نسبت عمرو











نسبت عمرو



أبوه هو الابتر بنص الذکر الحميد إن شانئک هو الابتر وعليه أکثر أقوال المفسرين والعلماء[1] وفي بعض التفاسير وإن جاء ترديد بينه وبين أبي جهل وأبي لهب وعقبة بن أبي معيط وغيرهم إلا أن القول الفصل ما ذکره ألفخر الرازي من: أن کلا من أولئک کانوا يشنئون رسول الله صلي الله عليه وآله إلا أن ألهجهم به وأشدهم شنئة ألعاص إبن وائل. فالآية تشملهم أجمع، ويخص اللعين بخزي آکد، ولذلک اشتهر بين المفسرين انه هو المراد.

قال الرازي في تفسيره 8 ص 503، روي ان العاص بن وائل کان يقول: إن محمدا أبتر لا إبن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات إنقطع ذکره، واسترحتم منه، وکان قد مات إبنه عبدالله من خديجة، وهذا قول إبن عباس ومقاتل والکلبي وعامة أهل التفسير. وقال ص 504 بعد نقل الاقوال الاخر: ولعل العاص بن وائل کان أکثرهم مواظبة علي هذا القول، فلذلک اشتهرت الروايات بان الآية نزلت فيه. وروي التابعي الکبير سليم بن قيس الهلالي في کتابه: أن الآية نزلت في

[صفحه 121]

المترجم نفسه، کان أحد شانئي رسول الله صلي الله عليه وآله لما مات ولده إبراهيم فقال:

إن محمدا قد صار أبتر لا عقب له. وذکره بذلک أميرالمؤمنين في أبيات له تأتي فقال:


إن يقرنوا وصيه والابترا
شاني الرسول واللعين الاخزرا


وذکره بذلک عمار بن ياسر يوم صفين وعبدالله بن جعفر في حديثيهما الآتيين. فالمترجم له هو الابتر إبن الابتر وبذلک خاطبه أميرالمؤمنين عليه السلام في کتاب له يأتي بقول: من عبدالله أميرالمؤمنين إلي الابتر ابن الابتر عمرو بن العاص شانئ محمد وآله محمد في الجاهلية والاسلام.

تعرفنا الآية الکريمة المذکورة ان کل معزو إلي العاص من الولد من ذکر أو انثي من المترجم له أو غيره ليسوا لرشدة، فمن هنا تعرف فضيلة عمرو من ناحية النسب، أضف إلي ذلک حديث امه ليلي العنزية الجلانية.

کانت امه ليلي أشهر بغي بمکة وأرخصهن اجرة، ولما وضعته إدعاها خمسة کلهم أتوها غير أن ليلي ألحقته بالعاص لکونه أقرب شبها به، وأکثر نفقة عليها، ذکرت ذلک أروي بنت الحارث بن عبدالمطلب لما وفدت إلي معاوية فقال لها: مرحبا بک يا عمة؟ فکيف کنت بعدنا؟ فقالت: يابن أخي؟ لقد کفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمک الصحبة، وتسميت بغير إسمک، وأخذت غير حقک، من غير بلاء کان منک ولا من آبائک، ولا سابقة في الاسلام، ولقد کفرتم بما جاء به محمد صلي الله عليه وآله فأتعس الله منکم الجدود، وأصعر منکم الخدود، حتي رد الله الحق إلي أهله، وکانت کلمة الله هي العليا، ونبينا محمد صلي الله عليه وآله هو المنصور علي من ناواه ولو کره المشرکون، فکنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظا ونصيبا وقدرا حتي قبض الله نبيه صلي الله عليه وآله مغفورا ذنبه، مرفوعا درجته، شريفا عند الله مرضيا، فصرنا أهل البيت منکم بمنزلة قوم موسي من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وصار إبن عم سيد المرسلين فيکم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسي حيث يقول: يابن ام إن القوم استضعفوني وکادوا يقتلونني، ولم يجمع بعد رسول الله لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتکم النار.

