ترجمة الفقيه عماره
[صفحه 409] وإنک لا تدري إذا نظم شعرا هل هو ينضد درا؟ أو يفرغ في بوتقة القريض تبرا؟ فقد ضم شعره إلي الجزالة قوة، وإلي السلاسة رونقا، وفوق کل ذلک مودته المتواصلة لعترة الوحي وقوله بإمامتهم عليهم السلام حتي لفظ نفسه الاخير ضحية ذلک المذهب الفاضل؛ وقد أبقت تآليفه القيمة وآثاره العلمية والادبية له ذکرا خالدا مع الابد منها النکت العصرية في أخبار الوزراء المصرية وتاريخ اليمن وکتاب في الفرايض، وديوان شعره، وقصيدة کتبها إلي صلاح الدين سماها (شکاية المتظلم ونکاية المتألم). قال في کتابه (النکت العصرية)[1] ص 7 عند ذکر نسبه فأما جرثومة النسب فقحطان ثم الحکم بن سعد العشيرة المذحجي، وأما الوطن فمن تهامة باليمن مدينة مرطان من وادي وساع وبعدها من مکة في مهب الجنوب أحد عشر يوما، وبها المولد المربي وأهلها بقية العرب في تهامة، وکانت رئاستهم وسياستهم تنتهي إلي المشيب بن سليمان وهو جدي من جهة الوالدة، وإلي زيدان بن أحمد وهو جدي لابي، وهما إبنا عم، وکان زيدان يقول أنا أعد أسلافي أحد عشر جدا ما منهم إلا عالم مصنف في عدة علوم، ولقد أدرکت عمي علي بن زيدان، وخالي محمد بن المشيب، ورئاسة حکم بن سعد العشيرة تقف عليهما وتنتهي إليهما إلي أن قال قلت لاخي يحيي يوما من القائل في جديک المشيب بن سليمان وزيدان بن أحمد إذا طرقتک أحداث الليالي وأعوز من يجيرک من سطاها هما ردا علي شتيت ملکي وقاما عنه خذلاني بنصري فقال هو السلطان علي بن حبابة الفرودي کان قومه قد أخرجوه من ملکه وأفقروه من ملکه وولوا عليهم أخاه سلامة فنزل بهما فسارا معه في جموع من قومهما حتي عزلا سلامة ووليا عليا وأصلحا له قومه، وکان الذي وصل إليه من برهما وأنفقاه [صفحه 410] علي الجيش في نصرته، وحملا إليه من خيل ومن إبل ما ينيف علي خمسين ألفا من الذهب، قال يحيي وفي أبي وخالي يقول مدبر الشاعر الحکمي من قصيدة طويلة أبواکما ردا علي ابن حبابة کفل المشيب علي الحسام بعوده وبنيتما ما شيدا من سؤدد وحدثني أبي قال مرض عمک علي مرضا أشرف فيه علي الموت ثم أبل منه فأنشدته لرجل من بني الحارث يدعي سلم بن شافع کان قد وفد عليه يستعينه في دية قتيل لزمته فلما شغلنا بمرض صاحبنا إرتحل الحارثي إلي قومه وأرسل إلي بقصيدة منها إذا أودي ابن زيدان علي ولا اشتمل النساء علي جنين علي الدنيا وساکنها جميعا قال فبکي عمک وأمرني باحضار الحارثي ودفع له ألف دينار وساق عنه الدية بعد ستة أشهر، وکان إذا رآه أکرمه ورفع مجلسه، وبسط القول في جود عمه علي ابن زيدان وسعة ثروته وعظم شجاعته ثم قال ما ملخصه أدرکت الحلم سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وفي سنة إحدي وثلاثين بعثني والدي إلي زبيد مع الوزير مسلم ابن سخت فنزلت فيها ولازمت الطلب فأقمت أربع سنين لا أخرج عن المدرسة إلا لصلاة يوم الجمعة، وفي السنة الخامسة زرت الوالدين وأقمت في زبيد ثلاث سنين وجماعة من الطلبة يقرؤون عندي مذهب الشافعي والفرائض في المواريث، ولي في الفرائض مصنف يقرأ في اليمن، وفي سنة تسع وثلاثين زارني والدي وخمسة من اخوتي إلي زبيد وأنشدت والدي شيئا من شعري فاستحسنه ثم