معاوية وعمرو











معاوية وعمرو



إستأذن عمرو بن العاص علي معاوية بن أبي سفيان فلما دخل عليه إستضحک معاوية فقال عمرو: ما أضحکک يا أميرالمؤمنين؟ أدام الله سرورک. قال: ذکرت إبن أبي طالب وقد غشيک بسيفه فاتقيته ووليت. فقال: أتشمت بي يا معاوية؟ وأعجب من هذا يوم دعاک إلي البراز فالتمع لونک، وأطت[1] أضالعک، وانتفخ منخرک، والله لو بارزته لاوجع قذالک[2] وأيتم عيالک، وبزک سلطانک، وأنشأ عمرو يقول:


معاوي لا تشمت بفارس بهمة
لقي فارسا لا تعتريه الفوارس


معاوي إن أبصرت في الخيل مقبلا
أبا حسن يهوي دهتک الوساوس


وأيقنت أن الموت حق وانه
لنفسک إن لم تمض في الرکض حابس


فإنک لو لاقيته کنت بومة[3] .
اتيح لها صقر من الجو رايس[4] .


وما ذا بقاء القوم بعد اختباطه؟
وإن امرؤ يلقي عليا لآيس


دعاک فصمت دونه الاذن هاربا
فنفسک قد ضاقت عليها الامالس[5] .


وأيقنت أن الموت أقرب موعد
وأن الذي ناداک فيها الدهارس[6] .


وتشمت بي إن نالني حد رمحه
وعضضني ناب من الحرب ناهس[7] .


أبي الله إلا أنه ليث غابة
أبوأشبل تهدي إليه الفرايس


وأي امرؤ لاقاه لم يلف شلوه
بمعترک تسفي عليه الروامس[8] .

[صفحه 163]

فإن کنت في شک فأرهج عجاجه
وإلا فتلک الترهات البسابس[9] .


فقال معاوية: مهلا يا أبا عبدالله؟ ولا کل هذا. قال: أنت إستدعيته.

وفي لفظ إبن قتيبة في «عيون الاخبار» 1 ص 169: رأي عمرو بن العاص معاوية يوما يضحک فقال له: مم تضحک يا أميرالمؤمنين؟ أضحک الله سنک. قال: أضحک من حضور ذهنک عند إبدائک سوءتک يوم إبن أبي طالب، أما والله لقد وافقته منانا کريما ولو شاء أن يقتلک لقتلک. قال عمرو: يا أميرالمؤمنين؟ أما والله إني لعن يمينک حين دعاک إلي البراز فأحولت عيناک، وربا سحرک[10] وبدا منک ما أکره ذکره ذلک، فمن نفسک فاضحک أو دع.

وفي لفظ البيهقي في المحاسن والمساوي 1 ص 38: دخل عمرو بن العاص علي معاوية وعنده ناس فلما رآه مقبلا إستضحک فقال: يا أميرالمؤمنين؟ أضحک الله سنک وأدام سرورک وأقر عينک ما کل ما أري يوجب الضحک. فقال معاوية؟ خطر ببالي يوم صفين يوم بارزت أهل العراق فحمل عليک علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما غشيک طرحت نفسک عن دابتک وأبديت عورتک، کيف حضرک ذهنک في تلک الحال؟ أما والله لقد واقفت هاشميا منافيا ولو شاء أن يقتلک لقتلک. فقال عمرو: يا معاوية إن کان أضحکک شأني فمن نفسک فاضحک، أما والله لو بداله من صفحتک مثل الذي بداله من صفحتي لاوجع قذلک، وأيتم عيالک، وأنهب مالک، وعزل سلطانک، غير انک تحرزت منه بالرجال في أيديها العوالي، أما أني قد رأيتک يوم دعاک إلي البراز فاحولت عيناک، وأربد شدقاک، وتنشر منخراک، وعرق جبينک، وبدا من أسفلک ما أکره ذکره. فقال معاوية: حسبک حيث بلغت لم نرد کل هذا.

