قيس ومعاوية في المدينة











قيس ومعاوية في المدينة



روي التابعي الکبير أبوصادق سليم بن قيس الهلالي في کتابه قال: قدم معاوية حاجا في أيام خلافته بعد ما مات الحسن بن علي عليهاالسلام فاستقبله أهل المدينة فنظر فإذا الذين استقبلوه عامهم قريش فالتفت معاوية إلي قيس بن سعد بن عبادة فقال: ما فعلت الانصار، وما بالها ما تستقبلني؟؟!! فقيل: إنهم محتاجون ليس لهم دواب. فقال معاوية: فأين نواضحهم؟ فقال قيس بن سعد: أفنوها يوم بدر واحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلي الله عليه وآله حين ضربوک وأباک علي الاسلام حتي ظهر أمر الله وأنتم کارهون. فقال معاوية: أللهم اغفر. فقال قيس: أما إن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: سترون بعدي أثرة. فقال معاوية: فما أمرکم به؟ قال أمرنا أن نصبر حتي نلقاه. قال: فاصبروا حتي تلقونه.

ثم قال يا معاوية: تعيرنا بنواضحنا؟ والله لقد لقيناکم عليها يوم بدر وأنتم جاهدون علي إطفاء نور الله، وأن تکون کلمة الشيطان هي العليا، ثم دخلت أنت وأبوک کرها في الاسلام الذي ضربناکم عليه. فقال معاوية: کأنک تمن علينا بنصرتکم إيانا فلله ولقريش بذلک المن والطول. ألستم تمنون علينا يا معشر الانصار بنصرتکم رسول الله وهو من قريش وهو إبن عمنا ومنا، فلنا المن والطول إن جعلکم الله أنصارنا وأتباعنا فهداکم بنا. فقال قيس:

إن الله بعث محمد صلي الله عليه وآله رحمة للعالمين فبعثه إلي الناس کافة، وإلي الجن والانس والاحمر والاسود والابيض إختاره لنبوته، واختصه برسالته، فکان أول من صدقه وآمن به إبن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام وأبوطالب يذب عنه ويمنعه ويحول بين کفار قريش وبين أن يردعوه أو يؤذوه وأمره أن يبلغ رسالة ربه، فلم يزل ممنوعا من الضيم والاذي حتي مات عمه أبوطالب وأمر إبنه بموازرته فوازره ونصره، وجعل نفسه دونه في کل شديدة وکل ضيق وکل خوف، واختص الله بذلک

[صفحه 107]

عليا عليه السلام من بين قريش، وأکرمه من بين جميع العرب والعجم، فجمع رسول الله صلي الله عليه وآله جميع بني عبدالمطلب فيهم أبوطالب وأبولهب وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله صلي الله عليه وآله وخادمه علي عليه السلام ورسول الله صلي الله عليه وآله في حجر عمه أبي طالب فقال: أيکم ينتدب أن يکون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في امتي وولي کل مؤمن بعدي. فسکت القوم حتي أعادها ثلاثا، فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله؟ صلي الله عليک. فوضع رأسه في حجره وتفل في فيه وقال: أللهم املا جوفه علما وفهما وحکما. ثم قال لابي طالب: يا أبا طالب؟ اسمع الآن لابنک وأطع فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسي. وآخي صلي الله عليه وآله بين علي وبين نفسه. فلم يدع قيس شيئا من مناقبه إلا ذکره واحتج به.

وقال: منهم: جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين إختصه الله بذلک من بين الناس. ومنهم: حمزة سيد الشهداء. ومنهم: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. فإذا وضعت من قريش رسول الله صلي الله عليه وآله وأهل بيته وعترته الطيبين فنحن والله خير منکم يا معشر قريش؟ وأحب إلي الله ورسوله وإلي أهل بيته منکم، لقد قبض رسول الله فاجتمعت الانصار إلي ابي ثم قالوا: نبايع سعدا فجائت قريش فخاصمونا بحجة علي وأهل بيته، وخاصمونا بحقه وقرابته، فما يعدوا قريش أن يکونوا ظلموا الانصار وظلموا آل محمد، ولعمري ما لاحد من الانصار ولا لقريش ولا لاحد من العرب والعجم في الخلافة حق مع علي بن أبي طالب وولده من بعده.

فغضب معاوية وقال: يا بن سعد؟ عمن أخذت هذا؟ وعمن رويته؟ وعمن سمعته؟ أبوک أخبرک بذلک وعنه أخذته؟؟!! فقال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي وأعظم علي حقا من أبي. قال: من؟ قال: علي بن أبي طالب عالم هذه الامة، وصديقها؟ الذي أنزل الله فيه: قل کفي بالله شهيدا بينيوبينکم ومن عنده علم الکتاب- فلم يدع آية نزلت في علي إلا ذکرها- قال معاوية: فإن صديقها أبوبکر، وفاروقها عمر والذي عنده علم الکتاب عبدالله بن سلام.قال قيس: أحق هذه الاسماء وأولي بها الذي أنزل الله فيه: أفمن کان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه، والذي نصبه رسول الله صلي الله عليه وآله بغدير خم فقال: من کنت مولاه أولي به من نفسه

[صفحه 108]

فعلي أولي به من نفسه، وقال في غزوة تبوک: أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي

کل ما ذکره قيس في هذه المناظرة من الآيات النازلة في أميرالمؤمنين، والاحاديث النبوية المأثورة في فضله، أخرجها الحفاظ والعلماء في المسانيد والصحاح نذکر کلا منها في محله إنشاء الله کما مر بعضها.



صفحه 107، 108.