ابن عباس وعمرو أيضا











ابن عباس وعمرو أيضا



حضر عبدالله بن جعفر مجلس معاوية وفيه عبدالله بن عباس، وعمرو بن العاص، فقال عمرو: قد جاءکم رجل کثير الخلوات بالتمني، والطربات بالتغني، محب للقيان، کثير مزاحه، شديد طماحه، صدود عن الشبان، ظاهر الطيش، رخي العيش، أخاذ بالسلف منفاق بالسرف. فقال إبن عباس: کذبت والله أنت وليس کما ذکرت ولکنه: لله ذکور ولنعمائه شکور، وعن الخنا زجور، جواد کريم، سيد حليم، إذا رمي أصاب، وإذا سئل أجاب، غير حصر ولا هياب، ولا عيابة مغتاب، حل من قريش في کريم

[صفحه 139]

النصاب، کالهزبر الضرغام، ألجرئ المقدام، في الحسب القمقام، ليس بدعي ولا دنئ، لاکمن إختصم فيه من قريش شرارها، فغلب عليه جزارها، فأصبح ألامها حسبا، وأدناها منصبا، ينوء منها بالذليل، ويأوي منها إلي القليل، مذبذب بين الحيين، کالساقط بين المهدين، لا المضطر فيهم عرفوه، ولا الظاعن عنهم فقدوه، فليت شعري بأي قدر تتعرض للرجال؟ وبأي حسب تعتد به تبارز عند النضال؟ أبنفسک؟ وأنت: ألوغد اللئيم، والنکد الذميم، والوضيع الزنيم، أم بمن تنمي إليهم؟ وهم: أهل السفه و الطيش، والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهروا، ولا بقديم في الاسلام ذکروا، جعلت تتکلم بغير لسانک، وتنطق بالزور في غير أقرانک، والله لکان أبين للفضل، و أبعد للعدوان أن ينزلک معاوية منزلة البعيد السحيق، فإنه طالما سلس داؤک، و طمح بک رجاؤک إلي الغاية القصوي التي لم يخضر فيها رعيک، ولم يورق فيها غصنک. فقال عبدالله بن جعفر: أقسمت عليک لما أمسکت فإنک عني ناضلت، ولي فاوضت. فقال إبن عباس: دعني والعبد، فإنه قد يهدر خاليا إذ لا يجد مراميا، وقد اتيح له ضيغم شرس، للاقران مفترس، وللارواح مختلس، فقال عمرو بن العاص: دعني يا أميرالمؤمنين؟ أنتصف منه فوالله ما ترک شيئا. قال إبن عباس: دعه فلا يبقي المبقي إلا علي نفسه، فوالله إن قلبي لشديد، وإن جوابي لعتيد، وبالله الثقة، وأني لکما قال نابغة بني ذبيان:


وقدما قد قرعت وقارعوني
فما نزر الکلام ولا شجاني


يصد الشاعر العراف عني
صدود البکر عن قرم هجان


هذا الحديث أخرجه الجاحظ في المحاسن والاضداد ص 101، والبيهقي في المحاسن والمساوي 1 ص 68، وقد مر ص 125 عن إبن عساکر لعبد الله بن أبي سفيان نحوه، وفي بعض ألفاظه تصحيف يصحح بهذا.



صفحه 139.