قال تعلم والله إن الادب نعمة من نعم الله عليک فلا تکفرها بذم الناس واستحلفني أن لا أهجو مسلما قط ببيت شعر فحلفت له علي ذلک، وحججت مع الملکة الحرة ام فاتک ملک زبيد، وخرجت مرة اخري إلي مکة سنة تسع وأربعين وخمس مائة وفي موسم هذه السنة مات أمير الحرمين هاشم بن فليتة وولي الحرمين ولده قاسم بن هاشم فألزمني السفارة عنه والرسالة المصرية فقدمتها في شهر ربيع الاول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذ الامام الفائز بن الظافر، والوزير [صفحه 411] له الملک الصالح طلايع بن رزيک فلما احضرت للسلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة أنشدتهما قصيدة أولها ألحمد للعيس بعد العزم والهمم لا أجحد الحق عندي للرکاب يد قربن بعد مزار العز من نظري ورحن من کعبة البطحاء والحرم فهل دري البيت إني بعد فرقته حيث الخلافة مضروب سرادقها وللامامة أنوار مقدسة وللنبوة أبيات ينص لنا وللمکارم أعلام تعلمنا وللعلي ألسن تثني محامدها وراية الشرف البذاخ ترفعها أقسمت بالفائز المعصوم معتقدا لقد حمي الدين والدنيا وأهلهما أللابس الفخر لم تنسج غلائله وجوده أوجد الايام ما اقترحت قد ملکته العوالي رق مملکة أري مقاما عظيم الشأن أوهمني يوم من العمر لم يخطر علي أملي ليت الکواکب تدنو لي فأنظمها تري الوزارة فيه وهي باذلة عواطف علمتنا أن بينهما خليفة ووزير مد عدلهما زيادة النيل نقص عند فيضهما [صفحه 412] وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مرارا والاستاذون وأعيان الامراء والکبراء يذهبون في الاستحسان کل مذهب، ثم افيضت علي خلع من ثياب الخلافة المذهبة ودفع لي الصالح خمسمائة دينار، وإذا بعض الاستاذين قد أخرج لي من عند السيدة الشريفة بنت الامام الحافظ خمسمائة دينار اخري، وحمل المال معي إلي منزلي، واطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لاحد من قبلي، و تهادتني امراء الدولة إلي منازلهم للولائم، واستحضرني الصالح للمجالسة، ونظمني في سلک أهل المؤانسة، وانثالت علي صلاته وغمرني بره، ووجدت بحضرته من أعيان أهل الادب الشيخ الجليس أبا المعالي ابن الحباب[2] والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الانشاء،وأبا الفتح محمود بن قادوس[3] والمهذب أبا محمد الحسن بن الزبير، وما من هذه الحلبة أحد إلا ويضرب في الفضائل النفسانية والرئاسة الانسانية بأوفر نصيب ويرمي شاکلة الاشکال فيصيب. وقال في ص 69 لما جلس شاور في دار الذهب قام الشعراء والخطباء ولفيف من الناس إلا الاقل ينالون من بني رزيک وضرغام نائب الباب ويحيي بن الخياط اسفهسلار[4] العساکر وکانت بيني وبين شاور أنسة تامة مستحکمة فأنشدته في اليوم الثاني من جلوسه والجمع حافل قصيدة أولها صحت بدولتک الايام من سقم زالت ليالي بني رزيک وانصرمت کأن صالحهم يوما وعادلهم هم حرکوها عليهم وهي ساکنة کنا نظن وبعض الظن مأثمة فمذ وقعت وقوع النسر خانهم کان ضرغام ينقم علي هذا البيت وبقول أنا عندک من الرخم [صفحه 413] ولم يکونوا عدو ازل جانبه وما قصدت بتعظيمي سواک سوي ولو شکرت لياليهم محافظة ولو فتحت فمي يوما بذمهم والله يأمر بالاحسان