ترجمة ابن العودي
لم أقف علي ترجمة (أبي المعالي) أبسط مما نشرته مجلة الغري (النجفية) الغراء في العدد ال د 22 و 23 من السنة السابعة بقلم الدکتور مصطفي جواد البغدادي ذلک البحاثة المنقب وإليک نصه قال کان أبوالمعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت أخبار سيرهم، فهو کوکب من کواکب الادب، ومشاهد نوره مجهولة حقيقته أو حقائق أوصافه، وکان في الايام التي جمع فيها عماد الدين الاصفهاني أخبار الشعراء ولذلک قال في نعته شاب شبت له نار الذکاء وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء، ودر من فيه شؤبوب الفصاحة يسقيمن ينشده شعره راح الراحة، وردت واسطا سنة خمسين) يعني خمسين وخمسمائة (فذکر لي انه کان بها للاسترفاد وقام في بعض الايام ينشد خادم الخليفة فاتنا[2] فسبقه غيره إلي الانشاد، فقعد ولم يعد إليه وسلم علي رفده وعليه وصمم عزم الرحيل إلي وطنه بالنيل، ولقيته بعد ذلک في سنة أربع وخمسين بالهمامية اه د واشارة العماد إلي أنه کان شابا من فلتات الشباب. ويلوح لنا من أثناء هذا الخبر أن إبن العودي کان مع تحريره انشاده لاسترفاده [صفحه 380] أبي النفس معتمدا بشعره والشاعر الابي المسترفد لا يورثه إباؤه إلا الحرمان وإساءة الزمان ومن شعره الذي نقله قطب الدين أبويعلي محمد بن علي بن حمزة العلوي الاقساسي تغزله بامرأة نصف أي متوسطة العمر أبي القلب إلا ام فضل وإن غدت لقد زادها عندي المشيب ملاحة فإن غيرت منها الليالي ففي الحشا فما نال منها الدهر حتي تکاملت سبتني بفرع فاحم وبمقلة وثغر زهت فيه ثنايا کأنها ولما التقينا بعد بعد من النوي رأيت عليها للجمال بقية وأنشد القاضي عبد المنعم بن مقبل الواسطي له هم أقعدوني في الهوي وأقاموا وهم ترکوني للعتاب دريئة ولو انصفوا في الحب قسمة بيننا[4] . ولکنهم لما استدر لنا الهوي ولما تنادوا للرحيل وقوضت رميت بطرفي نحوهم متأملا وعدت وبي مما أجن صبابة إذا هاج بي وجد وشوق کأنما ولائمة في الحب قلت لها اقصري أأسلو الهوي بعد المشيب ولم يزل [صفحه 381] ولما جزعنا الرمل رمل عنيزة صبوت اشتياقا ثم قلت لصاحبي تجهيز لبين أو تسل عن الهوي وکيف يرجي النول عند بخيلة مهفهفة الاعطاف أما جبينها فيا ليت لي منها بلوغا إلي المني وهذه المعاني التي أودعها إبن العودي قصيدة مألوفة متعالمة بين الشعراء إلا أن نسج شعره عربي بحت يضفي علي تلک المعاني ما لا يستطيعه النسج السابري، وقد نقل الصفدي أبياتا من هذه القصيدة ومن غيرها من شعر إبن العودي وذکر أن شعره متوسط ولا نري في هذا الحکم حنقا فإنه متوسط حقا من حيث المعاني، ولکنه في حبکه وتأليفه من الطبقة الاولي فإن العرب تنظر إلي المباني قبل المعاني، بحکم ما في لغتها من موسيقي وجرس ورنين، وهذا لا يعني انها تقر من النظم ما لا معني له لان شرط صحة المباني احتوائها علي صحة المعاني کائنة ما کانت. وقد نظم إبن العودي في الشعر المذهبي الذي أکثر منه السيد الحميري وإبن حماد والعوني والناشي الاصغر وابن علوية الاصفهاني[5] والوراق القمي، ولما دخل إبن شهر اشوب العراق في أواسط القرن السادس الفي شعر إبن العودي في المذهب تستهديه الآذان أفواه الشداة المنشدين فضمن کتابه مناقب آل أبي طالب شيئا منه و کثيرا من شعر الناظمين في المذهب، وبعد ترک ابن شهر اشوب العراق إلي الشام حدثت ببغداد فتن مذهبية ووثب الحنابلة کعادتهم بأعدائهم في المذهب فأحرقوا کتبهم و فيها دواوين شعرائهم واضطهدوهم اضطهادا فضيعا فضاع کل ذلک الادب غثه وسمينه وصار طعمة للنار، والظاهر ان ذلک الضرب من النظم في شعر إبن العودي هو الذي حمل محب الدين محمدا المعروف بابن النجار البغدادي علي أن يقول في ترجمة إبن العودي (کان رافضيا خبيثا يهجو الصحابة) ومن شعر إبن العودي في إقامته مدة بواسط [صفحه 382] يؤرقني في واسط کل ليلة فيا للهوي هل راحم لمتيم خليلي هل ما فات يرجي؟ ولنا فإن کنت ابدي سلوة عن هواکم ألا يا حمامات علي نهر سالم تعالين نبد النوح کل بشجوه علي أن وجدي غير وجدک في الهوي وما کنت أدري بعد ما کان بيننا فهاأنت قد هيجت لي حرق الجوي وأسهرتني بالنوح حتي کأنما فلا تحسبي إني نزعت عن الهوي ولکنني أخفيت مابي من الجوي قال الشريف قطب الدين أبويعلي محمد بن علي بن حمزة أنشدني الربيب أبوالمعالي سالم إبن العودي في منزلي مستهل صفر سنة خمسين وخمسمائة ما حبست الکتاب عنک لهجر غير أن الزمان يحدث للمر شيم مرت الليالي عليها وهذه أبيات حکمية کريمة منتزعة معانيها من صميم الحقيقة الحيوية، وقال الحسن بن هبة الله التغلبي المعروف بابن مصري الدمشقي أنشدني أبوالمعالي سالم بن علي العودي لنفسه دع الدنيا لمن أمسي بخيلا ولا ترکن إلي الايام واعلم فکم قد غرت الدنيا اناسا وما هذي الحياة وإن تراخت فويل لابن آدم من مقام [صفحه 383] قال وأنشدني أبوالمعالي لنفسه أ اخي إنک ميت لا ترکنن إلي الحيا أزف الرحيل فلا تکن يا غافلا والموت يقدح لابد يوما للنبا وأنشدني لنفسه لا أقتضيک علي السماح فإنه إن السحاب إذا تمسک بالندي وأنشدني نفسه سيدي عد إلي الوصا وترفق بعاشق إن تکن تطلب الصوا أو ترد بالنوي دنو وأنشد. يا عاتبين علي عان يحبکم إن کان صدکم عني حدوث غني ومن شعره قوله يقولون لو داويت قبلک لارعوي وهيهات يبرأ بالنمائم والرقي ولم أقف علي سنة وفاة إبن العودي، إلا أن سنة ولادته (أعني سنة 478) ورواية عماد الدين الاصفهاني له سنة 554 بالهمامية قرب واسط لا تترکان للظن أن يغالي في بقائه طويلا بعد سنة 454 المذکورة بل لا أراه قد جاوز سنة 558 فإنها تجعل عمره ثمانين سنة وذلک من نوادر الاعمار في هذه الديار.اه. [صفحه 384]
ألربيب أبوالمعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي (العودي)[1] التغلبي النيلي نسبة إلي بلدة النيل علي نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحو الشرق الجنوبي وکانت ولادته بها سنة 478.
تعد من النصف الاخير لداتها
وإن زعم الواشي وساء عداتها
لها حرق ما تنطفي زفراتها
کمالا وأعيي الواصفين صفاتها
لها لحظات ما تفک عناتها
حصي برد تشفي الصدار[3] شفاتها
وقد حان نحوي بالسلام التفاتها
فعاد لنفسي في الهوي نشواتها
وأبلوا جفوني بالسهاد وناموا
اؤنب في حبيهم والام
لهاموا کما بي صبوة وهيام
کرمت بحفظي للوداد ولاموا
لبينهم بالابرقين خيام
وفي القلب مني لوعة وضرام
لها بين أثناه الضلوع کلام
تضمر أعشار الفؤاد سهام
فمثلي لا يسلي هواه ملام
يصاحبني مذ کنت وهو غلام؟
وناحت بأعلي الدوحتين حمام
ألا إنما نوح الحمام حمام
فمالک من ليلي الغداة لمام
تروم الثريا وهي ليس ترام؟
فصبح وأما فرعها فظلام
حلالا فإن لم يقض لي فحرام
وساوس هم من نوي وفراق
يعل بکأس للفراق دهاق؟
علي النأي من بعد الفراق تلاقي؟
فإن صباباتي بکم لبواقي
سلمت ووقاک التفرق واقي
فإن اکتتام الوجد غير مطاق
فدمعي مهراق ودمعک راقي
من الوصل اني للفراق ملاقي
وأبديت مکنون الهوي لوفاقي
سقاک بکاسات التفرق ساقي
وکيف نزوعي عنه بعد وفاقي؟
لکي لا يري الواشون ما أنا لاق
لا ولا کان ذاکم عن تجافي
ء امورا تنسيه کل مصافي
والليالي قليلة الانصاف
وقاطع من تراه لها وصولا
بأن الدهر لا يبقي جليلا
وکم قد أفنت الدنيا قبيلا
بممتعة بها إلا قليلا
يکون به العزيز غدا ذليلا
فدع التعلل بالتمادي
ة فإن عزک في نفاد
ممن يسير بغير زاد
في سنيه بلا زناد
ت إذا تکامل من حصاد
لک عادة لکنني أنا مذکر
رغبوا إليه بالدعاء فيمطر
ل فقد شفني الضنا
ماله عنک من غني
ب بوصل فها أنا
حمامي فقد دنا
لا تجموا بين عتب في الهوي وعنا
فما لنا عنکم حتي الممات غني
بسلوانه عن حب ليلي وعن جمل
سليم الثنايا الغر والحدق النجل
صفحه 380، 381، 382، 383، 384.