ولادة ألملك الصالح ووفاته ومدايحه ومراثيه











ولادة ألملک الصالح ووفاته ومدايحه ومراثيه



ولد الملک الصالح سنة خمس وتسعين وأربعمائة ومدحه الفقيه عمارة اليمني) (الآتي ذکره) بقصايد توجد في کتابه (النکت العصرية) منها


دعوا کل برق شمتم غير بارق
يلوح علي الفسطاط صادق بشره


وزوروا المقام الصالحي فکل من
علي الارض ينسي ذکره عند ذکره


ولا تحعلوا مقصودکم طلب الغني
فتجنوا علي مجد المقام وفخره


ولکن سلوا منه العلي تظفروا بها
فکل امري يرجي علي قدر قدره


ومدحه في شعبان سنة 505 بقصيدة منها


قصدتک من أرض الحطيم قصائدي
حادي سراها سنة وکتاب

[صفحه 351]

إن تسألا عما لقيت فإنني
لا مخفق أملي ولا کذاب


لم أنتجع تمد النطاف ولم أقف
بمذانب وقفت بها الاذناب


وقال يمدحه


عندک أن وجدي واکتئابي
تراجع مذ رجعت إلي اجتنابي؟


وان الهجر أحدث لي سلوا
يسکن برده حر التهابي؟


وان الاربعين إذا تولت
بريعان الصبا قبح التصابي؟


ولو لم ينهني شيب نهاني
صباح الشيب في ليل الشباب


وأيام لها في کل وقت
جنايات تجل عن العتاب


اقضيها وتحسب من حياتي
وقد أنفقتهن بلا حساب


وقد حالت بنو رزيک بيني
وبين الدهر بالمنن الرغاب


ومنها


ولولا الصالح انتاش القواقي
لکان الفضل مجتنب الجناب


وکنت وقد تخيره رجائي
کمن هجر السراب إلي الشراب


ولم يخفق بحمد الله سعيي
إلي مصر ولا خاب انتخابي


ولکن زرت أبلج يقتضيه
نداه عمارة الامل الخراب


ومنها


أقمت الناصر[1] المحيي فأحيي
رسوما کن کالرسم اليباب


وبث العدل في الدنيا فأضحي
قطيع الشاء يأنس بالذئاب


وأنت شهاب حق وهو منه
بمنزلة الضياء من الشهاب


سعي مسعاک في کرم وبأس
وشب علي خلائقک العذاب


فأصبح معلم الطرفين لما
حوي شرف انتساب واکتساب


وصنت الملک من عزمات بدر
بميمون النقيبة والرکاب


بأورع لم يزل في کل ثغر
زعيم القب مضروب القباب


مخوف البأس في حرب وسلم
وحد السيف يخشي في القراب

[صفحه 352]

وقال يمدحه بقصيدة أولها


إذا قدرت علي العلياء بالغلب
فلا تعرج علي سعي ولا طلب


واخطب بألسنة الاغماد ما عجزت
عن نيله ألسن الاشعار والخطب


ويقول فيها


ألقي الکفيل أبوالغارات کلکه
علي الزمان وضاعت حيلة النوب


وداخلت أنفس الايام هيبته
حتي استرابت نفوس الشک والريب


5 بث الندي والردي زجرا وتکرمة
فکل قلب رهين الرعب في الرعب


فما لحامل سيف أو مثقفة
سوي التحمل بين الناس من إرب


لما تمرد بهرام واسرته
جهلا وراموا قراع النبع بالغرب


صدعت بالناصر المحبي زجاجتهم
وللزجاجة صدع غير منشعب


أسري إليهم ولوأسري إلي الفلک الاعلي
لخافت قلوب الانجم الشهب


في ليلة قدحت زرق النصال بها
نارا تشب بأطراف القنا الاشب


ظنوا الشجاعة تنجيهم فقارعهم
أبوشجاع قريع المجد والحسب


سقوا بأسکر سکرا لا انقضاء له
من قهوة الموت لا من قهوة العنب


ومنها


لله عزمة محيي الدين کم ترکت
بتربة الحي من خد امرئ ترب


سما إليهم سمو البدر تصحبه
کواکب من سحاب النقع في حجب


في فتية من بني رزيک تحسبهم
عن جانبيه رحي دارت علي قطب


وقال يمدحه بقصيدة منها


هل القلب إلا بضعة يتقلب؟
له خاطر يرضي مرارا ويغضب


أم النفس إلا وهدة مطمئنة
تفيض شعاب الهم منها وتنضب؟


فلا تلزمن الناس غير طباعهم
فتتعب من طول التعاب ويتعبوا


فإنک إن کشفتهم ربما انجلي
رمادهم من جمرة تتلهب


فتارکهم ما تارکوک فإنهم
إلي الشر مذ کانوا من الخيرأقرب


ولا تغترر منهم بحسن بشاشة
فأکثر ايماض البوارق خلب

[صفحه 353]