فقال لها عمرو بن العاص: أيها العجوز الضالة؟ اقصري من قولک، وغضي

[صفحه 122]

من طرفک. قالت: ومن أنت؟ لا ام لک. قال: عمرو بن العاص. قالت يابن اللخناء النابغة تتکلم وأمک کانت أشهر إمرأة بمکة وآخذهن لاجرة، إربع علي ظلعک[2] وأعن بشأن نفسک فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ولا کريم منصبها، ولقد إدعاک ستة[3] نفر من قريش کله يزعم انه أبوک فسألت امک عنهم فقالت: کلهم أتاني فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليک شبه العاص بن وائل فلحقت به، ولقد رأيت امک أيام مني بمکة مع کل عبد عاهر، فأتم بهم فإنک بهم أشبه.[4] .

وقال الامام السبط الحسن الزکي سلام الله عليه بمحضر من معاوية وجمع آخر: أما أنت يابن العاص فإن أمرک مشترک، وضعتک امک مجهولا من عهر وسفاح، فتحاکم فيک أربعة[5] من قريش فغلب عليک جزارها، ألامهم حسبا، وأخبثهم منصبا، ثم قام أبوک فقال: أنا شانئي محمد الابتر فأنزل الله فيه ما أنزل.[6] .

وعده الکلبي أبوالمنذر هشام المتوفي 206 /4 في کتابه «مثالب العرب» الموجود عندنا- ممن يدين بسفاح الجاهلية، وقال في باب تسمية ذوات الرايات: وأما النابغة ام عمرو بن العاص: فإنها کانت بغيا من طوايف مکة فقدمت مکة ومعها بنات لها، فوقع عليها العاص بن وائل في الجاهلية في عدة من قريش منهم: أبولهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبوسفيان بن حرب، في طهر واحد فولدت عمرا فاختصم القوم جميعا فيه کل يزعم أنه إبنه، ثم إنه أضرب عنه ثلاثة وأکب عليه إثنان: العاص بن وائل، وأبوسفيان بن حرب فقال أبوسفيان: أنا والله وضعته في حر امه. فقال العاص: ليس هو کما تقول

[صفحه 123]

هو إبني فحکما امه فيه فقالت: للعاص. فقيل لها بعد ذلک: ما حملک علي ما صنعت و أبوسفيان أشرف من العاص؟ فقالت: إن العاص کان ينفق علي بناتي، ولو ألحقته بأبي سفيان لم ينفق علي العاص شيئا وخفت الضيعة، وزعم إبنها عمرو بن العاص ان امه إمرأة من غنزة بن أسد بن ربيعة.

وکان الزناة الذين إشتهروا بمکة جماعة منهم هاؤلآء المذکورون وامية بن عبد شمس، وعبدالرحمن بن الحکم بن أبي العاص أخو مروان بن الحکم، وعتبة بن أبي سفيان أخو معاوية، وعقبة بن أبي معيط.[7] .

وعده الکلبي من الادعياء في باب- أدعياء الجاهلية- وقال: قال الهيثم: ومن الادعياء عمرو بن العاص، وامه النابغة حبشية، واخته لامه ارينب بضم الالف وکانت تدعي لعفيف بن أبي العاص، وفيها قال عثمان لعمرو بن العاص: لمن کانت تدعي اختک ارينب يا عمرو؟ فقال: لعفيف بن أبي العاص. قال عثمان: صدقت. إنتهي.

وروي أبوعبيدة معمر بن المثني المتوفي 209 / 11 في کتاب «الانساب»: ان عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان: أبوسفيان، والعاص، فقيل: لتحکم امه فقالت: إنه من العاص بن وائل. فقال أبوسفيان. أما إني لا أشک إنني وضعته في رحم امه فأبت إلا العاص فقيل لها: أبوسفيان أشرف نسبا. فقالت: إن العاص بن وائل کثير النفقة علي وأبوسفيان شحيح. ففي ذلک يقول حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاه مکافئا له عن هجاء رسول الله صلي الله عليه وآله:


أبوک أبوسفيان لا شک قد بدت
لنا فيک منه بينات الدلائل


ففاخر به إما فخرت ولا تکن
تفاخر بالعاص الهجين بن وائل


وإن التي في ذاک يا عمرو حکمت
فقالت رجاء عند ذاک لنائل:


من العاص عمرو تخبر الناس کلما
تجمعت الاقوام عند المحامل[8] .