عارفة فشکرني شاور وابناه في الوفاء لبني رزيک. اه. کان يحمي الذمار بالذمارة، ويوفي بعهد من صاحبه ونادمه ويدافع عنه بصراحة اللهجة، وله مواقف مشکورة تنم عن أنه ذو حفاظ وذو محافظة، حضر يوما هو والرضي أبوسالم يحيي الاحدب بن أبي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العاضد عند نجم الدين أيوب بن شادي فأنشد إبن أبي حصيبة نجم الدين أيوب فقال يامالک الارض لا أرضي له طرفا قد عجل الله هذي الدار تسکنها تشرفت بک عمن کان يسکنها کانوا بها صدفا والدار لؤلؤة فقال الفقيه عمارة يرد عليه أثمت يا من هجا السادات والخلفا جعلتهم صدفا حلوا بلؤلؤة وإنما هي دار حل جوهرهم فقال لؤلؤة عجبا ببهجتها فهم بسکناهم الآيات إذ سکنوا والجوهر الفرد نور ليس يعرفه لولا تجسمهم فيه لکان علي فالکلب ياکلب أسني منک مکرمة[5] . قال المقريزي فلله در عمارة لقد قام بحق الوفاء ووفي بحسن الحفاظ کما هي عادته، [صفحه 414] لا جرم انه قتل في واجب من يهوي کما هي سنة المحبين، فالله يرحمه ويتجاوز عنه. وله قصائد يرثي أهل القصر من الملوک الفاطميين بعد انقراض دولتهم وفاء بعهدهم منها قصيدة أولها لا تندبن ليلي ولا أطلالها واندب هديت قصور سادات عفت درست معالمهم لدرس ملوکهم ومنها رميت يادهر کف المجد بالشلل سعيت في منهج الرأي العثور فإن جدعت مارنک الاقني فأنفک لا هدمت قاعدة المعروف عن عجل لهفي ولهف بني الآمال قاطبة قدمت مصر فأولتني خلائفها قوم عرفت بهم کسب الالوف ومن وکنت من وزراء الدست حين سما ونلت من عظماء الجيش مکرمة ياعاذلي في هوي أبناء فاطمة بالله در ساحة القصرين وابک معي وقل لاهليهما والله ما التحمت ماذا عسي کانت الافرنج فاعلة هل کان في الامر شيئ غير قسمة ما وقد حصلتم عليها واسم جدکم مررت بالقصر والارکان خالية فملت عنها بوجهي خوف منتقد أسلت من أسفي دمعي غداة خلت [صفحه 415] أبکي علي ماتراءت من مکارمکم دار الضيافة کانت انس وافدکم وفطرة الصوم إذ أضحت مکارمکم وکسوة الناس في الفصلين قد درست وموسم کان في يوم الخليج لکم وأول العام والعيدين کم لکم والارض تهتز في يوم الغدير(کما والخيل تعرض في وشي وفي شية ولا حملتم قري الاضياف من سعة وما خصصتم ببر أهل ملتکم کانت رواتبکم للذمتين ولل ثم الطراز بتنيس الذي عظمت وللجوامع من إحسانکم نعم وربما عادت الدنيا فمعقلها والله لا فاز يوم الحشر مبغضکم ولا سقي الماء من حر ومن ظمأ ولا رأي جنة الله التي خلقت أئمتي وهداتي والذخيرة لي تالله لم اوفهم في المدح حقهم ولو تضاعفت الاقوال واتسعت باب النجاة هم دنيا وآخرة نور الهدي ومصابيح الدجي ومح أئمة خلقوا نورا فنورهم والله ما زلت عن حبي لهم أبدا
ألفقيه نجم الدين أبومحمد عمارة بن أبي الحسن علي بن زيدان بن أحمد الحکمي اليمني، من فقهاء الشيعة الامامية ومدرسيهم ومؤلفيهم ومن شهداء أعلامهم علي التشيع، وقد زان علمه الکامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألق،
ولم يوجد لعلتها طبيب
فزيدان يجيرها والمشيب
ووجه الدهر من رغم قطوب
قياما تستکين به الخطوب
ملکا تبدد شمله تبديدا
مذ صال زيدان به فاعيدا
قدما فأشبه والد مولودا
