اميرالمؤمنين وعمرو في معترك القتال بصفين











اميرالمؤمنين وعمرو في معترک القتال بصفين



کان عمرو بن العاص عدو للحرث بن نضر الخثعمي، وکان من أصحاب علي عليه السلام، وکان علي قد تهيبته فرسان الشام وملا قلوبهم بشجاعته وإمتنع کل منهم من الاقدام عليه وکان عمرو ما جلس مجلسا إلا ذکر فيه الحرث بن نضر الخثعمي وعابه فقال ألحرث:


ليس عمرو بتارک ذکره الحرث
مدي الدهر أو يلاقي عليا


واضع السيف فوق منکبه الاي
من لا يحسب الفوارس شيا


ليت عمرا يلقاه في حومة النقع
وقد أمست السيوف عصيا


حيث يدعو البراز حامية القوم
إذا کان بالبراز مليا


فوق شهب مثل السحوق[1] من
النخل ينادي المبارزين: إليا


ثم يا عمرو تستريح من الفخر
وتلقي به فتي هاشميا


فالقه إن أردت مکرمة الدهر
أو الموت کل ذاک عليا


فشاعت هذه الابيات حتي بلغت عمرا فأقسم بالله ليلقين عليا ولو مات ألف موتة. فلما إختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه فتقدم علي وهو مخترط سيفا، معتقل رمحا، فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه، فألقي عمرو نفسه عن فرسه إلي الارض شاغرا برجليه، کاشفا عورته، فانصرف عنه علي لاقتا وجهه، مستدبرا له، فعد الناس ذلک من مکارم علي وسؤدده، وضرب بها المثل.

کتاب صفين لابن مزاحم ص 224، شرح إبن إبي الحديد 2 ص 110.

وقال إبن قتيبة في- الامامة السياسة- 1 ص 91: ذکروا ان عمرا قال لمعاوية: أتجبن عن علي وتتهمني في نصيحتي إليک؟؟!! والله لابارزن عليا و لو مت ألف موتة في أول لقائه، فبارزه عمرو فطعنه علي فصرعه، فإتقاه بعورته فانصرف عنه علي وولي بوجهه دونه، وکان علي رضي الله عنه لم ينظر قط إلي عورة أحد حياء

[صفحه 159]

وتکرما وتنزها عما لا يحل، ولا يجل بمثله کرم الله وجهه.

وقال المسعودي في مروج الذهب 2 ص 25: إن معاوية أقسم علي عمرو لما أشار عليه بالبراز إلي أن يبرز إلي علي فلم يجد عمرو من ذلک بدا فبرز، فلما إلتقيا عرفه علي وشال السيف ليضربه به فکشف عمرو عن عورته وقال: مکره أخوک لابطل. فحول علي وجهه وقال: قبحت. ورجع عمرو إلي مصافه.

إجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفين عمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة، ومروان بن الحکم، وعبدالله بن عامر، وإبن طلحة الطلحات الخزاعي، فقال عتبة: إن أمرنا وأمر علي بن أبي طالب لعجيب، ما فينا إلا موتور مجتاح، أما أنا فقتل جدي عتبة بن ربيعة وأخي حنظلة وشرک في دم عمي شيبة يوم بدر، وأما أنت يا وليد؟ فقتل أباک صبرا، وأما أنت يا ابن عامر فصرع أباک وسلب عمک، وأما أنت يابن طلحة؟ فقتل أباک يوم الجمل، وأيتم إخوتک، وأما أنت يا مروان، فکما قال الشاعر[2] .


وأفلتهن علباء جريضا
ولو أدرکته صفر الوطاب[3] .


فقال معاوية: هذا الاقرار فأي غير غيرت؟ قال مروان: وأي غير تريد؟! قال: اريد أن تشجروه بالرماح. قال: والله يا معاوية؟ ما أراک إلا هاذيا أو هاذئا وما أرانا إلا ثقلنا عليک. فقال إبن عقبة:


يقول لنا معاوية بن حرب
أما فيکم لواترکم طلوب؟


يشد علي أبي حسن علي
باسمر لا تهجنه العکوب[4] .