واصغ إلي ما قلته تنتفع به
ولا تطرح نصحي فأني مجرب


فما تنکر الايام معرفتي بها
ولا إنني أدري بهن وأدرب


وإني لاقوام جذيل محکک
وإني لاقوام عذيق مرجب


عليم بما ترضي المروءة والتقي
خبير بما آتي وما أتجنب


حلبت أفاويق الزمان براحة
تدر بها أخلافه حين تخلب


وصاحبت هذا الدهر حتي لقد غدت
عجائبه من خبرتي تتعجب


ودوخت أقطار البلاد کأنني
إلي الريح اعزي أو إلي الخضرأنسب


وعاشرت أقواما يزيدون کثرة
علي الالف أوعد الحصي حين يحسب


فما راقني في روضهم قط مرتع
ولا شاقني في وردهم قط مشرب


تراني وإياهم فريقين کلنا
بما عنده من عزة النفس معجب


فعندهم دنيا وعندي فضيلة
ولا شک إن الفضل أعلي وأغلب


علي أن ما عندي يدوم بقاؤه
علي ويفني المال عنهم ويذهب


اناس مضي صدر من العمر عندهم
اصعد ظني فيهم واصوب


رجوت بهم نيل الغني فوجدته
کما قيل في الامثال عنقاءمغرب


وکسل عزم المدح بعد نشاطه
ندي ذمه عندي من المدح أوجب


کأن القوافي حين تدعي لشکرهم
علي الجمر تمشي أو علي الشوک تسحب


أفوه بحق کلما رمت ذمهم
وما غير قول الحق لي قط مذهب


وأصدق إلا أن أريد مديحهم
فإني علي حکم الضرورة أکذب


ولو علموا صدق المدائح فيهم
لکانت مساعيهم تهش وتطرب


ولکن دروا ان الذي جاء مادحا
بغير الذي فيهم يسب ويثلب


وما زال هذا الامر دأبي ودأبهم
اغالب لومي فيهم وهو أغلب


إلي أن أذلتني الليالي وأعتبت
وما خلتها بعد الاساءة تعتب


فهاجرت نحو الصالح الملک هجرة
غدت سببا للامن وهو المسبب


وقال يمدحه من قصيدة


هي البدر من سنة البدر أملح
وغرتها من غرة الصبح أصبح

[صفحه 354]

