ترجمة ألقاضي الجليس











ترجمة ألقاضي الجليس



أبوالمعالي عبدالعزيز بن الحسين بن الحباب[1] الاغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس من مقدمي شعراء مصر وکتابهم، ومن ندماء الملک الصالح طلايع بن رزيک (الذي مرت ترجمته ص 344) وأحسب أن تلقيبه بالجليس کان لمجالسته إياه متواصلا، وهو ممن اغرق نزعا في موالاة العترة الطاهرة کما ينم عنه شعره، ولمعاصره الفقيه عمارة اليمني (الآتي ذکره) شعر يمدحه، منه قصيدة في کتابه النکت العصرية(ص 158 قالها سنة إحدي وخمسين وخمسمائة، أولها


هي سلوة حلت عقود وفائها
مذ شف ثوب الصبر عن برحائها


ومنها


لم أسأل الرکبان عن أسمائها
کفلا بها لولا هوي أسمائها


وسألت أيامي صديقا صادقا
فوجدت ما أرجوه جل رجائها


ومنها


ولقد هجرت إلي (الجليس) مهاجرا
عصبا يضيم الدهر جار فنائها


مستنجدا لابي المعالي همة
تغدو المعالي وهي بعض عطائها


لما مدحت علاه أيقنت العدي
أن الزمان أجار من عدوائها


واغد سعدي الاوامر أبلج
يلقي سقيمات المني بشفائها


ومنها


نذرت مصافحة الغمام أناملي
فوفت غمائم کفه بوفائها


وقال کما في نکته العصرية ص 252 وقد حدث للقاضي الجليس مرض أخره عن حضور مجلس الملک الصالح طلايع بن رزيک


وحق المعالي يا أباها وصنوها
يمين امرئ عاداته القسم البر


لقد قصرت عما بلغت من العلي
وأحرزته أبناء دهرک والدهر


متي کنت يا صدر الزمان بموضع
فرتبتک العليا وموضعک الصدر


ولما حضرنا مجلس الانس لم يکن
علي وجهه إذ غبت إنس ولا بشر

[صفحه 388]

فقدناک فقدان النفوس حياتها
ولم يک فقد الارض أعوزهاالقطر


وأظلم جو الفضل إذ غاب بدره
وفي الليلة الظلماء يفتقدالبدر


ترجمه العماد في (الخريدة) وأثني عليه بالفضل المشهور، وإبن کثير في تاريخه 12 ص 251، وإبن شاکر في فوات (الوفيات) ج 1 ص 278 فقال تولي ديوان الانشاء للفائز مع الموفق بن الخلال ومن شعره


ومن عجبي إن الصوارم والقنا
تحيض بأيدي القوم وهي ذکور


وأعجب من ذا أنها في أکفهم
تأجج نارا والاکف بحور


وله في طبيب


وأصل بليتي من قد غزاني
من السقم الملح بعسکرين


طبيب طبه کغراب بين
يفرق بين عافيتي وبيني


أتي الحمي وقد شاخت وباخت
فعاد لها الشباب بنسختين


ودبرها بتدبير لطيف
حکاه عن سنين أو حنين


وکانت نوبة في کل يوم
فصيرها بحذق نوبتين


وله في طبيب أيضا


ياوارثا عن أب وجد
فضيلة الطب والسداد


وحاملا رد کل نفس
همت عن الجسم بالبعاد


اقسم لو قد طببت دهرا
لعاد کونا بلا فساد


وله


حيا بتفاحة مخضبة
من شفني حبه وتيمني


فقلت ما إن رأيت مشبهها
فأحمر من خجلة فکذبني


وله


رب بيض سللن باللحظ بيضا
مرهفات جفونهن جفون


وخدود للدمع فيها خدود
وعيون قد فاض فيها عيون


وقال ايضا


ألمت بنا والليل يزهي بلمة
دجوجية لم يکتهل بعد فوداها

[صفحه 389]

فأشرق ضوء الصبح وهو جبينها
وفاحت أزاهير الربا وهي رياها


إذا ما اجتنت من وجهها العين روضة
أسالت خلال الروض بالدمع أمواها


وإني لاستسقي السحاب لربعها
وإن لم تکن إلا ضلوعي مأواها


إذا استعرت نار الاسي بين أضلعي
نضحت علي حر الحشا برد ذکراها


وما بي أن يصلي الفؤاد بحرها
ويضرم لولا أن في القلب سکناها


کان القاضي الجليس کبير الانف وکان الخطيب أبوالقاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصياد مولعا بأنفه وهجائه وذکر انفه في اکثر من ألف مقطوع فانتصر له ابوالفتح ابن قادوس (المترجم في هذا الجزء ص 338) فقال


يا من يعيب أنوفنا الشم
التي ليست تعاب


الانف خلقة ربنا
وقرونک الشم اکتساب


وله شعر في رثاء والده وقد غرق في البحر بريح عاصف. اه.

والمترجم هو الذي قرظ أبا محمد بن الزبير الحسن بن علي المصري المتوفي سنة 561 عند الملک الصالح حتي قدمه، فلما مات شمت به إبن الزبير ولبس في جنازته ثيابا مذهبة، فنقص عند الناس بهذا السبب واستقبحوا فعله، ولم يعش بعد الجليس إلا شهرا واحدا[2] .

