قيس في خلقته











قيس في خلقته



إن للاشکال والهيئات دخلا في مواقع الابهة والاکبار، فإنها هي التي تملا العيون بادئ بدء، وهي أول ما تقع عليه النظر من الانسان قبل کل ما انحنت عليه أضالعه، من جاش رابط، وبطولة وبسالة، ودهاء وحزم، ولذلک قيل: إن للهيئة قسطا من الثمن، وهذا في الملوک والامراء، وذوي الشئون الکبيرة آکد، فإن الرعية تتفرس في العظيم في جثته عظما في معنوياته، وتترسم منه کبر نفسياته، وشدة أمره، ونفوذ عزائمه، وترضخ له قبل الضئيل الذي يحسب انه لا حول له ولا طول، وإنه يضعف دون إدارة الشئون طوقه وأوقه، ولذلک ان الله سبحانه لما عرف طالوت لبني اسرائيل ملکا عرفه بأنه أوتي بسطة في العلم والجسم، فبعلمه يدير شئون الشعب الدينية والمدنية.ويکون ما أوتي من البسطة في الجسم من مؤکدات الابهة و الهيبة التي هي کقوة تنفيذية لمواد العلم وشئونه.

إن سيد الانصار «قيس» لما لم يدع الله سبحانه شيئا من صفات الفضيلة ظاهرة وباطنة إلا وجمعه فيه من علم، وعمل، وهدي، وورع، وحزم، وسداد، وعقل، ورأي ودهاء، وذکاء، وإمارة، وحکومة، ورياسة وسياسة، وبسالة، وشهامة، وسخاء، و کرم، وعدل، وصلاح، لم يشأ يخليه عن هذه الخاصة المربية بمقام العظماء.

فقال شيخنا الديلمي في إرشاده 2 ص 325: إنه کان رجلا طوله ثمانية عشر شبرا في عرض خمسة أشبار، وکان أشد الناس في زمانه بعد أميرالمؤمنين. وقال أبوالفرج: کان قيس رجلا طوالا يرکب الفرس المشرف ورجلاه يخطان في الارض. ومر ص 77 عن المنذر بن الجارود انه رءآه في الزاوية علي فرس أشقر تخط رجلاه في الارض. وقال أبوعمر والکشي في رجاله ص 73: کان قيس من العشرة الذين لحقهم النبي صلي الله عليه وآله

[صفحه 109]

من العصر الاول ممن کان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم، وکان قيس وأبوه سعد طولهما عشر أشبار بأشبارهم. وعن کتاب الغارات لابراهيم الثقفي انه قال: کان قيس طوالا أطول الناس وأمدهم قامة، وکان سناطا أصلع شيخا شجاعا مجربا مناصحا لعلي ولولده ولم يزل علي ذلک إلي أن مات.

عد الثعالبي في «ثمار القلوب» ص 480 من الامثال الدائرة والمضافات المعروفة والمنسوب السائر: سراويل قيس. وقال: إنه يضرب مثلا لثوب الرجل الضخم الطويل، وکان قيصر بعث إلي معاوية بعلج من علوج الروم طويل جسيم، معجبا بکمال خلقته و إمتداد قامته، فعلم معاوية انه ليس لمطاولته ومقاومته إلا قيس بن سعد بن عبادة فإنه کان أجسم الناس وأطولهم، فقال له يوما وعنده العلج: إذا أتيت رحلک فابعث إلي بسراويلک. فعلم قيس مراده فنزعها ورمي بها إلي العلج والناس ينظرون فلبسها العلج فطالت إلي صدره، فعجب الناس وأطرق الرومي مغلوبا، وليم قيس علي ما فعل بحضرة معاوية فأنشد يقول:


أردت لکيما يعلم الناس أنها
سراويل قيس والوفود شهود


وأن لا يقولوا: غاب قيس وهذه
سراويل عاد قد نمته ثمود


وإني من القوم اليمانين سيد
وما الناس إلا سيد ومسود


وبز جميع الناس أصلي ومنصبي
وجسم به أعلو الرجال مديد


ورواها إبن کثير في «البداية والنهاية» 8 ص 103 بتغيير فيها ثم قال: وفي رواية: أن ملک الروم بعث إلي معاوية برجلين من جيشه يزعم أن أحدهما أقوي الروم والآخر أطول الروم: فانظر هل في قومک من يفوقهما في قوة هذا وطول هذا؟ فإن کان في قومک من يفوقهما بعثت إليک من الاساري کذا وکذا ومن التحف کذا وکذا، وإن لم يکن في جيشک من هو أقوي وأطول منهما فهادني ثلاث سنين. فلما حضروا عند معاوية قال: من لهذا القوي؟ فقالوا: ماله إلا أحد رجلين إما محمد بن الحنفية أو عبدالله بن الزبير، فجيئ بمحمد بن الحنفية وهو إبن علي بن أبي طالب فلما إجتمع الناس عند معاوية قال له معاوية: أتعلم فيم أرسلت إليک؟ قال: لا. فذکر له أمر الرومي وشدة بأسه فقال للرومي: إما أن تجلس لي أو أجلس لک، وتناولني يدک أو اناولک يدي فأينا قدر

[صفحه 110]

علي أن يقيم الآخر من مکانه غلبه وإلا فقد غلب. فقال له: ماذا تريد؟ تجلس أو أجلس؟ فقال له الرومي: بل اجلس أنت. فجلس محمد بن الحنفية وأعطي الرومي يده فاجتهد الرومي بکل ما يقدر عليه من القوة أن يزيله من مکانه أو يحرکه ليقيمه فلم يقدر علي ذلک ولا وجد إليه سبيلا، فغلب الرومي عند ذلک وظهر لمن معه من الوفود من بلاد الروم انه قد غلب، ثم قام محمد بن الحنفية فقال للرومي: اجلس لي. فجلس وأعطي محمدا يده فما أمهله أن أقامه سريعا ورفعه في الهواء ثم ألقاه علي الارض، فسر بذلک معاوية سرورا عظيما، ونهض قيس بن سعد فتنحي عن الناس ثم خلع سراويله وأعطاها لذلک الرومي الطويل فبلغت إلي ثدييه وأطرافها تخط بالارض، فاعترف الرومي بالغلب وبعث ملکهم ما کان إلتزمه لمعاوية.

يستفيد القارئ من أمثال هذه الموارد من التاريخ ان أهل البيت عليهم السلام و شيعتهم کانوا هم المرجع لحل المشکلات من کل الوجوه کما أن مولاهم أمير المؤمنين عليه السلام کان هو المرجع الفذ فيها لدي الصدر الاول.



صفحه 109، 110.