غانمة بنت غانم وعمرو











غانمة بنت غانم وعمرو



بلغ غانمة بنت غانم سب معاوية وعمرو بن العاص بني هاشم وهي بمکة قالت:

[صفحه 151]

يا معشر قريش؟ والله ما معاوية بأمير المؤمنين ولا هو کما يزعم، هو والله شانئ رسول الله صلي الله عليه وآله إني آتية معاوية وقائلة له بما يعرق منه جبينه ويکثر منه عويله. فکتب عامل معاوية إليه بذلک فلما بلغه أن غانمة قد قربت منه أمر بدار ضيافة فنظفت و القي فيها فرش، فلما قربت من المدينة إستقبلها يزيد في حشمه ومماليکه، فلما دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم فقال لها يزيد: إن أبا عبدالرحمن يأمرک أن تصيري إلي دار ضيافته وکان لا تعرفه فقالت: من أنت؟ کلاک الله. قال: يزيد بن معاوية. قالت: فلا رعاک الله ياناقص لست بزائد. فتعمر لون يزيد فأتي أباه فأخبره فقال: هي أسن قريش وأعظمهم. فقال يزيد: کم تعد لها يا أميرالمؤمنين؟ قال: کانت تعد علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله أربعمائة عام وهي من بقية الکرام، فلما کان من الغد أتاها معاوية فسلم عليها فقالت: علي المؤمنين السلام وعلي الکافرين الهوان. ثم قالت: من منکم إبن العاص؟[1] قال عمرو: ها أنا ذا. فقالت: وأنت تسب قريشا وبني هاشم؟ وأنت أهل السب وفيک السب وإليک يعود السب يا عمرو؟ إني والله لعارفة بعيوبک وعيوب امک وإني أذکر لک ذلک عيبا عيبا: ولدت من أمة سوداء مجنونة حمقاء، تبول من قيام، وتعلوها اللئام، إذا لامسها الفحل کانت نطقتها أنفذ من نطفته، رکبها في يوم واحد أربعون رجلا، وأما أنت فقد رأيتک غاويا غير راشد، ومفسدا غير صالح، ولقد رأيت فحل زوجتک علي فراشک فما غرت ولا أنکرت، وأما أنت يا معاوية؟ فما کنت في خير ولا ربيت في خير، فمالک ولبني هاشم؟ أنساء بني امية کنسائهم؟! ألحديث. وهو طويل وقد حذفنا من أوله مقدار ما ذکر، راجع [ المحاسن والاضدادللجاحظ ص 102 -104، وفي ط 118 -121 و المحاسن والمساوي للبيهقي 1 ص 69 -71.

هذه حقيقة الرجل ونفسياته وروحياته منذ العهد الجاهلي وفي دور النبوة وبعده إلي ما أثاره من فتن إلتفت بها حلقتا البطان في أيام أميرالمؤمنين عليه السلام يوم تحيزه إلي إبن آکلة الاکباد لدحض الحق وأهله، وما کان يتحري فيها من الغوائل وبعدها إلي أن، إصطلمه القدر الحاتم، وإخترمته منيته يوم خابت امنيته

[صفحه 152]

فطفق يتغلل بين أطباق الجحيم وتضربه زبانيتها بمقامع من حديد، ولعلنا ألمسناک هذه الحقيقة باليد فلن تجد في تضاعيف هاتيک الاعوام له مأثرة يتبجح بها إبن انثي خلا ما تقوله زبائنه من أعداء أهل البيت عليهم السلام، وما عسي أن يکون مقيلها من ظل الحق؟ بعدما أثبتناه من الحقيقة الراهنة، ووقفنا عليه من أحوال رواة السوء و شناشنهم في إفتعال المدايح للزعانفة المؤتلفة معهم في النزعات الباطلة.