منعمة تسبي العقول بصورة
إلي مثلها لب الجوانح يجنح


کأن الظباء العفر يحکين جيدها
ومقلتها في حين ترنو وتسنح


کأن اهتراز الغصن من فوق ردفها
هضيم بأعلي رملة يترنح


تعلمت من حبي لها عزة الهوي
وقد کنت فيه قبلها أتسمح


وهيج نار الوجد والشوق قولها
أحتي إلي الجوزاء طرفک يطمح؟


فلا جفن إلا ماؤه ثم يسفح
ولا نار إلا زندها ثم يقدح


وما علمت أني إذا شفني الهوي
إليها بدعوي الصبر لا أتبجح


وإن اعترافي بالتأخر حيث لا
يقدمني فضل أجل وأرجح


ألم تر فضل الصالح الملک لم يدع
علي الارض من يثني عليه ويمدح؟


کأن مساعي جملة الخلق جملة
غدت بمساعيه الحميدة تشرح


تجمع فيه ما تفرق في الوري
علي انه أسني وأسمي وأسمح


يرجي الندي منه فيغني ويسمح
ويخشي الردي منه فيعفو ويصفح


له کل يوم منة مستجدة
يضوع جميل الذکر منها وينفح


وقال يمدحه من قصيدة


من کان لا يعشق الاجياد والحدقا
ثم ادعي لذة الدنيا فما صدقا


في العشق معني لطيف ليس يعرفه
من البرية إلا کل من عشقا


لا خفف الله عن قلبي صبابته
للغانيات ولا عن طرفي الارقا


ويقول فيها


لو کنت أملک روحي وارتضيت بها
بذلتها لک لا زورا ولا ملقا


وإنما الصالح الهادي تملکها
بفيض جود رعي آماله وسقي


واقتادها الحظ حتي جاورت ملکا
تمسي ملوک الليالي عنده سوقا


قال يمدحه وولده وأخاه فارس المسلمين


أبيض مجردة؟ أم عيون
تسل وأجفانهن الجفون؟


عجبت لها قضبا باتره
تصول بها المقل الفاتره


فتغدو لارواحنا واتره

ظباء فتکن باسد العرين
وغائرة خرجت من کمين


إذا ما هززن رماح القدود
حمين النفوس لذيذ الورود


حياض اللمي ورياض الخدود

فلا تطمعنک تلک الغصون
فإن کثيب نقاها مصون


وفيهن فتانة لم تزل
أوامر مقلتها تمتثل


ومن أجل سلطانها في المقل

تقول لها أعين الناظرين
إذا مارنت ما الذي تأمرين؟


منعمة ردفها مخصب
وما اهتز من خصرها


مجذب مقسمة کلها يعجب

فجسم جري فيه ماء معين
وقلب غدا صخرة لا تلين


أماو علي الصالح الاوحد
ردي المعتدي وندي المجتدي


وجعد العقوبة سمط اليد

ومن نصر العترة الطاهرين
ونعم النصير لهم والمعين


لقد شرفت مصر والقاهره
بأيام دولته القاهره


وأصبح للدولة الطاهره

بعزم ابن رزيک فتح مبين
وعزم ابنه ناصر الناصرين


إذا مابدا الملک الناصر
بدت شيم مالها حاصر


يطول بها الامل القاصر

[صفحه 356]

کريم السجية طلق الجبين
بري الله کلتا يديه يمين


فتي شأو همته لا ينال
فماذا عسي في علاه يقال؟


وقد حاز أنهي صفات الکمال

وخوله الله دنيا ودين
وأصخي له کل خلق يدين


فلا زال ظل أبيه مديد
مدي الدهر في دولة لا تميد


وبلغ في نفسه ما يريد

وإخوته السادة الاکرمين
وفي عمهم فارس المسلمين


وقال يمدح الصالح ويرثي أهل البيت عليهم السلام


شأن الغرام أجل أن يلحاني
فيه وإن کنت الشفيق الحاني


أنا ذلک الصب الذي قطعت به
صلة الغرام مطامع السلوان


ملئت زجاجة صدره بضميره
فبدت خفية شأنه للشاني


غدرت بموثقها الدموع فغادرت
سري أسيرا في يد الاعلان


عنفت أجفاني فقام بعذرها
وجد يبيح ودائع الاجفان


ومنها


يا صاحبي وفي مجانبة الهوي
رأي الرشاد فما الذي تريان؟


بي ما يذود عن التسبب أوله
ويزيل أيسره جنون جناني


قبضت علي کف الصبابة سلوة
تنهي النهي عن طاعة العصيان


امسي وقلبي بين صبر خاذل
وتجلد قاص وهم دان


قد سهلت حزن الکلام لنادب
آل الرسول نواعب الاحزان


فابذل مشايعة اللسان ونصره
إن فات نصر مهند وسنان


واجعل حديث بني الوصي وظلمهم
تشبيب شکوي الدهر والخذلان


غصبت أمية إرث آل محمد
سفها وشنت غارة الشنآن


وغدت تخالف في الخلافة أهلها
وتقابل البرهان بالبهتان

[صفحه 357]

