كتاب مفتعل علي قيس











کتاب مفتعل علي قيس



فلما آيس معاوية من قيس أن يتابعه علي أمره، شق عليه ذلک، وثقل عليه مکانه، لما کان يعرف من حزمه وبأسه، ولم تنجع حيلة فيه تکاده من قبل علي فقال لاهل الشام: إن قيسا قد تابعکم فادعو الله له ولا تسبوه ولا تدعوا إلي غزوه فإنه لنا شيعة قد تأتينا کتبه ونصيحته سرا ألا ترون ما يفعل بإخوانکم الذين عنده من أهل خربتا يجري عليهم عطاياهم وأرزاقهم ويحسن إليهم. واختلق کتابا ونسبه إلي قيس فقرأه علي أهل الشام وهو:

بسم الله الرحمن الرحيم. للامير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد: سلام عليک، فإني أحمد إليکم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني لما نظرت لنفسي

[صفحه 101]

وديني فلم أر يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برا تقيا فنستغفر الله عزوجل العصمة لذنوبنا ونسأله لديننا، ألا وإني قد ألقيت إليکم بالسلم، وإني أجبتک إلي قتال قتلة عثمان رضي الله عنه إمام الهدي المظلوم، فعول علي فيما أحببت من الاموال والرجال اعجل عليک. والسلام[1] .

إن شنشنة التقول والافتعال غريزة ثابتة في سجايا معاوية، ومنذ عهده شاعت الاحاديث المزورة فيما يعنيه من فضل بني امية والوقيعة في بني هاشم عترة الوحي وأنصاره يوم کان يهب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة لاهل الجباه السود فيضعون له في ذلک روايات معزوة إلي صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله، فإنه بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم ليروي ان قوله تعالي: ومن الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضات الله. نزل في إبن ملجم أشقي مراد. وقوله تعالي: ومن الناس من يعجبک قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام. ألآية. نزل في علي أمير- المؤمنين. فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم، فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل[2] وله من نظاير هذا شئ کثير.

فليس من البدع إختلاقه علي قيس وهو يفتعل علي سيده النبي الاطهر مالم يقله، و علي أميرالمؤمنين ما لم يکن، وعلي سروات المجد من بني هاشم الاطيبين ماهم عنه بعداء. فهو مبتدع هذه الخزايات العايدة عليه وعلي لفيفه في عهد ملوکيته المظلم، وعلي هذا کان دينه وديدنه، ثم تمرنت رواة السوء من بعده علي رواية الموضوعات وشاعت و کثرت إلي أن ألقت العلماء وحفظة الحديث في جهود متعبة بالتأليف في تمييز الموضوع من غيره، والخبيث من الطيب.



صفحه 101.





  1. تاريخ الطبري 5 ص 229، کامل ابن الاثير 3 ص 117، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 24.
  2. شرح ابن أبي الحديد 1 ص 361.