قصيدة عمرو بن العاص الجلجلية و ما يتبعها











قصيدة عمرو بن العاص الجلجلية و ما يتبعها



معاوية الحال لا تجهل
وعن سبل الحق لا تعدل


نسيت إحتيالي في جلق
علي أهلها يوم لبس الحلي؟


وقد أقبلوا زمرا يهرعون
مهاليع کالبقر الجفل[1] .


وقولي لهم: إن فرض الصلاة
بغير وجودک لم تقبل


فولوا ولم يعبأوا بالصلاة
ورمت النفار إلي القسطل


ولما عصيت إمام الهدي
وفي جيشه کل مستفحل


أبا البقر البکم أهل الشأم
لاهل التقي والحجي ابتلي؟


فقلت: نعم، قم فإني أري
قتال المفضل بالافضل


فبي حاربوا سيد الاوصياء
بقولي: دم طل من نعثل[2] .


وکدت لهم أن أقاموا الرماح
عليها المصاحف في القسطل


وعلمتهم کشف سوءاتهم
لرد الغضنفرة المقبل


فقام البغاة علي حيدر
وکفوا عن المشعل المصطلي


نسيت محاورة الاشعري
ونحن علي دومة الجندل؟


ألين فيطمع في جانبي
وسهمي قد خاض في المقتل


خلعت الخلافة من حيدر
کخلع النعال من الارجل


وألبستها فيک بعد الاياس
کلبس الخواتيم بالانمل


ورقيتک المنبر المشمخر
بلا حد سيف ولا منصل


ولو لم تکن أنت من أهله
ورب المقام ولم تکمل

[صفحه 115]

وسيرت جيش نفاق العراق
کسير الجنوب مع الشمأل


وسيرت ذکرک في الخافقين
کسير الحمير مع المحمل


وجهلک بي يابن آکلة ال
کبود لاعظم ما ابتلي


فلولا موازرتي لم تطع
ولولا وجودي لم تقبل


ولولاي کنت کمثل النساء
تعاف الخروج من المنزل


نصرناک من جهلنا يابن هند
علي النبأ الاعظم الافضل


وحيث رفعناک فوق الرؤوس
نزلنا إلي أسفل الاسفل


وکم قد سمعنا من المصطفي
وصايا مخصصة في علي؟


وفي يوم «خم» رقي منبرا
يبلغ والرکب لم يرحل[3] .


وفي کفه کفه معلنا
ينادي بأمر العزيز العلي


ألست بکم منکم في النفوس
بأولي؟ فقالوا: بلي فافعل


فأنحله إمرة المؤمنين
من الله مستخلف المنحل


وقال: فمن کنت مولي له
فهذا له اليوم نعم الولي


فوال مواليه ياذا الجلا
ل وعاد معادي أخ المرسل


ولا تنقضوا العهد من عترتي
فقاطعهم بي لم يوصل


فبخبخ شيخک لما رأي
عري عقد حيدر لم تحلل


فقال: وليکم فاحفظوه
فمدخله فيکم مدخلي


وإنا وما کان من فعلنا
لفي النار في الدرک الاسفل


وما دم عثمان منج لنا
من الله في الموقف المخجل


وإن عليا غدا خصمنا
ويعتز بالله والمرسل[4] .


يحاسبنا عن أمور جرت
ونحن عن الحق في معزل


فما عذرنا يوما کشف الغطا؟
لک الويل منه غدا ثم لي


إلا يابن هند أبعت الجنان
بعهد عهدت ولم توف لي

[صفحه 116]

وأخسرت اخراک کيماتنال
يسير الحطام من الاجزل


وأصبحت بالناس حتي استقام
لک الملک من ملک محول


وکنت کمقتنص في الشراک[5] .
تذود الظماء عن المنهل


کأنک أنسيت ليل الهرير
بصفين مع هولها المهول


وقد بت تذرق ذرق النعام
حذارا من البطل المقبل


وحين أزاح جيوش الضلا
ل وافاک کالاسد المبسل


وقد ضاق منک عليک الخناق
وصار بک الرحب کالفلفل[6] .


وقولک: يا عمرو؟ أين المفر
من الفارس القسور المسبل؟


عسي حيلة منک عن ثنيه
فإن فؤدادي في عسعل


وشاطرتني کلما يستقيم
من الملک دهرک لم يکمل


فقمت علي عجلتي رافعا
وأکشف عن سوأتي أذيلي


فستر عن وجهه وانثني
حياء وروعک لم يعقل


وأنت لخوفک من بأسه
هناک ملات من الافکل[7] .