وفي لفظ الواقدي: قال معاوية يوما لعمرو بن العاص: يا أبا عبدالله؟ لا أراک إلا ويغلبني الضحک قال: بماذا؟ قال: أذکر يوم حمل عليک أبوتراب في صفين فأذريت نفسک فرقا من شبا سنانه، وکشفت سوأتک له. فقال عمرو: أنا منک أشد ضحکا إني لاذکر يوم دعاک إلي البراز فانتفخ سحرک، وربا لسانک في فمک، وعصب

[صفحه 164]

ريقک، وإرتدت فرائصک، وبدا منک ما أکره ذکره لک. فقال معاوية: لم يکن هذا کله، وکيف يکون؟ ودوني عک والاشعريون. قال: إنک لتعلم أن الذي وصفت دون ما أصابک، وقد نزل ذلک بک ودونک عک والاشعريون، فکيف کانت حالک. لوجمعکما مأقط الحرب. قال: يا أبا عبدالله؟ خض بنا الهزل إلي الجد: إن الجبن والفرار من علي لاعار علي أحد فيهما. شرح إبن أبي الحديد 2 ص 111.

قال نصرفي کتابه ص 229: وکان معاوية لم يزل يشمت عمرا ويذکر يومه المعهود ويضحک، وعمرو يعتذر بشدة موقفه بين يدي أميرالمؤمنين، فشمت به معاوية يوما و قال: لقد أنصفتکم إذ لقيت سعيد بن قيس وفررتم وانک لجبان، فغضب عمرو ثم قال: والله لو کان عليا ما قحمت عليه يا معاوية؟ فهلا برزت إلي علي إذا دعاک إن کنت شجاعا کما تزعم؟ وقال عمرو في ذلک:


تسير إلي ابن ذي يزن سعيد
وتترک في العجاجة من دعاکا


فهل لک في أبي حسن علي؟
لعل الله يمکن من قفاکا


دعاک إلي النزال فلم تجبه
ولو نازلته تربت يداکا


وکنت أصم إذ ناداک عنه
وکان سکوته عنه مناکا


فآب الکبش قد طحنت رحاه
بنجدته ولم تطحن رحاکا


فما أنصفت صحبک يابن هند
أتفرقه وتغضب من کفاکا؟؟!!


فلا والله ما أضمرت خيرا
ولا أظهرت لي إلا هواکا


أشار عمرو بن العاص في هذه الابيات إلي ما رواه نصر في کتاب صفين ص 140 وغيره من المؤرخين من: أن عليا عليه السلام قام يوم صفين بين الصفين ثم نادي يا معاوية؟ يکررها فقال معاوية: إسألوه ما شأنه؟ قال: احب ان يظهر لي فاکلمه کلمة واحدة. فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص فلما قارباه لم يلتفت إلي عمرو وقال لمعاوية:ويحک علي م يقتتل الناس بيني وبينک، ويضرب بعضهم بعضا؟؟!! أبرز إلي فأينا قتل صاحبه فالامر له. فالتفت معاوية إلي عمرو فقال: ما تري يا أبا عبدالله؟ فيما هيهنا، ابارزه؟؟!! فقال عمرو: لقد أنصفک الرجل واعلم أنه إن نکلت عنه لم تزل سبة عليک وعلي عقبک ما بقي عربي. فقال معاوية: يا عمرو؟ ليس مثلي يخدع عن نفسه، والله

[صفحه 165]

ما بارز إبن أبي طالب رجلا قط إلا سقي الارض من دمه. ثم انصرف معاوية راجعا حتي إنتهي إلي آخر الصفوف وعمرو معه

خرج علي عليه السلام ذات يوم في صفين منقطعا من خيله ومعه الاشتر يتسايران رويدا يطلبان التل ليقفا عليه وعلي يقول:


إني علي فسلوا لتخبروا
ثم ابرزوا إلي الوغا أو ادبروا


سيفي حسام وسناني أزهر
منا النبي الطيب المطهر


وحمزة الخير ومنا جعفر
له جناح في الجنان أخضر


ذا أسد الله وفيه مفخر
هذا بهذا وابن هند محجر


مذبذب مطرد مؤخر

إذ برز له بسر بن أرطاة مقنعا في الحديد لا يعرف فناداه: أبرز إلي أبا حسن؟ فانحدر إليه علي تؤدة[11] غير مکترث به حتي إذا قاربه طعنه وهو دارع فألقاه علي الارض، ومنع الدرع السنان أن يصل إليه، فإتقاه بسر بعورته وقصد أن يکشفها يستدفع بأسه، فانصرف عنه عليه السلام مستدبرا له فعرفه الاشتر حين سقط فقال: يا أميرالمؤمنين؟ هذا بسر بن أرطاة هذا عدو الله وعدوک، فقال: دعه عليه لعنة الله، أبعد أن فعلها؟ فحمل إبن عم لبسر شاب علي علي وهو يقول:


أرديت بسرا والغلام ثايره
أرديت شيخا غاب عنه ناصره


وکلنا حام لبسر واتره

فحمل عليه الاشتر وهو يقول:


أکل يوم رجل شيخ شاغره
وعورة تحت العجاج ظاهره


تبرزها طعنة کف واتره
عمرو وبسر رميا بالفاقره


فطعنه الاشتر فکسر صلبه، وقام بسر من طعنة علي وولت خيله، وناداه علي يا بسر؟ معاوية کان أحق بهذا منک. فرجع بسر إلي معاوية فقال له معاوية: إرفع طرفک قد أدال[12] الله عمرا منک. فقال في ذلک الحارث بن نضر السهمي:

[صفحه 166]

أفي کل يوم فارس تندبونه
له عورة تحت العجاجة باديه


يکف بها عن علي سنانه
ويضحک منها في الخلاء معاويه


بدت أمس من عمرو فقنع رأسه
وعورة بسر مثلها حذو حاذيه


فقولا لعمرو وابن ارطاة أبصرا
سبيلکما لا تلقيا الليث ثانيه


ولا تحمدا إلا الحيا وخصاکما
هما کانتا للنفس والله واقيه


فلو لاهما لم تنجوا من سنانه
وتلک بما فيها عن العود ناهيه


متي تلقيا الخيل المشيجة صيحة
وفيها علي فاترکا الخيل ناحيه


وکونا بعيدا حيث لا تبلغ القنا
ونار الوغي إن التجارب کافيه


وإن کان منه بعد في النفس حاجة
فعودوا إلي ما شئتما هي ماهيه


کتاب صفين ص 246، ألاستيعاب 1 ص 67، شرح إبن أبي الحديد 2 ص 300، مطالب السئول ص 43، تاريخ إبن کثير 4 ص 30، نور الابصار ص 95.

ينبأنا التاريخ أن عمرو ليس باول رجل کشف عن سوءته من بأس أميرالمؤمنين وإنما قلد طلحة بن أبي طلحة فإنه لما حمل عليه أميرالمؤمنين يوم احد ورأي انه مقتول لا محالة، فاستقبله بعورته وکشف عنها. م- راجع تاريخ إبن کثير 4 ص 20 وذکره الحلبي في سيرته 2 ص 247 ثم قال: وقع لسيدنا علي کرم الله وجهه مثل ذلک في يوم صفين مرتين: الاولي: حمل علي بسر بن أرطاة. والثانية: حمل علي عمرو بن العاص فلما رأي انه مقتول کشف عن عورته، فانصرف عنه علي کرم الله وجهه.



صفحه 163، 164، 165، 166.





  1. أط: صوت. الابل: حنت.
  2. القذال: بين الاذنين من موخر الرأس ج قذل و أقذله.
  3. البوم والبومة. طائر يسکن الخراب. يضرب به المثل في الشوم.
  4. من راس يريس. مشي متبخترا. يقال راس القوم. اعتلي عليهم وغلبهم.
  5. الامالس والاماليس ج امليس: الفلاة التي ليس فيها نبات.
  6. الدهرس: الشدة والبلية.
  7. نهس اللحم نهسا بفتح العين وکسره: أخذه ونتفه ومده بالفم.
  8. الرمس: الستر والتغطية. ويقال لما يحثي علي القبر من التراب: رمس.
  9. کتاب صفين 253، أمالي الشيخ ص 84، تذکرة السبط ص 52.
  10. ربا ربوا: انتفخ. السحر بفتح السين وضمه: الرئة.
  11. أي تأني وتمهل.
  12. أدال الشئ. جعله متداولا. يقال أدال الله زيدا من عمرو، أي نزع الدولة من عمرو وحولها إلي زيد.