المدرسة إلا لصلاة يوم الجمعة، وفي السنة الخامسة زرت الوالدين وأقمت في زبيد ثلاث سنين وجماعة من الطلبة يقرؤون عندي مذهب الشافعي والفرائض في المواريث، ولي في الفرائض مصنف يقرأ في اليمن، وفي سنة تسع وثلاثين زارني والدي وخمسة من اخوتي إلي زبيد وأنشدت والدي شيئا من شعري فاستحسنه ثم قال تعلم والله إن الادب نعمة من نعم الله عليک فلا تکفرها بذم الناس واستحلفني أن لا أهجو مسلما قط ببيت شعر فحلفت له علي ذلک، وحججت مع الملکة الحرة ام فاتک ملک زبيد، وخرجت مرة اخري إلي مکة سنة تسع وأربعين وخمس مائة وفي موسم هذه السنة مات أمير الحرمين هاشم بن فليتة وولي الحرمين ولده قاسم بن هاشم فألزمني السفارة عنه والرسالة المصرية فقدمتها في شهر ربيع الاول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذ الامام الفائز بن الظافر، والوزير

[صفحه 411]

له الملک الصالح طلايع بن رزيک فلما احضرت للسلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة أنشدتهما قصيدة أولها


ألحمد للعيس بعد العزم والهمم
حمدا يقوم بما أولت من النعم


لا أجحد الحق عندي للرکاب يد
تمنت اللجم فيها رتبة الخطم


قربن بعد مزار العز من نظري
حتي رأيت إمام العصر من أمم


ورحن من کعبة البطحاء والحرم
وفدا إلي کعبة المعروف والکرم


فهل دري البيت إني بعد فرقته
ما سرت من حرم إلا إلي حرم؟


حيث الخلافة مضروب سرادقها
بين النقيضين من عفو ومن نقم


وللامامة أنوار مقدسة
تجلو البغيضين من ظلم ومن ظلم


وللنبوة أبيات ينص لنا
علي الخفيين من حکم ومن حکم


وللمکارم أعلام تعلمنا
مدح الجزيلين من بأس ومن کرم


وللعلي ألسن تثني محامدها
علي الحميدين من فعل ومن شيم


وراية الشرف البذاخ ترفعها
يد الرفيعين من مجد ومن همم


أقسمت بالفائز المعصوم معتقدا
فوز النجاة وأجر البر في القسم


لقد حمي الدين والدنيا وأهلهما
وزيره الصالح الفراج للغمم


أللابس الفخر لم تنسج غلائله
إلا يدا لصنيع السيف والقلم


وجوده أوجد الايام ما اقترحت
وجوده أعدم الشاکين للعدم


قد ملکته العوالي رق مملکة
تعير أنف الثريا عزة الشمم


أري مقاما عظيم الشأن أوهمني
في يقظتي انها من جملة الحلم


يوم من العمر لم يخطر علي أملي
ولا ترقت إليه رغبة الهمم


ليت الکواکب تدنو لي فأنظمها
عقود مدح فما أرضي لکم کلمي


تري الوزارة فيه وهي باذلة
عند الخلافة نصحا غير متهم


عواطف علمتنا أن بينهما
قرابة من جميل الرأي لا الرحم


خليفة ووزير مد عدلهما
ظلا علي مفرق الاسلام والامم


زيادة النيل نقص عند فيضهما
فما عسي يتعاطي منة الديم

[صفحه 412]

وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مرارا والاستاذون وأعيان الامراء والکبراء يذهبون في الاستحسان کل مذهب، ثم افيضت علي خلع من ثياب الخلافة المذهبة ودفع لي الصالح خمسمائة دينار، وإذا بعض الاستاذين قد أخرج لي من عند السيدة الشريفة بنت الامام الحافظ خمسمائة دينار اخري، وحمل المال معي إلي منزلي، واطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لاحد من قبلي، و تهادتني امراء الدولة إلي منازلهم للولائم، واستحضرني الصالح للمجالسة، ونظمني في سلک أهل المؤانسة، وانثالت علي صلاته وغمرني بره، ووجدت بحضرته من أعيان أهل الادب الشيخ الجليس أبا المعالي ابن الحباب[2] والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الانشاء،وأبا الفتح محمود بن قادوس[3] والمهذب أبا محمد الحسن بن الزبير، وما من هذه الحلبة أحد إلا ويضرب في الفضائل النفسانية والرئاسة الانسانية بأوفر نصيب ويرمي شاکلة الاشکال فيصيب.

