ترجمة ابن منير الطرابلسي
[صفحه 332] قائل إنه کان خبيث اللسان، وآخر يعزو إليه التحامل علي الصحابة، ومن ناسب إليه الرفض، ومن مفتعل عليه رؤيا هائلة، لکن فضله الظاهر لم يدع لهم ملتحدا عن اطرائه وإکبار موقفه في الادب بالرغم من کل تلکم الهلجات، وجمع شعره بين الرقة والقوة والجزالة، وازدهي بالسلاسة والانسجام، وقبل أي مأثرة من مآثره انه کان أحد حفاظ القرآن الکريم کما ذکره إبن عساکر وإبن خلکان وصاحب (شذرات الذهب). قال ابن عساکر في تاريخه ج 2 ص 97 حفظ القرآن، وتعلم اللغة والادب، و قال الشعر، وقدم دمشق فسکنها، کان رافضيا خبيثا يعتقد مذهب الامامية، وکان هجاء خبيث اللسان يکثر الفحش في شعره، ويستعمل فيه الالفاظ العامية، فلما کثر الهجو منه سجنه بوري بن طغتکين أمير دمشق في السجن مدة وعزم علي قطع لسانه فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب فوهبه له وأمر بنفيه من دمشق، فلما ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلي دمشق ثم تغير عليه إسماعيل لشئ بلغه عنه فطلبه وأراد صلبه فهرب واختفي في مسجد الوزير أياما ثم خرج من دمشق ولحق بالبلاد الشمالية ينقل من حماة[2] إلي شيزر وإلي حلب ثم قدم دمشق آخر قدمة في صحبة الملک العادل لما حاصر دمشق الحصر الثاني، فلما استقر الصلح دخل البلد ورجع مع العسکر إلي حلب فمات بها، لقد رأيته غير مرة ولم أسمع منه، فأنشدني والامير أبوالفضل إسماعيل ابن الامير أبي العساکر سلطان بن منقد قال أنشدني ابن منير لنفسه أخلي فصد عن الحميم وما اختلي ما کان واديه بأول مرتع وإذا الکريم رأي الخمول نزيله کالبدر لما أن تضاءل نوره ساهمت عيسک مر عيشک قا فارق ترق کالسيف سل فبان في [صفحه 333] لا تحسبن ذهاب نفسک ميتة للقفر لا للفقر هبها إنما لا ترض من دنياک ما أدناک من وصل الهجير بهجر قوم کلما من غادر خبثت مغارس وده أو حلف دهر کيف مال بوجهه لله علمي بالزمان وأهله طبعوا علي لؤم الطباع فخيرهم وفي غير هذه الرواية زيادة وهي أنا من إذا ما الدهر هم بخفضه واع خطاب الخطب وهو مجمجم زعم کمنبلج الصباح وراءه قال الاميني والشاعر يصف في نظمه هذا مناوئيه من اهل زمانه الذين نبزوه بالسفاسف ورموه بالقذائف ممن أوعزنا إليهم في الترجمة وکل هجوه من هذا القبيل ولذلک کان يثقل علي مهملجة الضغائن والاحن. وقال إبن عساکر وانشد ايضا له عدمت دهرا ولدت فيه ما تعتريني الهموم إلا فهل صديق يباع؟ حتي يکون في قلبه مثال وکم صديق رغبت عنه وقال الامير أبوالفضل عمل والدي طستا من فضة فعمل إبن منير أبياتا کتبت عليه من جملتها يا صنو مائدة لاکرم مطعم [صفحه 334] جمعت أياديه إلي أيادي الآلاف ومن العجائب راحتي من راحة ومن محاسن شعره ألقصيدة التي أولها من رکب البدر في صدر الرديني وأنزل النير الاعلي إلي فلک طرف رنا أم قراب سل صارمه؟ أذلني بعد عز والهوي أبدا وذکر منها إبن خلکان ايضا أما وذائب مسک من ذوائبه وما يجن عقيقي الشفاه من الريق لو قيل للبدر من في الارض تحسده أربي علي بشتي من محاسنه إباء فارس في لين الشآم مع الظرف وما المدامة بالالباب أفتک من ويوجد تمام القصيدة 27 بيتا في)نهاية الارب(ج 2 ص 23، وتاريخ حلب ج 4 ص 234 وذکر إبن خلکان له ايضا أنکرت مقلته سفک دمي لا تخالوا خاله في خده ذاک من نار فؤادي جذوة وکان بين المترجم وابن القيسراني[4] مهاجاة واتفق ان أتابک عماد الدين زنکي صاحب الشام غناه مغن علي قلعة جعبر وهو يحاصرها قول المترجم ويلي من المعرض الغضبان إذ نقل الواشي إليه حديثا کله زور سلمت فازور يزوي قوس حاجبه فاستحسنها زنکي وقال لمن هذه؟ فقيل لابن منير وهو بحلب فکتب إلي [صفحه 335] والي حلب يسيره إليه سريعا فسيره فليلة وصل إبن منير قتل أتابک زنکي فعاد إبن منير صحبة العسکر إلي حلب فلما دخل قال له إبن القيسراني هذه بجميع ما کنت تبکتني به. کان شاعرنا المترجم عند امراء بني منقذ بقلعة شيزر وکانوا مقبلين عليه وکان بدمشق شاعر يقال له أبوالوحش وکانت فيه دعابة وبينه وبين أبي الحکم عبيدالله[5] مداعبات فسأل منه کتابا إلي إبن منير بالوصية عليه فکتب أبوالحکم أبا الحسين اسمع مقال فتي هذا أبوالوحش جاء ممتدحا واتل عليهم بحسن شرحک ما وخبر القوم انه رجل ومنها وهو علي خفة به أبدا يمت بالثلب والرقاعة والسخف إن أنت فاتحته لتخبر ما فنبه إن حل خطة الخسف وأسقه السم إن ظفرت به وذکر النويري له في (نهاية الارب) ج 2 لاح لنا عاطلا فصيغ له حياة روحي وفي لواحظه ما خاله من فتيت عنبر صد لکن سويداء قلب عاشقه [صفحه 366] وله في النهاية ايضا کأن خديه ديناران قد وزنا فخف إحداهما عن وزن صاحبه وله في (بدايع البداية) ج 1 ص 44 في صبي صبيح سراج يسمي يوسف قوله ياسمي المتاح في ظلمة الج والذي قطع النساء له الاي لک وجه مياسم الحسن فيه کتب إبن منير للقاضي أبي الفضل هبة الله المتوفي 562 يلتمس منه کتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) تأليف القاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني وکان قد وعده بها يا حائزا غاي کل فضيلة ومن ترقي إلي محل إلي متي أسعط التمني؟ ولد المترجم (إبن منير) سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس، وتوفي في جمادي الآخر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة (عند جل المؤرخين) بحلب ودفن في جبل جوشن[7] بقرب المشهد الذي هناک، قال إبن خلکان زرت قبره ورأيت عليه مکتوبا من زار قبري فليکن موقنا فيرحم الله امرءا زارني ثم وجدت في ديوان أبي الحکم عبيد الله أن إبن منير توفي بدمشق في سنة سبع وأربعين ورثاه بأبيات علي أنه مات بدمشق وهي هزلية علي عادته ومنها [صفحه 337] أتوا به فوق أعواد تسيره وأثخنوا الماء في قدر مرصعة وعلي هذا التقدير فيحتاج إلي الجمع بين هذين الکلامين فعساه أن يکون قد مات في دمشق ثم نقل إلي حلب فدفن بها اه. وأما أبوالمترجم (المنير) فکان شاعرا کجده (المفلح) کما في (نسمة السحر)وکان منشدا الشعر العوني، ينشد قصائده في أسواق طرابلس کما ذکر إبن عساکر في تاريخ الشام ج 2 ص 97، وبما أن العوني من شعراء أهل البيت عليهم السلام ولم يؤثر عنه شئ في غيرهم، وکان منشده الشيعي هذا يهتف بها في أسواق طرابلس وفيها أخلاط من الامم والاقوام کانوا يستثقلون نشر تلکم المآثر بملا من الاشهاد، وبالرغم من غيظهم الثائر في صدورهم لذلک ما کان يسعهم مجابهته والمکاشفة معه علي منعه لمکان من يجنح إلي العترة الطاهرة هنالک فعملوا بالميسور من الوقيعة فيه من انه کان يغني بها في الاسواق کما وقع في لفظ إبن عساکر وقال کان منشدا ينشد أشعار العوني في أسواق طرابلس ويغني وأسقط إبن خلکان ذکر العوني وإنشاد المنير لشعره فاکتفي بأنه کان يغني في الاسواقزيادة منه في الوقيعة وعلما بأنه لو جاء بذکر