وقال الزمخشري في «ربيع الابرار»: کانت النابغة ام عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة بالتحريک فسبيت فاشتراها عبدالله بن جذعان التيمي بمکة فکانت

[صفحه 124]

بغيا. ثم ذکر نظير الجملة الاولي من کلام الکلبي ونسب الابيات المذکورة إلي أبي سفيان بن الحرث بن عبدالمطلب. وقال: جعل لرجل ألف درهم علي أن يسأل عمرو بن العاص عن امه ولم تکن بمنصب مرضي فأتاه بمصر أميرا عليها فقال: أردت أن أعرف ام الامير. فقال: نعم، کانت امرأة من عنزة، ثم من بني جلان تسمي ليلي وتلقب النابغة، إذهب وخذ ما جعل لک[9] .

وقال الحلبي في سيرته 1 ص 46 في نکاح البغايا. ونکاح الجمع. من أقسام نکاح الجاهلية: ألاول أن يطأ البغي جماعة متفرقين واحدا بعد واحد فإذا حملت وولدت الحق الولد بمن غلب عليه شبهه منهم. ألثاني: أن تجتمع جماعة دون العشرة ويدخلون علي امرأة من البغايا ذوات الرايا کلهم يطؤوها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل أن يمتنع حتي يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم الذي کان من أمرکم وقد ولدت وهو إبنک يا فلان. تسمي من أحبت منهم فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منهم الرجل إن لم يغلب شبهه عليه، وحينئذ يحتمل أن يکون أم عمرو بن العاص رضي الله عنه من القسم الثاني فإنه يقال: إنه وطئها أربعة هم: العاص، وأبولهب، وامية، وأبو سفيان، و إدعي کلهم عمرا فألحقته بالعاص لانفاقه علي بناتها. ويحتمل أن يکون من القسم الاول ويدل عليه ما قيل: إنه الحق بالعاص لغلبة شبهه عليه، وکان عمرو يعير بذلک عيره علي وعثمان والحسن وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالي عنهم. و سيأتي ذلک في قصة قتل عثمان عند الکلام علي بناء مسجد المدينة[10] .

عبدالله وعمرو

روي الحافظ إبن عساکر في تاريخ الشام 7 ص 330: إن عمرو بن العاص قال لعبد الله بن جعفر الطيار ذي الجناحين في مجلس معاوية: يابن جعفر؟ يريد تصغيره. فقال له: لئن نسبتني إلي جعفر فلست بدعي ولا أبتر ثم ولي وهو يقول:

[صفحه 125]