وقال في ص 69 لما جلس شاور في دار الذهب قام الشعراء والخطباء ولفيف من الناس إلا الاقل ينالون من بني رزيک وضرغام نائب الباب ويحيي بن الخياط اسفهسلار[4] العساکر وکانت بيني وبين شاور أنسة تامة مستحکمة فأنشدته في اليوم الثاني من جلوسه والجمع حافل قصيدة أولها


صحت بدولتک الايام من سقم
وزال ما يشتکيه الدهر من ألم


زالت ليالي بني رزيک وانصرمت
والحمد والذم فيها غير منصرم


کأن صالحهم يوما وعادلهم
في صدر ذاک الدست لم يقعد ولم يقم


هم حرکوها عليهم وهي ساکنة
والسلم قد تنبت الاوراق في السلم


کنا نظن وبعض الظن مأثمة
بأن ذلک جمع غير منهزم


فمذ وقعت وقوع النسر خانهم
من کان مجتمعا من ذلک الرخم


کان ضرغام ينقم علي هذا البيت وبقول أنا عندک من الرخم

[صفحه 413]

ولم يکونوا عدو ازل جانبه
وإنما غرقوا في سيلک العرم


وما قصدت بتعظيمي سواک سوي
تعظيم شأنک فاعذرني ولا تلم


ولو شکرت لياليهم محافظة
لعهدها لم يکن بالعهد من قدم


ولو فتحت فمي يوما بذمهم
لم يرض فضلک إلا أن يسد فمي


والله يأمر بالاحسان عارفة
منه وينهي عن الفحشاء في الکلم


فشکرني شاور وابناه في الوفاء لبني رزيک. اه.

کان يحمي الذمار بالذمارة، ويوفي بعهد من صاحبه ونادمه ويدافع عنه بصراحة اللهجة، وله مواقف مشکورة تنم عن أنه ذو حفاظ وذو محافظة، حضر يوما هو والرضي أبوسالم يحيي الاحدب بن أبي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العاضد عند نجم الدين أيوب بن شادي فأنشد إبن أبي حصيبة نجم الدين أيوب فقال


يامالک الارض لا أرضي له طرفا
منها وما کان منها لم يکن طرفا


قد عجل الله هذي الدار تسکنها
وقد أعد لک الجنات والغرفا


تشرفت بک عمن کان يسکنها
فالبس بها العز ولتلبس بک الشرفا


کانوا بها صدفا والدار لؤلؤة
وأنت لؤلؤة صارت لها صدفا


فقال الفقيه عمارة يرد عليه


أثمت يا من هجا السادات والخلفا
وقلت ما قلته في ثلبهم سخفا


جعلتهم صدفا حلوا بلؤلؤة
والعرف مازال سکني اللؤلؤالصدفا


وإنما هي دار حل جوهرهم
فيها وشف فأسناها الذي وصفا


فقال لؤلؤة عجبا ببهجتها
وکونها حوت الاشراف والشرفا


فهم بسکناهم الآيات إذ سکنوا
فيها ومن قبلها قد أسکنواالصحفا


والجوهر الفرد نور ليس يعرفه
من البرية إلا کل من عرفا


لولا تجسمهم فيه لکان علي
ضعف البصائر للابصار مختطفا


فالکلب ياکلب أسني منک مکرمة[5] .
لان فيه حفاظا دائما ووفا


قال المقريزي فلله در عمارة لقد قام بحق الوفاء ووفي بحسن الحفاظ کما هي عادته،

[صفحه 414]

لا جرم انه قتل في واجب من يهوي کما هي سنة المحبين، فالله يرحمه ويتجاوز عنه.