فلا طلعت نجومک يا سماء
ولا روي الثري للسحب ماء
إذا أردي أبوالحسن العفاء
حمدا يقوم بما أولت من النعم
تمنت اللجم فيها رتبة الخطم
حتي رأيت إمام العصر من أمم
وفدا إلي کعبة المعروف والکرم
ما سرت من حرم إلا إلي حرم؟
بين النقيضين من عفو ومن نقم
تجلو البغيضين من ظلم ومن ظلم
علي الخفيين من حکم ومن حکم
مدح الجزيلين من بأس ومن کرم
علي الحميدين من فعل ومن شيم
يد الرفيعين من مجد ومن همم
فوز النجاة وأجر البر في القسم
وزيره الصالح الفراج للغمم
إلا يدا لصنيع السيف والقلم
وجوده أعدم الشاکين للعدم
تعير أنف الثريا عزة الشمم
في يقظتي انها من جملة الحلم
ولا ترقت إليه رغبة الهمم
عقود مدح فما أرضي لکم کلمي
عند الخلافة نصحا غير متهم
قرابة من جميل الرأي لا الرحم
ظلا علي مفرق الاسلام والامم
فما عسي يتعاطي منة الديم
وزال ما يشتکيه الدهر من ألم
والحمد والذم فيها غير منصرم
في صدر ذاک الدست لم يقعد ولم يقم
والسلم قد تنبت الاوراق في السلم
بأن ذلک جمع غير منهزم
من کان مجتمعا من ذلک الرخم
وإنما غرقوا في سيلک العرم
تعظيم شأنک فاعذرني ولا تلم
لعهدها لم يکن بالعهد من قدم
لم يرض فضلک إلا أن يسد فمي
منه وينهي عن الفحشاء في الکلم
منها وما کان منها لم يکن طرفا
وقد أعد لک الجنات والغرفا
فالبس بها العز ولتلبس بک الشرفا
وأنت لؤلؤة صارت لها صدفا
وقلت ما قلته في ثلبهم سخفا
والعرف مازال سکني اللؤلؤالصدفا
فيها وشف فأسناها الذي وصفا
وکونها حوت الاشراف والشرفا
فيها ومن قبلها قد أسکنواالصحفا
من البرية إلا کل من عرفا
ضعف البصائر للابصار مختطفا
لان فيه حفاظا دائما ووفا
يوما وإن ظعنت بها أجمالها
قد نالهم ريب الزمان ونالها
وتغيرت من بعدهم أحوالها
وجيده بعد حسن الحلي بالعطل
قدرت من عثرات الدهر فاستقل
ينفک ما بين قرع السن والخجل
سعيت مهلا أما تمشي علي مهل؟
علي فجيعتها في أکرم الدول
من المکارم ما أربي علي الامل
کمالها انها جاءت ولم أسل
رأس الحصان يهاديه علي الکفل
وخلة حرست من عارض الخلل
لک الملامة إن قصرت في عذلي
عليها لا علي صفين والجمل
فيکم جراحي ولا قرحي بمندمل
في نسل آل أميرالمؤمنين علي؟
ملکتم بين حکم السبي والنقل؟
(محمد) وأبوکم غير منتقل
من الوفود وکانت قبلة القبل
من الاعادي ووجه الود لم يمل
رحابکم وغدت مهجورة السبل
حال الزمان عليها وهي لم تحل
واليوم أوحش من رسم ومن طلل
تشکو من الدهر حيفا غير محتمل
ورث منها جديد عندهم وبلي
يأتي تجملکم فيه علي الجمل
فيهن من وبل جود ليس بالوشل
يتهز ما بين قصريکم من الاسل
مثل العرائس في حلي وفي حلل
الاطباق الا علي الاکتاف والعجل
حتي عممتم به الاقصي من الملل
ضيف المقيم وللطاري من الرسل
منه الصلات لاهل الارض والدول
لمن تصدر في علم وفي عمل
منکم وأضحت بکم محلولة العقل
ولا نجا من عذاب الله غير ولي
من کف خير البرايا خاتم الرسل
من خان عهد الامام العاضد بن علي
إذا ارتهنت بما قدمت من عملي
لان فضلهم کالوابل الهطل
ما کنت فيهم بحمد الله بالخجل
وحبهم فهو أصل الدين والعمل
ل الغيث إن ربت الانواء في المحل
من محض خالص نور الله لم يفل
ما أخر الله لي في مدة الاجل
صفحه 409، 410، 411، 412، 413، 414، 415.