معاوية وعمرو بصورة مفصلة
[صفحه 141] عمرو: أما أنت يا عبدالله؟ فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما أنت يا محمد؟ فأمرتني بما هو خير لي في دنياي، وأنا ناظر فيه، فلما جنه الليل رفع صوته وأهله ينظرون إليه: تطاول ليلي للهموم الطوارق وإن إبن هند سائلي أن أزوره أتاه جرير من علي بخطة فإن نال مني ما يؤمل رده فوالله ما أدري وما کنت هکذا اخادعه إن الخداع دنية أم أقعد في بيتي وفي ذاک راحة وقد قال عبدالله قولا تعلقت وخالفه فيه أخوه محمد فقال عبدالله: رحل الشيخ. وفي لفظ اليعقوبي: بال الشيخ علي عقبيه وباع دينه بدنياه: فلما أصبح دعا عمرو غلامه «وردان» وکان داهيا ماردا فقال: ارحل يا وردان؟ ثم قال: حط يا وردان؟ ثم قال: ارحل يا وردان؟ حط يا وردان؟ فقال له وردان: خلطت أباعبدالله؟ أما إنک إن شئت أنبأتک بما في نفسک. قال: هات ويحک: قال: إعترکت الدنيا والآخرة علي قلبک فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا. ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض الآخرة، فأنت واقف بينهما. قال: فإنک والله ما أخطأت فما تري يا وردان؟ قال: أري أن تقيم في بيتک فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغوا عنک. قال آلآن لما شهدت العرب مسيري إلي معاوية، فارتحل وهو يقول: يا قاتل الله وردانا وفطنته لما تعرضت الدنيا عرضت لها نفس تعف واخري الحرص يقلبها[2] . [صفحه 142] أما علي فدين ليس يشرکه فاخترت من طمعي دنيا علي إني لاعرف ما فيها وأبصره لکن نفسي تحب العيش في شرف عمرو لعمر أبيه غير مشتبه فسار حتي قدم علي معاوية وعرف حاجة معاوية إليه فباعده من نفسه وکايد کل واحد منهما صاحبه، فلما دخل عليه قال: يا أبا عبدالله، طرقتنا في ليلتنا هذه ثلثة أخبار ليس فيها ورد ولا صدر. قال: وما ذاک؟ قال ذاک: أن محمد بن أبي حذيفة قد کسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه، وهو من آفات هذا الدين. ومنها: ان قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب علي الشام. ومنها: ان عليا نزل الکوفة متهيئا للمسير إلينا. قال: ليس کل ما ذکرت عظيما، أما إبن أبي حذيفة فما يتعاظمک من رجل خرج في أشباهه أن تبعث اليه خيلا تقتله أو تأتيک به وإن فاتک لا يضرک؟ وأما قيصر فاهد له من وصفاء[4] الروم ووصائفها وآنية الذهب والفضة وسله الموادعة فإنه إليها سريع. وأما علي فلا والله يا معاوية؟ ما تستوي العرب بينک وبينه في شيئ من الاشياء، إن له في الحرب لحظا ماهو لاحد من قريش، وإنه لصاحب ما هو فيه إلا أن تظلمه. وفي رواية اخري قال معاوية يا أبا عبدالله؟ إني أدعوک إلي جهاد هذا الرجل الذي عصي ربه وقتل الخليفة، وأظهر الفتنة، وفرق الجماعة، وقطع الرحم. قال عمرو: إلي من؟ قال: إلي جهاد علي. فقال عمرو: والله يا معاوية؟ ما أنت وعلي بعکمي[5] بعير، مالک هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه، و الله إن له مع ذلک حدا وحدوداوحظا وحظوة وبلاء من الله حسنا، فما تجعل لي إن شايعتک علي حربه؟ وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر. قال: حکمت. قال: مصر طعمة. فتلکأ عليه.[6] . [صفحه 143] وفي حديث: قال له معاوية: إني أکره لک أن يتحدث العرب عنک: انک إنما دخلت في هذا الامر لغرض الدنيا. قال دعني عنک[7] قال معاوية: إني لو شئت أن امنيک وأخدعک لفعلت. قال عمر: لا لعمر الله ما مثلي يخدع لانا أکيس من ذلک. قال له معاوية: ادن مني برأسک اسارک. قال: فدنا منه عمرو ويسار فعض معاوية اذنه، وقال: هذه خدعة، هل تري في البيت أحدا غيري وغيرک؟ فأنشأ عمرو يقول: معاوي لا اعطيک ديني ولم أنل فإن تعطني مصرا فاربح بصفقة وما الدين والدنيا سواء وإنني ولکنني أغضني الجفون وإنني واعطيک امرا فيه للملک قوة وتمنعني مصرا وليست برغبة[9] . قال: أبا عبدالله؟ ألم تعلم ان مصرا مثل العراق؟ قال: بلي ولکنها إنما تکون لي إذا کانت لک، وإنما تکون لک إذا غلبت عليا علي العراق، وقد کان أهلها بعثوا بطاعتهم إلي علي قال: فدخل عتبة بن أبي سفيان فقال لمعاوية: أما ترضي أن تشتري عمرا بمصر إن هي صفت لک؟ ليتک لا تغلب علي الشام. فقال المعاوية: يا عتبة؟ بت عندنا الليلة فلما جن علي عتبة الليل رفع صوته ليسمع معاوية وقال: أيها المانع سيفا لم يهز إنما أنت خروف مائل أعط عمرا ان عمرا تارک يا لک الخير فخذ من دره [صفحه 144] واسحب الذيل وبادر فوتها أعطه مصرا وزده مثلها واترک الحرص عليها ضلة إن مصرا لعلي ولنا فلما سمع معاوية قول عتبة أرسل إلي عمرو فأعطاه مصرا فقال له عمرو: لي الله عليک بذلک شاهد. قال له معاوية: نعم لک الله علي بذلک لئن فتح الله علينا الکوفة. قال عمرو: والله علي ما نقول وکيل. فخرج عمرو من عنده فقال له إبناه: ما صنعت؟ قال: أعطانا مصر. قالا: وما مصر في ملک العرب؟!. قال: لا أشبع الله بطونکما إن لم يشبعکما مصر، وکتب معاوية علي أن لا ينقض شرط طاعة. وکتب عمرو علي أن لا ينقض طاعة شرطا. فکايد کل واحد منهما صاحبه. کتاب صفين لابن مزاحم ص 20 -24، کامل المبرد 1 ص 221، شرح إبن أبي الحديد 1 ص 136 -138، تاريخ اليعقوبي 2 ص 161 -163، رغبة الآمل من کتاب الکامل 3 ص 108، قصص العرب 2 ص 362.
کتب أميرالمؤمنين عليه السلام إلي معاوية بن أبي سفيان يدعوه إلي بيعته، فاستشار معاوية بأخيه عتبة بن أبي سفيان فقال له: إستعن بعمرو بن العاص، فإنه من قد علمت في دهائه ورأيه، وقد اعتزل أمر عثمان في حياته، وهو لامرک أشد إعتزالا إلا أن تثمن له بدينه فسيبيعک، فإنه صاحب دنيا، فکتب إليه معاوية وهو بالسبع من فلسطين: أما بعد-: فإنه قد کان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغک، وقد سقط إلينا مروان بن الحکم في رافضة[1] أهل البصرة، وقدم علينا جرير بن عبدالله في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليک حتي تأتيني، أقبل اذاکرک أمرا. فلما قرأ الکتاب إستشار إبنيه عبدالله ومحمد فقال لهما: ما تريان؟ فقال عبدالله: أري أن نبي الله صلي الله عليه وآله وسلم قبض وهو عنک راض والخليفتان من بعده، وقتل عثمان وأنت عنه غايب، فقر في منزلک فلست معجولا خليفة، ولا تريد أن تکون حاشية لمعاوية علي دنيا قليلة أوشک أن تهلک فتشقي فيها. وقال محمد: أري أنک شيخ قريش وصاحب أمرها، وأن تصرم هذا الامر وأنت فيه خامل تصاغر أمرک، فألحق بجماعة أهل الشام فکن يدا من أيديها وأطلب بدم عثمان، فإنک قد إستلمت فيه إلي بني امية. فقال
وخوف التي تجلو وجوه العوائق
وتلک التي فيها بنات البوائق
أمرت عليه العيش ذات مضائق
وإن لم ينله ذل ذل المطابق
أکون ومهما قادني فهو سائقي
أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق
لشيخ يخاف الموت في کل شارق
به النفس إن لم تقتطعني عوائقي
وإني لصلب العود عند الحقائق
أبدي لعمرک ما في النفس وردان
بحرص نفسي وفي الاطباع إدهان
والمرء يأکل تبنا وهو غرثان[3] .
دنيا وذاک له دنيا وسلطان
بصر وما معي بالذي أختار برهان
وفي ايضا لما أهواه ألوان
وليس يرضي بذل العيش إنسان
والمرء يعطس والوسنان وسنان
بذلک دنيا فانظرن کيف تصنع
أخذت بها شيخا يضر وينفع[8] .
لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع
لاخدع نفسي والمخادع يخدع
وإني به إن زلت النعل أصرع
وإني بذا الممنوع قدما لمولع
إنما ملت علي خز وقز
بين ضرعين وصوف لم يجز
دينه اليوم لدنيا لم تحز
شخبه الاولي وأبعد ما غرز[10] .
وانتهزها إن عمرا ينتهز[11] .
إنما مصر لمن عز فبز[12] .
واشبب النار لمغرور يکز
تغلب اليوم عليها من عجز
صفحه 141، 142، 143، 144.