لم تقتنع أحلامها برکوبها
ظهر النفاق وغارب العدوان


وقعودهم في رتبة نبوية
لم يبنها لهم أبوسفيان


حتي أضافوا بعد ذلک أنهم
أخذوا بثار الکفر في الايمان


فأتي زياد في القبيح زيادة
ترکت يزيد يزيد في النقصان


حرب بنو حرب أقاموا سوقها
وتشبهت بهم بنو مروان


لهفي علي النفر الذين أکفهم
غيث الوري ومعونة اللهفان


أشلاؤهم مزق بکل ثنية
وجسومهم صرعي بکل مکان


مالت عليهم بالتمالئ أمة
باعت جزيل الربح بالخسران


دفعوا عن الحق الذي شهدت لهم
بالنص فيه شواهد القرآن


ما کان أولاهم به لو أيدوا
بالصالح المختار من غسان


أنساهم المختار صدق ولائه
کم أول أربي عليه الثاني


وقضي شاعرنا الملک الصالح شهيدا يوم الاثنين تاسع عشر من شهر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمائة ورثاه الفقيه عمارة اليمني بقصيدة أولها


أفي أهل ذا النادي عليم اسائله؟
فإني لما بي ذاهب اللب ذاهله


سمعت حديثا أحسد الصم عنده
ويذهل واعيه ويخرس قاتله


فهل من جواب يستغيث به المني
ويعلو علي حق المصيبة باطله؟!؟!


وقد رابني من شاهد الحال إنني
أري الدست منصوبا وما فيه کافله


فهل غاب عنه واستناب سليله؟
أم اختار هجرا لا يرجي تواصله؟


فإني أري فوق الوجوه کآبة
تدل علي أن الوجوه ثواکله


ويقول فيها


دعوني فما هذا أوان بکائه
سيأتيکم طل البکاء ووابله


ولا تنکروا حزني عليه فإنني
تقشع عني وابل کنت آمله


ولم لا نبکيه ونندب فقده
وأولادنا أيتامه وأرامله؟


فياليب شعري بعد حسن فعاله
وقد غاب عناما بنا الله فاعله


أيکرم مثوي ضيفکم وغريبکم
فيمکث أم تطوي ببين مراحله؟

[صفحه 358]

ومنها


فياأيها الدست الذي غاب صدره
فماجت بلاياه وهاجت بلابله


عهدت بک الطود الذي کان مفزعا
إذا نزلت بالملک يوما نوازله


فمن زلزل الطود الذي ساخ في الثري
وفي کل أرض خوفه وزلازله؟


ومن سد باب الملک والامر خارج
إلي سائر الاقطار منه وداخله؟


ومن عوق الغازي المجاهد بعدما
أعدت لغزو المشرکين جحافله؟


ومن أکره الرمح الرديني فالنوي
وأرهقه حتي تحطم عامله؟


من کسر العضب المهند فاغتدي
وأجفانه مطروحة تحطم حمائله؟


ومن سلب الاسلام حلية جيده
مإلي أن تشکي وحشة الطرق عاطله؟


ومن أسکت الفضل الذي کان فضله
خطيبا إذا التفت عليه محافله؟


وما هذه الضوضاء من بعد هيبة
إذا خامرت جسما تخلت مفاصله؟


کأن أبا الغارات لم يشن غارة
يريک سواد الليل فيها قساطله


ولا لمعت بين العجاج نصوله
ولا طرزت ثوب الفجاج مناصله


ولا صارفي عالي رکابيه موکب
ينافس فيه فارس الخيل راجله


ولا مرحت فوق الدروع يراعه
کما مرحت تحت السروج صواهله


ولا قسمت ألحاظه بين مخلص
جميل السجايا أو عدو يجامله


ولا قابل المحراب والحرب عاملا
من البأس والاحسان ما الله قابله


تعجبت من فعل الزمان بنفسه
ولا شک إلا أنه جن عاقله


بمن تفخر الايام بعد طلائع
ولم يک في أبنائها من يماثله؟


أتنزل بالهادي الکفيل صروفها
وقد خيمت فوق السماک منازله؟


وتسعي المنايا منه في مهجة امرئ
سعت همم؟ الاقدار فيما تحاوله


ورثاه بقصيدة اخري منها


تنکد بعد الصالح الدهر فاغتدت
مجالس أيامي وهن غيوب


أيجدب خدي من ربيع مدامعي
وربعي من نعمي يديه خصيب؟


وهل عنده ان الدخيل من الجوي
مقيم بقلبي ما أقام عسيب؟

[صفحه 359]