وله قصائد يرثي أهل القصر من الملوک الفاطميين بعد انقراض دولتهم وفاء بعهدهم منها قصيدة أولها


لا تندبن ليلي ولا أطلالها
يوما وإن ظعنت بها أجمالها


واندب هديت قصور سادات عفت
قد نالهم ريب الزمان ونالها


درست معالمهم لدرس ملوکهم
وتغيرت من بعدهم أحوالها


ومنها


رميت يادهر کف المجد بالشلل
وجيده بعد حسن الحلي بالعطل


سعيت في منهج الرأي العثور فإن
قدرت من عثرات الدهر فاستقل


جدعت مارنک الاقني فأنفک لا
ينفک ما بين قرع السن والخجل


هدمت قاعدة المعروف عن عجل
سعيت مهلا أما تمشي علي مهل؟


لهفي ولهف بني الآمال قاطبة
علي فجيعتها في أکرم الدول


قدمت مصر فأولتني خلائفها
من المکارم ما أربي علي الامل


قوم عرفت بهم کسب الالوف ومن
کمالها انها جاءت ولم أسل


وکنت من وزراء الدست حين سما
رأس الحصان يهاديه علي الکفل


ونلت من عظماء الجيش مکرمة
وخلة حرست من عارض الخلل


ياعاذلي في هوي أبناء فاطمة
لک الملامة إن قصرت في عذلي


بالله در ساحة القصرين وابک معي
عليها لا علي صفين والجمل


وقل لاهليهما والله ما التحمت
فيکم جراحي ولا قرحي بمندمل


ماذا عسي کانت الافرنج فاعلة
في نسل آل أميرالمؤمنين علي؟


هل کان في الامر شيئ غير قسمة ما
ملکتم بين حکم السبي والنقل؟


وقد حصلتم عليها واسم جدکم
(محمد) وأبوکم غير منتقل


مررت بالقصر والارکان خالية
من الوفود وکانت قبلة القبل


فملت عنها بوجهي خوف منتقد
من الاعادي ووجه الود لم يمل


أسلت من أسفي دمعي غداة خلت
رحابکم وغدت مهجورة السبل

[صفحه 415]

أبکي علي ماتراءت من مکارمکم
حال الزمان عليها وهي لم تحل


دار الضيافة کانت انس وافدکم
واليوم أوحش من رسم ومن طلل


وفطرة الصوم إذ أضحت مکارمکم
تشکو من الدهر حيفا غير محتمل


وکسوة الناس في الفصلين قد درست
ورث منها جديد عندهم وبلي


وموسم کان في يوم الخليج لکم
يأتي تجملکم فيه علي الجمل


وأول العام والعيدين کم لکم
فيهن من وبل جود ليس بالوشل


والارض تهتز في يوم الغدير(کما
يتهز ما بين قصريکم من الاسل


والخيل تعرض في وشي وفي شية
مثل العرائس في حلي وفي حلل


ولا حملتم قري الاضياف من سعة
الاطباق الا علي الاکتاف والعجل


وما خصصتم ببر أهل ملتکم
حتي عممتم به الاقصي من الملل


کانت رواتبکم للذمتين ولل
ضيف المقيم وللطاري من الرسل


ثم الطراز بتنيس الذي عظمت
منه الصلات لاهل الارض والدول


وللجوامع من إحسانکم نعم
لمن تصدر في علم وفي عمل


وربما عادت الدنيا فمعقلها
منکم وأضحت بکم محلولة العقل


والله لا فاز يوم الحشر مبغضکم
ولا نجا من عذاب الله غير ولي


ولا سقي الماء من حر ومن ظمأ
من کف خير البرايا خاتم الرسل


ولا رأي جنة الله التي خلقت
من خان عهد الامام العاضد بن علي


أئمتي وهداتي والذخيرة لي
إذا ارتهنت بما قدمت من عملي


تالله لم اوفهم في المدح حقهم
لان فضلهم کالوابل الهطل


ولو تضاعفت الاقوال واتسعت
ما کنت فيهم بحمد الله بالخجل


باب النجاة هم دنيا وآخرة
وحبهم فهو أصل الدين والعمل


نور الهدي ومصابيح الدجي ومح
ل الغيث إن ربت الانواء في المحل


أئمة خلقوا نورا فنورهم
من محض خالص نور الله لم يفل


والله ما زلت عن حبي لهم أبدا
ما أخر الله لي في مدة الاجل



صفحه 409، 410، 411، 412، 413، 414، 415.





  1. طبع مع مختار ديوانه في 399 صحيفة في (شالون) علي نهر (سون) بمطبع مرسو سنة 1897 المسيحية.
  2. أحد شعراء الغدير قد مرت ترجمته في هذا الجزء ص 387.
  3. أحد شعراء الغدير اسلفنا ترجمته في هذا الجزء ص 338.
  4. معرب سپهسالار قائد الجيش.
  5. في منتخب ديوانه ص 292 معرفة.