وأما تأميره في غزوة ذات السلاسل فلا يجديه نفعا بعد ما علمناه من أنه کان يتظاهر بالاسلام ويبطن النفاق في طيلة حياته، وما کان الصالح العام والحکمة الالهية يحدوان رسول الله صلي الله عليه وآله علي العمل بالبواطن، وإنما يجاري القوم مجاري ظواهرهم لانهم حديثوا عهد بالجاهلية، والاسلام لما يتحکم في أفئدتهم، فلو کاشفهم علي السرائر، لانتکصوا علي أعقابهم، وتقهقروا إلي جاهليتهم الاولي، فکان يسايرهم علي هذا الظاهر لعلهم يتمرنوا باعتناق الدين، ويأخذ من قلوبهم محله، ولذلک انه صلي الله عليه وآله کان يعلم بنفاق کثير من أصحابه کما أخبره الله تعالي بقوله: و من أهل المدينة مردوا علي النفاق. إلي غيرها من الآيات الکريمة، لکنه يستر عليهم رعاية لما أبرمه حذار الانتکاث، فکان تأمير عمرو مع علمه بنفاقه لتلک الحکمة البالغة غير ملازم لحسن حاله علي ما عرفته من کلام مولانا أميرالمؤمنين من أنه صلي الله عليه وآله لما عقد له الراية شرط عليه شرطا قد أخلفه.

ويعرب عن حقيقة ما نرتأيه قول أبي عمرو وغيره: إن عمرو بن العاص إدعي علي أهل الاسنکدرية أنهم قد نقضوا العهد الذي کان عاهدهم، فعهد إليها فحارب أهلها وافتتحها، وقتل المقاتلة، وسبي الذرية، فنقم ذلک عليه عثمان، ولم يصح عنده نقضهم العهد، فأمر برد السبي الذي سبوا من القري إلي مواضعهم، وعزل عمروا عن مصر وولي عبدالله بن سعد بن أبي سرح العامري مصرا بدله، فکان ذلک بدو الشر بين عمرو بن العاص وعثمان بن عفان، فلما بدا بينهما من الشر ما بدا إعتزل عمرو في ناحية فلسطين بأهله، وکان يأتي المدينة أحيانا ويطعن علي عثمان[2] و

[صفحه 153]

ولي عمر عمرو بن العاص علي مصر وبقي واليا عليها إلي أول خلافة عثمان، سعر عليه الدنيا نارا، ولما أتاه قتله قال: أنا أبوعبدالله إذا نکأت[3] قرحة أدميتها. ثم إن عثمان عزله عن الخراج واستعمله علي الصلاة، واستعمل علي الخراج عبدالله إبن سعد بن أبي سرح، ثم جمعهما لعبدالله بن سعد وعزل عمروا، فلما قدم عمرو المدينة جعل يطعن علي عثمان فأرسل إليه يوما عثمان خاليا به. فقال: يابن النابغة؟ ما أسرع ما قمل جربان[4] جبتک؟ إنما عهدک بالعمل عام أول، أتطعن علي وتأتيني بوجه وتذهب عني بالآخر؟ والله لو لا أکلة ما فعلت ذلک. فقال عمرو: إن کثيرا مما يقول الناس وينقلون إلي ولاتهم باطل، فاتق الله يا أميرالمؤمنين؟ في رعيتک. فقال عثمان: والله لقد استعملتک علي ظلعک[5] وکثرة القالة فيک. فقال عمرو: قد کنت عاملا لعمر إبن الخطاب ففارقني وهو عني راض. فقال عثمان: وأنا والله لو أخذتک بما أخذک به عمر لاستقمت، ولکني لنت لک فاجترأت علي. فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي عليا مرة فيؤلبه علي عثمان. ويأتي الزبير مرة فيؤلبه علي عثمان. ويأتي طلحة مرة فيؤلبه علي عثمان. ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان.



صفحه 151، 152، 153.





  1. في لفظ الجاحظ: أفيکم عمرو بن العاص؟.
  2. الاستيعاب 2 ص 435، شرح ابن ابي الحديد 2 ص 112.
  3. نکأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ.
  4. جربان الجبة بضم الميم والراء وکسرهما وتشديد الباء جيبها.
  5. أي علي ما فيک من عيب وميل. والظلع في الاصل غمز البعير في مشيه.