کان الملک الصالح طلايع لا يزال يحضر في ليالي الجمع جلساؤه وبعض امراءه لسماع قرائة صحيح مسلم والبخاري وأمثالهما من کتب الحديث وکان الذي يقرأ رجلا أبخر فلعهدي وقد حضر المجلس مع الامير علي بن الزبير والقاضي الجليس أبي محمد وقد أمال وجهه إلي القاضي إبن الزبير وقال له


وأبخر قلت لا تجلس بجنبي

فقال إبن الزبير

إذا قابلت بالليل البخاري

فقال القاضي الجليس


فقلت وقد سألت بلا احتشام
لانک دائما من فيک خاري


أنشد بعض جلساء الملک الصالح بمجلسه بيتا من الاوزان التي يسميها المصريون

[صفحه 390]

(الزکالش) ويسميها العراقيون (کان وکان).


ألنار بين ضلوعي
ونا غريق في دموعي


کني فتيلة قنديل
أموت غريق وحريق


وکان عنده القاضي الجليس والقاضي ابن الزبير فنظما معناه بديها فقال الجليس


هل عاذر إن رمت خلع عذاري
في شم سالفة ولثم عذار؟


تتألف الاضداد فيه ولم تزل
في سالف الايام ذات نفار


وله من الزفرات لفح صواعق
وله من العبرات لج بحار


کذبالة القنديل قدر هلکها
ما بين ماء في الزجاج ونار


وقال إبن الزبير


کأني وقد سالت سيول مدامعي
فأذکت حريقا في الحشا والترائب


ذبالة قنديل تقوم بمائها
وتشعل فيها النار من کل جانب[3] .


کتب أبوالمعالي إلي القاضي الرشيد المصري[4] قوله


ثروة المکرمات بعدک فقر
ومحل العلي ببعدک قفر


بک تجلي إذا حللت الدياجي
وتمر الايام حيث تمر


أذنب الدهر في مسيرک ذنبا
ليس منه سوي إيابک عذر[5] .


حکي انه استأذن هو والقاضي الرشيد ذات يوم علي أحد الوزراء فلم يأذن لهما واعتذر عن المواجهة ووجدا عنده غلظة من الحجاب، ثم عاوداه مرة اخري واستأذنا عليه فقيل لهما إنه نائم فخرجا من عنده فقال القاضي الرشيد


توقع لايام اللئام زوالها
فعما قليل سوف تنکر حالها


فلو کنت تدعو الله في کل حالة
لتبقي عليهم ما أمنت انتقالها


وقال القاضي الجليس


لئن أنکرتم منا ازدحاما
ليجتنبنکم هذا الزحام


وإن نمتم عن الحاجات عمدا
فعين الدهر عنکم لا تنام

[صفحه 391]

فلم يکن بعد أيام حتي نکب الوزير نکبة عظيمة (مرآة الجنان 3 ص 302)

قال الصفدي في (نکت الهميان)، کان الموفق بن الخلال خال القاضي الجليس فحصل لابن الخلال نکبة وحصل القاضي بسبب خاله إبن الخلال صداع فکتب القاضي إلي القاضي الرشيد.


تسمع مقالي يابن الزبير
فأنت خليق بأن تسمعه


نکبنا بذي نسب شابک
قليل الجدي في زمان الدعه


إذا ناله الخير لم نرجه
وإن صفعوه صفعنا معه


توفي القاضي الجليس سنة 561 وقد أناف علي السبعين کما في فوات الوفيات.

م- ذکر سيدنا العلامة السيد أحمد العطار البغدادي في الجزء الاول من کتابه (الرائق) جملة من شعر شاعرنا الجليس منها قصيدة يرثي بها أهل البيت الطاهرين ويمدح الملک الصالح بن رزيک ويذکر مواقفه المشکورة في خدمة آل الله أولها


لولا مجانبة الملوک الشاني
ما تم شاني في الغرام بشاني


(50 بيتا)

وقصيدة في رثاء العترة الطاهرة تناهز 66 بيتا مطلعها


أرأيت جرأة طيف هذا الزاير
ما هاب عاديه الغيور الزاير


وافي وشملته الظلام ولم يکن
ليزور إلا في ظلام ساتر


فکأنه إنسان عين لم يلح
مذ قط إلا في سواد الناظر


ما حکم أجفاني کحکم جفونها
شتان بين سواهر وسواحر


وقصيدة يمدح بها الامام أميرالمؤمنين صلوات الله عليه ويذکر الملک الصالح ويثني عليه تبلغ 72 بيتا مستهلها


علي کل خير من وصالک مانع
وفي کل لحظ من جمالک شافع


وقصيدة 72 بيتا يدعم بها إمرة الامام أميرالمؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلي الله عليه وآله ويرثي الامام السبط عليه السلام ويذکر الملک الصالح إبن رزيک ويطريه أولها


الا هل لدمعي في الغمام رسيل؟
وهل لي إلي برد الغليل سبيل؟


وذکر له قصيدة لامية تبلغ 51 بيتا في المديح والرثاء لاهل البيت الطاهر صلي الله عليهم وسلم.

[صفحه 392]



صفحه 388، 389، 390، 391، 392.





  1. في معجم الادباء ج 3 ص 157 الخباب.
  2. معجم الادباء 3 ص 157.
  3. بدايع ج 1 ص 176 و 237.
  4. أبوالحسين احمد بن علي الغساني المقتول 563.
  5. تاريخه ابن خلکان ج 1 ص 54.