فيهتک مجمع اللبات منه
ونقع القوم مطرد يثوب


فقلت له: أتلعب يابن هند؟
کأنک بيننا رجل غريب

[صفحه 160]

أتغرينا بحية بطن واد
إذا نهشت فليس لها طبيب


وما ضبع يدب ببطن واد
اتيح[5] له به أسد مهيب


بأضعف حيلة منا إذا ما
لقيناه ولقياه عجيب


دعا للقاه في الهيجاء لاق
فأخطأ نفسه الاجل القريب


سوي عمرو وقته خصيتاه
نجي ولقلبه منه وجيب


کأن القوم لما عاينوه
خلال النقع ليس لهم قلوب


کعمرو أي معاوية بن حرب
وما ظني ستلحقه العيوب


لقد ناداه في الهيجا علي
فأسمعه ولکن لا يجيب


فغضب عمرو وقال: إن کان الوليد صادقا فليلق عليا، أو فليقف حيث يسمع صوته وقال عمرو:


يذکرني الوليد دعا علي
وبطن المرء يملاه الوعيد


متي يذکر مشاهده قريش
يطر من خوفه القلب الشديد


فأما في اللقاء فأين منه
معاوية بن حرب والوليد


وعير في الوليد لقاء ليث
إذا مازار[6] هابته الاسود


لقيت ولست أجهله عليا
وقد بلت من العلق اللبود[7] .


فأطعنه ويطعنني خلاسا[8] .
وماذا بعد طعنته اريد؟


فرمها أنت يابن أبي معيط
وأنت الفارس البطل النجيد[9] .


واقسم لو سمعت ندا علي
لطار القلب وانتفخ الوريد


ولو لاقيته شقت جيوب
عليک ولطمت فيک الخدود[10] .

[صفحه 161]

وفي رواية سبط إبن الجوزي: ثم إلتفت الوليد إلي عمرو بن العاص وقال: إن لم تصدقوني وإلا فسلوا. أراد تبکيت عمرو، قال هشام بن محمد: ومعني هذا الکلام: إن عليا خرج يوما من أيام صفين فرأي عمرو بن العاص في جانب العسکر ولم يعرفه فطعنه، فوقع، فبدت عورته، فاستقبل عليا فأعرض عنه ثم عرفه فقال: يابن النابغة؟ أنت طليق دبرک أيام عمرک، وکان قد تکرر منه هذا الفعل.



صفحه 159، 160، 161.





  1. سحقت النخلة. طالت. فهي سحوق بالفتح ج سحق. بالضم.
  2. البيت لامرؤ القيس، قوله. صفر الوطاب. مثل يضرب لمن مات أو قتل.
  3. افلته: خلصه واطلقه. افلت: تخلص. علباء من علب اللحم: تغيرت رائحته بعد اشتداده. الجريض: المشرف علي الهلاک. ألصفر بالحرکات الثلاث: الخالي. ألوطب: سقاء اللبن ج وطاب.
  4. هجنه الامر: قبحه وعابه. العکوب بالفتح: الغبار.
  5. تاح تيحا وتوحا: قدر وتهيأ. رجل متيح: أي لا يزال يقع في بلية.
  6. من الزئير: صوت الاسد.
  7. اللبد بالکسر: الشعر المجتمع بين کفي الاسد. ما يجعل علي ظهر الفرس تحت السرج ج لبود والباد.
  8. يقال: الرجلان يتخالسان: أي يروم کل منهما قتل صاحبه.
  9. النجيد: الشجاع الماضي فيما يعجز غيره.
  10. کتاب صفين ص 222، شرح ابن ابي الحديد 2 ص 110، تذکرة السبط ص 51.