تعرضت قرن الشمس وقت ظهيرة
لتستر منه ضوءه بظلامکا


کفرت اختيارا ثم آمنت خيفة
وبغضک إيانا شهيد بذلکا


عبدالله وعمرو

أخرج الحافظ إبن عساکر في تاريخه 7 ص 438: إن عبدالله بن أبي سفيان إبن الحارث بن عبدالمطلب الهاشمي قدم معاوية وعنده عمرو فجاء الآذن فقال: هذا عبدالله وهو بالباب: فقال: إئذن له. فقال عمرو: يا أميرالمؤمنين؟ لقد أذنت لرجل کثير الخلوات للتلهي، والطربات للتغني، صدوف عن السنان، محب للقيان، کثير مزاحه، شديد طماحه، ظاهر الطيش، لين العيش، أخاذ للسلف، صفاق للشرف فقال عبدالله: کذبت يا عمرو؟ وأنت أهله ليس کما وصفت ولکنه: لله ذکور، ولبلاءه شکور، وعن الخنا زجور، سيد کريم، ماجد صميم، جواد حليم، إن ابتدأ أصاب، وإن سئل أجاب، غير حصر ولا هياب، ولا فاحش عياب، کذلک قضي الله في الکتاب، فهو کالليث الضرغام، ألجرئ المقدام، في الحسب القمقام، ليس بدعي ولا دني کمن إختصم فيه من قريش شرارها فغلب عليه جزارها، فأصبح ينوء بالدليل، ويأوي فيها إلي القليل، قد بدت بين حيين، وکالساقط بين المهدين، لا المعتزي إليهم قبلوه، ولا الظاعن عنهم فقدوه، فليت شعري بأي حسب تنازل للنضال؟ أم بأي قديم تعرض للرجال؟ أبنفسک؟ فأنت الخوار الوغد الزنيم. أم بمن تنتمي إليه؟ فأنت أهل السفه والطيش والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهر، ولا بقديم في الاسلام ذکر، غير انک تنطق بغير لسانک، وتنهض بغير أرکانک، وأيم الله إن کان لاسهل للوعث[11] وألم للشعث[12] أن يکعمک[13] معاوية علي ولوعک باعراض قريش کعام الضبع في وجاره[14] فأنت لست لها بکفي، ولا لاعراضها بوفي. قال: فتهيأ عمرو للجواب فقال له معاوية: نشدتک الله إلا ما کففت. فقال عمرو: يا أميرالمؤمنين دعني أنتصر فإنه لم يدع شيئا. فقال معاوية: أما في مجلسک هذا فدع الانتصار و

[صفحه 126]

عليک بالاصطبار. وأشار إلي هذه القصة إبن حجر في الاصابة 2 ص 320.



صفحه 121، 122، 123، 124، 125، 126.





  1. راجع الطبقات لابن سعد 1 ص 115، والمعارف لابن قتيبة ص 124، وتاريخ ابن عساکر 7 ص 330.
  2. مثل يضرب لمن يتوعد. ربع في المکان أي اقام به. الظلع: العرج. يقال: ظلع البعير أي غمز في مشيته فالمعني: لا تجاوز حدک في وعيدک، وأبصر نقصک وعجزک عنه.
  3. في العقد الفريد، وروض المناظر: خمسة.
  4. بلاغات النساء ص 27، العقد الفريد 1 ص 164، روض المناظر 8 ص 4، ثمرات الاوراق 1 ص 132، دايرة المعارف لفريد وجدي 1 ص 215، جمهرة الخطب 2 ص 363.
  5. في لفظ الکلبي وسبط ابن الجوزي: خمسة.
  6. اخذنا هذه الجملة من حديث المهاجاة الطويلة الواقعة بين الامام الحسن بن علي وبين عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، وعتبة بن ابي سفيان، والمغيرة بن شعبة، في مجلس معاوية رواه ابن ابي الحديد في شرحه 2 ص 101 نقلا عن کتاب المفاخرات للزبير بن بکار، وذکره سبط ابن الجوزي في التذکرة ص 114.
  7. والي هنا ذکره سبط ابن ألجوزي في تذکرته ص 117 عن المثالب.
  8. شرح ابن ابي الحديد 2 ص 101.
  9. ورواه المبرد في الکامل، ابن قتيبة في عيون الاخبار 1 ص 284، ابن عبدالبر في الاستيعاب، وذکر في شرح النهج لابن ابي الحديد 2 ص 100، جمهرة الخطب 2 ص 19.
  10. ذکر قتل عثمان عند الکلام علي بناء المسجد ج 2 ص 72 -88 ولم يوجد هناک شيئ مما او عزاليه.
  11. الوعث بالفتح: العسر الغليظ.
  12. يقال: لم الله شعثهم. أي جمع أمرهم.
  13. يقال: کعم البعير. أي شد فمه لئلا يعض أو ياکل.
  14. الوجار بکسر الواو وفتحها: حجر الضبع وغيرها.