ولما ملکت حماة الانام
ونالت عصاک يد الاول


منحت لغيري وزن الجبال
ولم تعطني زنة الخردل


وأنحلت مصرا لعبدالملک[8] .
وأنت عن الغي لم تعدل


وإن کنت تطمع فيها فقد
تخلي القطا من يد الاجدل


وإن لم تسامح إلي ردها
فإني لحوبکم مصطلي


بخيل جياد وشم الانوف
وبالمرهفات وبالذبل


وأکشف عنک حجاب الغرور
وأيقظ نائمة الاثکل


فإنک من إمرة المؤمنين
ودعوي الخلافة في معزل


ومالک فيها ولا ذرة
ولا لجدودک بالاول

[صفحه 117]

فإن کان بينکما نسبة
فأين الحسام من المنجل؟


وأين الحصا من نجوم السما؟
وأين معاوية من علي؟


فإن کنت فيها بلغت المني
ففي عنقي علق الجلجل[9] .


هذه القصيدة المسماة بالجلجلية کتبها عمرو بن العاص إلي معاوية بن أبي سفيان في جواب کتابه إليه يطلب خراج مصر ويعاتبه علي إمتناعه عنه، توجد منها نسختان في مجموعتين في المکتبة الخديوية بمصر کما في فهرستها المطبوع سنة 1307 ج 4 ص 314 وروي جملة منها إبن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2 ص 522 وقال: رأيتها بخط أبي زکريا يحيي[10] بن علي الخطيب التبريزي المتوفي 502.

وقال الاسحاقي في «لطايف أخبار الدول» ص 41: کتب معاوية إلي عمرو بن العاص: انه قد تردد کتابي إليک بطلب خراج مصر وأنت تمتنع وتدافع ولم تسيره فسيره إلي قولا واحدا وطلبا جازما، والسلام.

فکتب إليه عمرو بن العاص جوابا وهي القصيدة الجلجلية المشهورة التي أولها:

معاوية الفضل لا تنس لي
وعن نهج الحق لا تعدل


نسيت إحتيالي في جلق
علي أهلها يوم لبس الحلي؟


وقد أقبلوا زمرا يهرعون
ويأتون کالبقر المهل


ومنها ايضا:

ولولاي کنت کمثل النساء
تعاف الخروج من المنزل


نسيت محاورة الاشعري
ونحن علي دومة الجندل؟


وألعقته عسلا باردا
وأمزجت ذلک بالحنظل[11] .

[صفحه 118]

ألين فيطمع في جانبي
وسهمي قد غاب في المفصل


وأخلعتها منه عن خدعة
کخلع النعال من الارجل


وألبستها فيک لماعجزت
کلبس الخواتيم في الانمل


ومنها أيضا:


ولم تک والله من أهلها
ورب المقام ولم تکمل


وسيرت ذکرک في الخافقين
کسير الجنوب مع الشمأل


نصرناک من جهلنا يابن هند
علي البطل الاعظم الافضل


وکنت ولن ترها في المنام
فزفت إليک ولا مهر لي


وحيث ترکنا أعالي النفوس
نزلنا إلي أسفل الارجل


وکم قد سمعنا من المصطفي
وصايا مخصصة في علي


ومنها أيضا:


وإن کان بينکما نسبة
فأين الحسام من المنجل؟


وأين الثريا وأين الثري؟
وأين معاوية من علي؟


فلما سمع معاوية هذه الابيات لم يتعرض له بعد ذلک. ا ه .

وذکر الشيخ محمد الازهري في شرح مغني اللبيب 1 ص 82 هذه الابيات برمتها حرفيا نقلا عن تاريخ الاسحاقي غير انه حذف قوله:


وحيث ترکنا أعالي النفوس
نزلنا إلي أسفل الارجل


وذکر منها ثلاث عشر بيتا إبن شهر اشوب في «المناقب» 3 ص 106.

وأخذ منها السيد الجزايري في «الانوار النعمانية» ص 43 عشرين بيتا.

وذکر برمتها الزنوزي في الروضة الثانية من رياض الجنة وقال: هذه القصيدة تسمي بالجلجلية لما في آخرها: وفي عنقي علق الجلجل.

وخمسها بطولها ألشاعر المفلق ألشيخ عباس الزيوري البغدادي، وقفت عليه في ديوانه المخطوط المصحح بقلمه، ويوجد التخميس في إحدي نسختي المکتبة الخديوية بمصر.

يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يکتمون.

[صفحه 119]



صفحه 115، 116، 117، 118، 119.





  1. أهرع: اسرع. الهلع: الجزع. الجفل: النفر والشرد.
  2. طل الدم: هدر أو لم يثار له فهو طليل ومطلول ومطل.
  3. في بعض النسخ: وبلغ والصحب لم ترحل.
  4. في رواية الخطيب التبريزي: سيحتج بالله والمرسل.
  5. أقتنص الطير أو الظبي: اصطاده.
  6. الفلفل: القرب بين الخطوات.
  7. الافکل: الرعدة من الخوف.
  8. عبدالملک بن مروان والد الخلفاء الامويين.
  9. مثل يضرب راجع مجمع الامثال للميداني ص 195.
  10. احد ائمة اللغة والنحو قال ابن ناصر: کان ثقة في النقل وله المصنفات الکثيرة. کذا ترجم له ابن کثير في تاريخه 12 ص 171.
  11. في رواية الخطيب التبريزي:


    فالمظه عسلا باردا
    وأخبأ من تحته حنظلي.