ترجمة ابن العودي











ترجمة ابن العودي



ألربيب أبوالمعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي (العودي)[1] التغلبي النيلي نسبة إلي بلدة النيل علي نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحو الشرق الجنوبي وکانت ولادته بها سنة 478.

لم أقف علي ترجمة (أبي المعالي) أبسط مما نشرته مجلة الغري (النجفية) الغراء في العدد ال د 22 و 23 من السنة السابعة بقلم الدکتور مصطفي جواد البغدادي ذلک البحاثة المنقب وإليک نصه قال

کان أبوالمعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت أخبار سيرهم، فهو کوکب من کواکب الادب، ومشاهد نوره مجهولة حقيقته أو حقائق أوصافه، وکان في الايام التي جمع فيها عماد الدين الاصفهاني أخبار الشعراء ولذلک قال في نعته شاب شبت له نار الذکاء وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء، ودر من فيه شؤبوب الفصاحة يسقيمن ينشده شعره راح الراحة، وردت واسطا سنة خمسين) يعني خمسين وخمسمائة (فذکر لي انه کان بها للاسترفاد وقام في بعض الايام ينشد خادم الخليفة فاتنا[2] فسبقه غيره إلي الانشاد، فقعد ولم يعد إليه وسلم علي رفده وعليه وصمم عزم الرحيل إلي وطنه بالنيل، ولقيته بعد ذلک في سنة أربع وخمسين بالهمامية اه د واشارة العماد إلي أنه کان شابا من فلتات الشباب.

ويلوح لنا من أثناء هذا الخبر أن إبن العودي کان مع تحريره انشاده لاسترفاده

[صفحه 380]

أبي النفس معتمدا بشعره والشاعر الابي المسترفد لا يورثه إباؤه إلا الحرمان وإساءة الزمان ومن شعره الذي نقله قطب الدين أبويعلي محمد بن علي بن حمزة العلوي الاقساسي تغزله بامرأة نصف أي متوسطة العمر


أبي القلب إلا ام فضل وإن غدت
تعد من النصف الاخير لداتها


لقد زادها عندي المشيب ملاحة
وإن زعم الواشي وساء عداتها


فإن غيرت منها الليالي ففي الحشا
لها حرق ما تنطفي زفراتها


فما نال منها الدهر حتي تکاملت
کمالا وأعيي الواصفين صفاتها


سبتني بفرع فاحم وبمقلة
لها لحظات ما تفک عناتها


وثغر زهت فيه ثنايا کأنها
حصي برد تشفي الصدار[3] شفاتها


ولما التقينا بعد بعد من النوي
وقد حان نحوي بالسلام التفاتها


رأيت عليها للجمال بقية
فعاد لنفسي في الهوي نشواتها


وأنشد القاضي عبد المنعم بن مقبل الواسطي له


هم أقعدوني في الهوي وأقاموا
وأبلوا جفوني بالسهاد وناموا


وهم ترکوني للعتاب دريئة
اؤنب في حبيهم والام


ولو انصفوا في الحب قسمة بيننا[4] .
لهاموا کما بي صبوة وهيام


ولکنهم لما استدر لنا الهوي
کرمت بحفظي للوداد ولاموا


ولما تنادوا للرحيل وقوضت
لبينهم بالابرقين خيام


رميت بطرفي نحوهم متأملا
وفي القلب مني لوعة وضرام


وعدت وبي مما أجن صبابة
لها بين أثناه الضلوع کلام


إذا هاج بي وجد وشوق کأنما
تضمر أعشار الفؤاد سهام


ولائمة في الحب قلت لها اقصري
فمثلي لا يسلي هواه ملام


أأسلو الهوي بعد المشيب ولم يزل
يصاحبني مذ کنت وهو غلام؟

[صفحه 381]

ولما جزعنا الرمل رمل عنيزة
وناحت بأعلي الدوحتين حمام


صبوت اشتياقا ثم قلت لصاحبي
ألا إنما نوح الحمام حمام


تجهيز لبين أو تسل عن الهوي
فمالک من ليلي الغداة لمام


وکيف يرجي النول عند بخيلة
تروم الثريا وهي ليس ترام؟


مهفهفة الاعطاف أما جبينها
فصبح وأما فرعها فظلام


فيا ليت لي منها بلوغا إلي المني
حلالا فإن لم يقض لي فحرام


وهذه المعاني التي أودعها إبن العودي قصيدة مألوفة متعالمة بين الشعراء إلا أن نسج شعره عربي بحت يضفي علي تلک المعاني ما لا يستطيعه النسج السابري، وقد نقل الصفدي أبياتا من هذه القصيدة ومن غيرها من شعر إبن العودي وذکر أن شعره متوسط ولا نري في هذا الحکم حنقا فإنه متوسط حقا من حيث المعاني، ولکنه في حبکه وتأليفه من الطبقة الاولي فإن العرب تنظر إلي المباني قبل المعاني، بحکم ما في لغتها من موسيقي وجرس ورنين، وهذا لا يعني انها تقر من النظم ما لا معني له لان شرط صحة المباني احتوائها علي صحة المعاني کائنة ما کانت.