وإن برقت سني لذکر حکاية
فإن فؤادي ما حييت کئيب


ورثاه بقصيدة أولها


طمع المرء في الحياة غرور
وطويل الآمال فيها قصير


ولکم قدر الفتي فأتته
نوب لم يحط بها التقدير


منها


فض ختم الحياة عنک حمام
لا يراعي إذنا ولا يستشير


ما تخطي إلي جلالک إلا
قدر أمره علينا قدير


بذرت عمرک الليالي سفاها
فسيعلمن ما جني التبذير


وقال


ليت يوم الاثنين لم يتبسم
عن محياه لليالي ثغور


طلعت شمسه بيوم عبوس
حير الطير شره المستطير


وتجلي صباحه عن جبين
إثمد الليل فوقه مذرور


صبح المجد في صبيحة ذاک
اليوم غبراء صيلم عنقفير[2] .


بلغ الدهر عندها ما تمني
وعليها کان الزمان يدور


حادث ظلت الحوادث ما
شاهدته من جوره تستجير


ترجف الارض حين يذکر عنه
وتکاد السماء منه تمور


طبق الارض من مصاب أبي الغا
رات خطب له النجوم تغور


ومنها


لک رضوان زائر ولقوم
هلکوا فيه منکر ونکير


حفظت عهدک الخلافة حفظا
أنت منها به خليق جدير


أحسنت بعدک الصنيعة فينا
فاستوت منک غيبة وحضور


وأبي الله أن يتم عليها
ما نوي حاسد لها أو کفور


ضيقوا حفرة المکيدة لکن
ضاق بالناکثين ذاک الحفير

[صفحه 360]

وتجروا علي القصور بغدر
وسراج الوفاء فيها ينير


حرم آمن وشهر حرام
هتکت منهما عري وستور


لا صيام نهاهم لا إمام
طاهر ترب أخمصيه طهور


أخفروا ذمة الهدي بعد علم
ويقين ان الامام خفير


وإذا ما وفت خدور البوادي
بذمام فما تقول القصور؟


غضب العاضد الامام فکادت
فرقا منه أن تذوب الصخور


أدرک الثأر من عداه بعزم
لم يکن في النشاط منه فتور


واستقامت بنصره وهداه
حجة الله واستمر المرير


دفن الملک الصالح بالقاهرة ثم نقل ولده العادل سنة سبع وخمسين وخمسمائة في تاسع صفر تابوت أبيه من القاهرة إلي مشهد بني له في القرافة[3] في وزارته وحفر سردابا يوصل فيه من دار الوزارة إلي دار سعيد السعداء وعمل فيه الفقيه عمارة اليمني قصائد منها


خربت ربوع المکرمات لراحل
عمرت به الاجداث وهي قفار


نعش الجدود العاثرات مشيع
عميت برؤية نعشه الابصار


نعش تود بنات نعش لو غدت
ونظامها أسفا عليه نثار


شخص الانام إليه تحت جنازة
خفضت برفعة قدرها الاقدار


ومنها


وکأنها تابوت موسي أودعت
في جانبيه سکينة ووقار


أوطنته دار الوزارة ريثما
بنيت لنقلته الکريمة دار


وتغاير الهرمان والحرمان في
تابوته وعلي الکريم يغار


آثرت مصرا منه بالشرف الاذي
حسدت قرافتها له الامصار


غضب الاله علي رجال أقدموا
جهلا عليه وآخرين أشاروا


لا تعجبن لقدار ناقة صالح
فلکل عصر صالح وقدار


أحللت دار کرامة لا تنقضي
أبدا وحل بقاتليک بوار

[صفحه 361]