العوني وشعره لعرف المنقبون بعده مغزي کلامه کما عرفناه، وعلم أن ذلک الشعر لا يغني به بل تقرط به الآذان لاحياء روح الايمان وإرحاض معرة الباطل. توجد ترجمة إبن منير في کثير من المعاجم وکتب السير منها تاريخ إبن خلکان ج 1 ص 51 ألخريدة للعماد الکاتب الانساب للسمعاني[8] تاريخ إبن عساکر 2 ص 97 مرآة الجنان 3 ص 287 تاريخ إبن کثير 12 ص 231، مجالس المؤمنين ص 456 أمل الآمل لصاحب الوسائل شذرات الذهب 4 ص 146، نسمة السحر في الجزء الاول روضات الجنات ص 72 أعلام الزرکلي 1 ص 81 تاريخ آداب اللغة 3 ص 20 دائرة المعارف للبستاني ج 1 ص 709 تاريخ حلب 4 ص 231 [صفحه 338]
أبوالحسين مهذب الدين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي[1] الشامي نازل درب الخابوري علي باب الجامع الکبير الشمالي عين الزمان الشهير بالرفا، أحد أئمة الادب، وفي الطبقة العليا من صاغة القريض، وقد أکثر وأجاد وله في أئمة أهل البيت عليه السلام عقود عسجدية أبقت له الذکر الخالد والفخر الطريف والتالد، و قد أتقن اللغة والعلوم والادبية کلها، أنجبت به الطرابلس فکان زهرة رياضها، و ورواء أرباضها، ثم هبط دمشق فکان شاعرها المفلق، وأديبها المدره، فنشر في عاصمة الامويين فضايل العترة الطاهرة بجمان نظمه الرايق، وطفق يتذمر علي من ناواهم أو زواهم عن حقوقهم محققا فيه مذهبه الحق، فبهظ ذلک المتحايدين عن أهل البيت عليهم السلام فوجهوا إليه القذائف والطامات، وسلقوه بألسنة حداد فمن
ورأي الحمام يغصه فتوسلا
ودعت طلاوته طلاه فاجفلا
في منزل فالحزم أن يترحلا
طلب الکمال فحازه متنقلا
عدا أفلا فليت بهن ناصية الفلا؟
متنيه ما أخفي القراب وأخملا
ما الموت إلا أن تعيش مذللا[3] .
مغناک ما أغناک أن تتوسلا
دنس وکن طيفا جلا ثم انجلي
أمطرتهم عسلا جنوا لک حنظلا
فإذا محضت له الوفاء تأولا
أمسي کذلک مدبرا أو مقبلا
ذنب الفضيلة عندهم أن تکملا
إن قلت قال وإن سکت تقولا
سامته همته السماک الاعزلا
راع أکول العيس من عدم الکلا
عزم کحد السيف صادف مقتلا
کم أشرب المر من بنيه
من صاحب کنت أصطفيه
بمهجتي کنت أشتريه
يشبه ما صاغ لي فيه
قد عشت حتي رغبت فيه
مأهولة الارجاء بالاضياف
بعد البذل للآلاف
معروفة المعروف بالاتلاف
وموه السحر في حد اليماني
مداره في القباء الخسرواني
وأغيد ماس أم أعطاف خطي؟
يستعبد الليث للظبي الکناسي
علي أعالي القضيب الخيزراني
الرحيقي والثغر الجماني
إذا تحلي؟ لقال ابن الفلاني
تألفت بين مسموع ومرئي
العراقي والنطق الحجازي
فصاحة البدو في ألفاظ ترکي
وعلي وجنته فاعترفت
قطرة من دم جفني نقطت
فيه ساخت وانطفت ثم طفت
کأنني کأس خمر وهو مخمور
عوجل فيما يقول فارتجلا
للقوم فاهنأ به إذا وصلا
أنقله من حديثه جملا
ما أبصر الناس مثله رجلا
معترف انه من الثقلا
وأما بغير ذاک فلا
يصدر عنه فتحت منه خلا
والهون ورحب به إذا رحلا
وامزج له من لسانک العسلا[6] .
مناطق من مراشق المقل
حتفي بين النشاط والکسل
غيه ولا قطر صبغة الکحل
طفت علي نار وردة الخجل
وحرر الصيرفي الوزن واحتاطا
فحط فوق الذي قد خف قيراطا
ب لمن ساقه القضاء إليها
دي ومکن حبله من يديها
صکة تطبع البدور عليها
تضل في کنهه الاحاطة
أحکم فوق السهي مناطه
ولا تري المن بالوساطه
أن الذي ألقاه يلقاه
وقال لي يرحمک الله
وغسلوه بشطي نهر قلوط
واشعلوا تحته عيدان بلوط
صفحه 332، 333، 334، 335، 366، 337، 338.