وقد نظم إبن العودي في الشعر المذهبي الذي أکثر منه السيد الحميري وإبن حماد والعوني والناشي الاصغر وابن علوية الاصفهاني[5] والوراق القمي، ولما دخل إبن شهر اشوب العراق في أواسط القرن السادس الفي شعر إبن العودي في المذهب تستهديه الآذان أفواه الشداة المنشدين فضمن کتابه مناقب آل أبي طالب شيئا منه و کثيرا من شعر الناظمين في المذهب، وبعد ترک ابن شهر اشوب العراق إلي الشام حدثت ببغداد فتن مذهبية ووثب الحنابلة کعادتهم بأعدائهم في المذهب فأحرقوا کتبهم و فيها دواوين شعرائهم واضطهدوهم اضطهادا فضيعا فضاع کل ذلک الادب غثه وسمينه وصار طعمة للنار، والظاهر ان ذلک الضرب من النظم في شعر إبن العودي هو الذي حمل محب الدين محمدا المعروف بابن النجار البغدادي علي أن يقول في ترجمة إبن العودي (کان رافضيا خبيثا يهجو الصحابة) ومن شعر إبن العودي في إقامته مدة بواسط

[صفحه 382]

يؤرقني في واسط کل ليلة
وساوس هم من نوي وفراق


فيا للهوي هل راحم لمتيم
يعل بکأس للفراق دهاق؟


خليلي هل ما فات يرجي؟ ولنا
علي النأي من بعد الفراق تلاقي؟


فإن کنت ابدي سلوة عن هواکم
فإن صباباتي بکم لبواقي


ألا يا حمامات علي نهر سالم
سلمت ووقاک التفرق واقي


تعالين نبد النوح کل بشجوه
فإن اکتتام الوجد غير مطاق


علي أن وجدي غير وجدک في الهوي
فدمعي مهراق ودمعک راقي


وما کنت أدري بعد ما کان بيننا
من الوصل اني للفراق ملاقي


فهاأنت قد هيجت لي حرق الجوي
وأبديت مکنون الهوي لوفاقي


وأسهرتني بالنوح حتي کأنما
سقاک بکاسات التفرق ساقي


فلا تحسبي إني نزعت عن الهوي
وکيف نزوعي عنه بعد وفاقي؟


ولکنني أخفيت مابي من الجوي
لکي لا يري الواشون ما أنا لاق


قال الشريف قطب الدين أبويعلي محمد بن علي بن حمزة أنشدني الربيب أبوالمعالي سالم إبن العودي في منزلي مستهل صفر سنة خمسين وخمسمائة


ما حبست الکتاب عنک لهجر
لا ولا کان ذاکم عن تجافي


غير أن الزمان يحدث للمر
ء امورا تنسيه کل مصافي


شيم مرت الليالي عليها
والليالي قليلة الانصاف


وهذه أبيات حکمية کريمة منتزعة معانيها من صميم الحقيقة الحيوية، وقال الحسن بن هبة الله التغلبي المعروف بابن مصري الدمشقي أنشدني أبوالمعالي سالم بن علي العودي لنفسه


دع الدنيا لمن أمسي بخيلا
وقاطع من تراه لها وصولا


ولا ترکن إلي الايام واعلم
بأن الدهر لا يبقي جليلا


فکم قد غرت الدنيا اناسا
وکم قد أفنت الدنيا قبيلا


وما هذي الحياة وإن تراخت
بممتعة بها إلا قليلا


فويل لابن آدم من مقام
يکون به العزيز غدا ذليلا

[صفحه 383]

قال وأنشدني أبوالمعالي لنفسه


أ اخي إنک ميت
فدع التعلل بالتمادي


لا ترکنن إلي الحيا
ة فإن عزک في نفاد


أزف الرحيل فلا تکن
ممن يسير بغير زاد


يا غافلا والموت يقدح
في سنيه بلا زناد


لابد يوما للنبا
ت إذا تکامل من حصاد


وأنشدني لنفسه


لا أقتضيک علي السماح فإنه
لک عادة لکنني أنا مذکر


إن السحاب إذا تمسک بالندي
رغبوا إليه بالدعاء فيمطر


وأنشدني نفسه


سيدي عد إلي الوصا
ل فقد شفني الضنا


وترفق بعاشق
ماله عنک من غني


إن تکن تطلب الصوا
ب بوصل فها أنا


أو ترد بالنوي دنو
حمامي فقد دنا


وأنشد.


يا عاتبين علي عان يحبکم
لا تجموا بين عتب في الهوي وعنا


إن کان صدکم عني حدوث غني
فما لنا عنکم حتي الممات غني


ومن شعره قوله


يقولون لو داويت قبلک لارعوي
بسلوانه عن حب ليلي وعن جمل


وهيهات يبرأ بالنمائم والرقي
سليم الثنايا الغر والحدق النجل


ولم أقف علي سنة وفاة إبن العودي، إلا أن سنة ولادته (أعني سنة 478) ورواية عماد الدين الاصفهاني له سنة 554 بالهمامية قرب واسط لا تترکان للظن أن يغالي في بقائه طويلا بعد سنة 454 المذکورة بل لا أراه قد جاوز سنة 558 فإنها تجعل عمره ثمانين سنة وذلک من نوادر الاعمار في هذه الديار.اه.

[صفحه 384]



صفحه 380، 381، 382، 383، 384.





  1. کما في شعره.
  2. هو شمس الدين أبوالفضائل من أکابر مماليک بني العباس کان ناظر واسط يومئذ.
  3. وفي نسخة قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية عبدالعزيز بن جماعة (تسقي الصدار سفاتها) قال الاميني ما في المتن والهامش فيه تصحيف والصحيح تشفي الصدي رشفاتها.
  4. وفي نسخة صلاح الدين الصفدي ولو أنصفوني قسمة الحب بيننا.
  5. مرت تراجم هؤلاء الشعراء الخمسة في الجزء الثاني والثالث والرابع من کتابنا هذا وکلهم من شعراء الغدير.