وقع القصاص بهم وليسوا مقنعا
يرضي وأين من السماء غبار؟


ضاقت بهم سعة الفجاج وربما
نام الولي ولا ينام الثار


فتهن بالاجر الجزيل وميتة
درجت عليها قبلک الاخيار


مات الوصي بها وحمزة عمه
وابن البتول وجعفر الطيار


وقال في يوم الخميس وقد نقل الصالح إلي تربته بالقرافة


يا مطلق العبرات وهي غزار
ومقيد الزفرات وهي حرار


ما بال دمعک وهو ماء سافح
يذکي به من حد وجدک نار؟


لا تتخذني قدوة لک في الاسي
فلدي منه مشاعر وشعار


خفض عليک فإن زند بليتي
وار وفي صدري صدي واوار


إن کان في يدک الخيار؟ فإنني
ولهان لم أترک وما أختار


في کل يوم لي حنين مضلة
يؤدي لها بعد الحوار حوار


عاهدت دمعي أن يقر فخانني
قلب لسائله الهموم قرار


هل عند محتقر يسير بلية
إن الصغار من الهموم کبار؟


ومنها


حتي إذا شيدتها ونصبتها
علما يحج فناؤه ويزار


ومنها


أکفيل آل محمد ووليهم
في حيث عرف وليهم إنکار


ومنها


ولقد وفي لک من صنائعک امرؤ
بثنائه تستسمع السمار


أوفي أبوحسن بعهدک عندما
خذلت يمين اختها ويسار


غابت حماتک واثقين ولم تغب
فکأنهم بحضوره حضار


ومنها


ملک جناية سيفه وسنانه
في کل جبار عصاره جبار


جمعت له فرق القلوب علي الرضي
والسيف جامعهن والدينار


وهما اللذان إذا أقاما دولة
دانت وکان لامرها استمرار

[صفحه 362]

وإذا هما افترقا ولم يتناصرا
عز العدو وذلت الانصار


ياخير من نقضت له عقد الحبي
وغدا إليه النقض والامرار


ومضت أوامره المطاعة حسب ما
يقضي به الايراد والاصدار


إن الکفالة والوزارة لم يزل
يومي إليک بفضلها ويشار


کانت مسافرة إليک وتعبد الا
خطار مالم ترکب الاخطار


حتي إذا نزلت عليک وشاهدت
ملکا لزند الملک منه اوار


ألقت عصاها في ذراک وعريت
عنها السروج وحطت الاوکار


لله سيرتک التي أطلقتها
وقيودها التأريخ والاشعار


جلت فصلي خاطري في مدحها
وکبت ورائي قرح ومهار


والخيل لا يرضيک منها مخبر
إلا إذا ما لزها المضمار


ومدائحي ما قد علمت وطالما
سبقت ولم يبلل لهن عذار


إن أخرتني عن جنابک محنة
بأقل منها تبسط الاعذار


فلدي من حسن الولاء عقيدة
يرضيک منها الجهر والاسرار


وقال يرثيه ويمدح ولده الملک الناصر العادل بن الصالح أنشدها في مشهده بالقرافة في شعبان سنة سبع وخمسين وخمسمائة


أري کل جمع بالردي يتفرق
وکل جديد بالبلي يتمزق


وما هذه الاعمار إلا صحائف
تؤرخ وقتا ثم تمحي وتمحق


ومنها


ولما تقضي الحول إلا لياليا
تضاف إلي الماضي قريبا وتلحق


وعجنا بصحراء القرافة والاسي
يغرب في أکبادنا ويشرق


عقدنا علي رب القوافي عقائلا
تغر إذا هانت جياد وأينق


وقلنا له خذ بعض ما کنت منعما
به وقضاء الحق بالحر أليق


عقود قواف من قوافيک تنتقي
ودر معان من معانيک يسرق


نثرنا علي حصباء قبرک درها
صحيحا ودر الدمع في الخد يفلق


ويقول فيها

[صفحه 363]

وجدناکم يا آل رزيک خير من
تنص إليه اليعملات وتعنق


وفدنا إليکم نطلب الجاه والغني
فأکرم ذو مثوي وأغني مملق


وعلمتمونا عزة النفس بالندي
وملقي وجوه لم يشنها التملق


وصيرتم الفسطاط بالجود کعبة
يطوف برکنيها العراق وجلق[4] .


فلا سترکم عن مرتج قط مرتج
ولا بابکم عن معلق الحظ مغلق


وليس لقلب في سواکم علاقة
ولا ليد إلا بکم متعلق



صفحه 351، 352، 353، 354، 356، 357، 358، 359، 360، 361، 362، 363.





  1. هو الملک الناصر العادل بن الصالح بن رزيک.
  2. صبح القوم صبحا أتاهم صباحا صيلم الامر الشديد يقال وقعد صيلمة أي مستأصلة عنقفير أحسبه مصحف (خنشفير) أي الداهية.
  3. جبانة في مصر والکلام فيها طويل بسط القول فيها المقريزي في الخطط ج 4 ص 317.
  4. جلق بکسرتين وتشديد اللام اسم لکورة الغوطة کلها وقيل بل هي دمشق نفسها.