حديث فروسية قيس
[صفحه 75] متواصلة علي حماسته وشجاعته، ويقرأ له دروسا وافية حول فروسيته، وبأسه في الحروب وشدته في المواقف الهائلة، فما عساني أن أکتب عن فارس سجل له التأريخ: انه کان سياف النبي الاعظم، وأشد الناس في زمانه بعد أمير المؤمنين؟[1] وما عساني أن أقول في باسل کان أثقل خلق الله علي معاوية؟ جبن أصحابه الشجاع والجبان، وکان أشد عليه من جيش عرام، وکتائب تحشد مائة ألف مقاتل، وکان يوم صفين يقول والله ان قيسا يريد أن يفنينا غدا إن لم يحسبه عنا حابس القيل.[2] . تعرب عن هذه الناحية مواقفه في العهدين: النبوي والعلوي. أما مواقفه علي العهد النبوي فتجد نبأها العظيم في صحايف بدر وفتح وحنين واحد وخيبر ونضير وأحزاب، وهو يعد مواقفه هذه کلها في شعره ويقول: إننا إننا الذين إذا الفتح بعد بدر وتلک قاصمة الظهر وقال سيدنا صاحب «الدرجات الرفيعة»: إنه شهد مع النبي ألمشاهد کلها، وکان حامل راية الانصار مع رسول الله، أخذ النبي صلي الله عليه وآله يوم الفتح ألراية من أبيه- سعد- و دفعها إليه. وقال الخطيب في تاريخه 1 ص 177: إنه حمل لواء رسول الله في بعض مغازيه. وفي تاريخي الطبري وإبن الاثير 3 ص 106: إنه کان صاحب راية الانصار مع رسول الله صلي الله عليه وآله وکان من ذوي الرأي والبأس. وفي الاستيعاب:[3] إنه کان حامل راية النبي في فتح مکة إذا نزعها من أبيه، وأرسل عليا رضي الله عنه أن ينزع اللواء منه ويدفعه لابنه قيس ففعل. وأما مواقفه علي العهد العلوي فکان يحض أميرالمؤمنين علي قتال معاوية ويحثه علي محاربة مناوئيه ويقول: يا أميرالمؤمنين؟ ما علي الارض أحد أحب إلينا أن يقيم فينامنک. لانک نجمنا الذي نهتدي به، ومفزعنا الذي نصير إليه، وإن فقدناک لتظلمن ارضنا وسماؤنا، ولکن والله لو خليت معاوية للمکر ليرومن مصر، وليفسدن اليمن، وليطعمن في العراق، ومعه قوم يمانيون قد اشربوا قتل عثمان، وقد اکتفوا بالظن [صفحه 76] عن العلم، وبالشک عن اليقين، وبالهوي عن الخير، فسر بأهل الحجاز وأهل العراق ثم ارمه بامر يضيق فيه خناقه، ويقصر له من نفسه. فقال: أحسنت والله يا قيس؟ واجملت[4] . فأرسله علي عليه السلام مع ولده الحسن الزکي وعمار بن ياسر إلي الکوفة ودعوة أهلها إلي نصرته فخطب الحسن عليه السلام هناک وعمار وبعد هما قام قيس فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أيها الناس؟ إن هذا الامر لو استقبلنا به الشوري، لکان علي أحق الناس به في سابقته وهجرته وعلمه وکان قتل من أبي ذلک حلالا وکيف؟ والحجة قامت علي طلحة والزبير وقد بايعاه خلعاه حسدا. فقام خطباؤهم وأسرعوا إلي الرد بالاجابة فقال النجاشي: رضينا بقسم الله إذ کان قسمنا وقلنا له: أهلا وسهلا ومرحبا فمرنا بما ترضي نجبک إلي الرضا وتسويد من سودت غير مدافع فإن نلت ما تهوي فذاک نريده وقال قيس بن سعد حين أجاب أهل الکوفة: جزي الله أهل الکوفة اليوم نصرة وقالوا: علي خير حاف وناعل هما أبرزا زوج النبي تعمدا فما هکذا کانت وصاة نبيکم فهل بعد هذا من مقال لقائل؟ هذا لفظ شيخ الطائفة في أمالي ولده ص 87 و 94، ورواه شيخنا المفيد في- النصرة [صفحه 77] لسيد العترة- ونسب الابيات الدالية إلي قيس بن سعد بتغيير وزيادة وهذا لفظه: فلما قدم الحسن عليه السلام وعمار وقيس الکوفه مستنفرين لاهلها إلي أن قال: ثم قام قيس بن سعد رحمه الله فقال: أيها الناس إن هذا الامر لو استقبلناه فيه شوري لکان أميرالمؤمنين أحق الناس به لمکانه من رسول الله، وکان قتال من أبي ذلک حلالا، فکيف في الحجة علي طلحة والزبير؟ وقد بايعاه طوعا ثم خلعاه حسدا وبغيا، وقد جاءکم علي في المهاجرين والانصار، ثم أنشأ يقول: رضينا بقسم الله إذ کان قسمنا وقلنا لهم: أهلا وسهلا ومرحبا فما للزبير الناقض العهد حرمة أتاکم سليل المصطفي ووصيه فمن قائم يرجي بخيل إلي الوغا يسود من أدناه غير مدافع فإن يأتي ما نهوي فذاک نريده وکان يسير في تلک المواقف بکل عظمة وجلال بهيئة فخمة، ترهب القلوب، وترعب الفوارس، وترعد الفرائص، قال المنذر بن الجارود يصف مواکب المجاهدين مع أميرالمؤمنين وقد رآهم في الزاوية:[7] ثم مر بنا فارس علي فرس أشقر عليه ثياب بيض، وقلنسوة بيضاء، وعمامة صفراء، متنکب قوسا، متقلد سيفا، تخط رجلاه في الارض، في ألف من الناس، ألغالب علي تيجانهم ألصفرة والبياض، معه رأية صفرآء، قلت: من هذا؟ قيل: هذا قيس بن سعد بن عبادة في الانصار وأبناءهم وغيرهم من قحطان. «مروج الذهب 2 ص 8». ولما أراد أميرالمؤمنين ألمسير إلي أهل الشام دعا إليه من کان معه من المهاجرين والانصار فحمد الله وأثني عليه وقال: أما بعد: فإنکم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، مبارکوا الفعل والامر، وقد أردنا المسير إلي عدونا وعدوکم فأشيروا علينا برأيکم. [صفحه 78] فقام قيس بن سعد فحمد الله وأثني عليه ثم قال: يا أميرالمؤمنين؟ إنکمش[8] بنا إلي عدونا، ولا تعرج[9] فوالله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترک والروم لادهانهم في دين الله، وإستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد صلي الله عليه وآله من المهاجرين و الانصار، والتابعين بالاحسان، إذا غضبوا علي رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه، وفيأنا لهم في أنفسهم حلال، ونحن لهم فيما يزعمون قطين. قال: يعني رقيق. «کتاب صفين ص 50». قال صعصعة بن صوحان: لما عقد علي بن أبي طالب الالوية لاجل حرب صفين أخرج لواء رسول الله صلي الله عليه وآله ولم ير ذلک اللواء منذ قبض رسول الله، فعقده علي ودعا قيس بن سعد بن عبادة فدفع إليه واجتمعت الانصار وأهل بد فلما نظروا إلي لوآء رسول الله صلي الله عليه وآله بکوا فأنشأ قيس بن سعد يقول: هذا اللوآء الذي کنا نحف به ما ضر من کانت الانصار عيبته قوم إذا حاربوا طالت أکفهم إبن عساکر في تاريخه 3 ص 245، وإبن عبدالبر في «الاستيعاب 2 ص 539، وإبن الاثير في «اسد الغابة» 4 ص 216، والخوارزمي في «المناقب» ص122[10] . ولما تعاظمت الامور علي معاوية دعا عمر بن العاص، وبسر بن أرطاة، و عبيدالله بن عمر بن الخطاب، وعبدالرحمن بن خالد بن الوليد، فقال لهم: إنه قد غمني رجال من أصحاب علي منهم: سعيد بن قيس في همدان، والاشتر في قومه، والمرقال هاشم بن عتبة، وعدي بن حاتم، وقيس بن سعد في الانصار، وقد وقتکم يمانيکم بأنفسها حتي لقد إستحييت لکم وأنتم عددتم من قريش، وقد أردت أن يعلم الناس أنکم أهل غنا، وقد عبأت لکل رجل منهم رجلا منکم فاجعلوا ذلک إلي.فقالوا: ذلک إليک. قال: فأنا أکفيکم سعيد بن قيس وقومه غدا. وأنت يا عمرو؟ لاعور بني [صفحه 79] زهرة: ألمرقال. وأنت يا بسر؟ لقيس بن سعد. وأنت يا عبيدالله؟ للاشتر النخعي. وأنت يا عبدالرحمن بن خالد؟ لاعورطي يعني: عدي بن حاتم. ثم ليرد کل رجل منکم عن حماة الخيل فجعلها نوايب في خمسة أيام لکل رجل منهم يوما. وإن بسر بن أرطاة غدا في اليوم الثالث في حماة الخيل فلقي قيس بن سعد في کماة الانصار فأشتدت الحرب بينهما وبرز قيس کأنه فنيق[11] مقرم[12] وهو يقول: أنا ابن سعد زانه عباده ليس فراري بالوغا بعاده يا رب أنت لقني الشهاده[13] . حتي متي تثني لي الوساده فطعن خيل بسر وبرز له بعد ملي وهو يقول: أنا ابن أرطاة عظيم القدر ليس الفرار من طباع بسر وقد قضيت في عدوي نذري وجعل يطعن بسر قيسا فيضربه قيس بالسيف فيرده علي عقبيه، ورجع القوم جميعا ولقيس الفضل کتاب صفين ص 226. وروي نصر في کتابه ص 227 -240: إن معاوية دعا النعمان بن بشر بن سعد الانصاري، ومسلمة بن مخلد الانصاري ولم يکن معه من الانصار غيرهما فقال: يا هاذان؟ لقد غمني ما لقيت من الاوس والخزرج، صاروا واضعي سيوفهم علي عواتقهم يدعون إلي النزال حتي والله جبنوا أصحابي الشجاع والجبان، وحتي والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قالوا: قتله الانصار، أما والله لالقينهم بحدي وحديدي، ولاعبين لکل فارس منهم فارسا ينشب[14] في حلقه، ثم لارمينهم بأعدادهم من قريش [صفحه 80] رجالا لم يغذهم التمر والطفيشل[15] يقولون: نحن الانصار قد والله آووا ونصروا ولکن أفسدوا حقهم بباطلهم. فغضب النعمان فقال: يا معاوية؟ لا تلومن الانصار بسرعتهم في الحرب فإنهم کذلک کانوا في الجاهلية، فأما دعاؤهم إلي النزال فقد رأيتهم مع رسول الله صلي الله عليه وآله، وأما لقاؤک إياهم في أعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم فإن أحببت أن تري فيهم مثل ذلک آنفا؟ فافعل، وأما التمر والطفيشل فإن التمر کان لنا فلما أن ذقتموه شارکتمونا فيه، وأما الطفيشل فکان لليهود فلما أکلناه غلبنا هم عليه کما غلب قريش علي سخينة[16] ثم تکلم مسلمة بن مخلد إلي أن قال: وإنتهي الکلام إلي الانصار فجمع قيس بن سعد الانصاري الانصار ثم قام خطيبا فيهم فقال: إن معاوية قد قال ما بلغکم وأجاب عنکم صاحبکم، فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالامس، وإن وترتموه في الاسلام لقد وترتموه في الشرک، ومالکم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه، فجدوا اليوم جدا تنسونه به ما کان أمس، وجد واغدا جدا تنسونه به ما کان اليوم، وأنتم مع هذا اللواء الذي کان يقاتل عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميکائيل، والقوم مع لواء أبي جهل والاحزاب، وأما التمر فإنا لم نغرسه ولکن غلبنا عليه من غرسه، وأما الطفيشل فلو کان طعامنا لسمينا به کما سميت: قريش السخينة. ثم قال قيس بن سعد في ذلک: يابن هند: دع التوثب في الحرب نحن من قد رأيت فادن إذا إن برزنا بالجمع نلقک في الجمع فالقنا في اللفيف نلقک في الخزرج أي هذين ما أردت فخذه؟ [صفحه 81] ثم لا ينزع العجاجة حتي ليت ما تطلب العداة أتانا إننا إننا الذين إذا الفتح بعد بدر وتلک قاصمة الظهر يوم الاحزاب قد علم الناس فلما بلغ معاوية شعره دعا عمرو بن العاص فقال: ما تري في شتم الانصار؟ قال: أري أن توعد ولا تشتم، ماعسي أن تقول لهم؟ إذا أردت ذمهم ذم أبدانهم ولا تذم أحسابهم قال معاوية: إن خطيب الانصار قيس بن سعد يقوم کل يوم خطيبا وهو والله يريد أن يفنينا غدا إن لم يحبسه عنا حابس القيل، فما الرأي؟ قال: ألرأي: ألتوکل والصبر. فأرسل معاوية إلي رجال من الانصار فعاتبهم، منهم: عقبة بن عمرو. وأبومسعود. والبراء بن عازب. وعبدالرحمن بن أبي ليلي. وخزيمة بن ثابت. وزيد بن أرقم. وعمرو إبن عمرو. والحجاج بن غزية. وکانوا هؤلاء يلقون في تلک الحرب فبعث معاوية بقوله: لتأتوا قيس بن سعد. فمشوا بأجمعهم إلي قيس قالوا: إن معاوية لا يريد شتمنا فکف عن شتمه فقال: إن مثلي لا يشتم ولکني لا أکف عن حربه حتي ألقي الله. وتحرکت الخيل غدوة فظن قيس بن سعد أن فيها معاوية فحمل علي رجل يشبهه فقنعه بالسيف فإذا غير معاوية، وحمل الثانية يشبهه ايضا فضربه ثم انصرف وهو يقول: قولوا لهذا الشاتمي معاويه خوفتنا لکلب قوم عاويه ترقل إرقال العجوز الخاويه[18] . فقال معاوية: يا أهل الشام؟ إذا لقيتم هذا الرجل فأخبروه بمساويه فلما تحاجز الفريقان شتمه معاوية شتما قبيحا وشتم الانصار[19] فغضب النعمان ومسلمة علي معاوية، فأرضاهما بعدما هما أن ينصرفا إلي قومهما. [صفحه 82] ثم إن معاوية سأل النعمان أن يخرج إلي قيس فيعاتبه ويسأله السلم، فخرج النعمان حتي وقف بين الصفين فقال يا قيس؟ أنا النعمان بن بشير. فقال قيس: هيه يا ابن بشير؟ فما حاجتک؟ فقال النعمان: يا قيس؟ انه قد أنصفکم من دعاکم إلي ما رضي لنفسه، ألستم معشر الانصار تعلمون أنکم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار؟ وقتلتم أنصاره يوم الجمل؟ وأقحمتم خيولکم علي أهل الشام بصفين؟ فلو کنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لکان واحدة بواحدة، ولکنکم خذلتم حقا ونصرتم باطلا، ثم لم ترضوا أن تکونوا کالناس حتي أعلمتم في الحرب، ودعوتم إلي البراز، ثم لم ينزل بعلي أمر[20] قط إلا هونتم عليه المصيبة، ووعدتموه الظفر، وقد أخذت الحرب منا وعنکم ما قد رأيتم فاتقوا الله في البقية. فضحک قيس ثم قال: ما کنت أراک يا نعمان؟ تجتري علي هذه المقالة، انه لا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش الضال المضل. أما ذکرک عثمان فإن کانت الاخبار تکفيک فخذ مني واحدة: قتل عثمان من لست خيرا منه، وخذله من هو خير منک، أما اصحاب الجمل فقاتلناهم علي النکث. وأما معاوية فوالله لو إجتمعت عليه العرب لقاتلته الانصار. وأما قولک: إنا لسنا کالناس فنحن في هذا الحرب کما کنا مع رسول الله نتقي السيوف بوجوهنا، والرماح بنحورنا، حتي جاء الحق وظهر أمر الله وهم کارهون، ولکن انظر يا نعمان؟ هل تري مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور؟ انظر أين المهاجرون والانصار والتابعون لهم باحسان الذين رضي الله عنهم، ثم انظر هل تري مع معاوية غيرک وصويحبک؟ ولستما والله ببدريين ولا احديين ولا لکما سابقة في الاسلام، ولا آية في القرآن[21] و لعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوک. ثم قال قيس في ذلک: والراقصات بکل أشعث أغبر ما ابن المخلد ناسيا أسيافنا [صفحه 83] ترکا العيان وفي العيان کفاية ثم إن عليا عليه السلام دعا قيس بن سعد فأثني عليه خيرا وسوده علي الانصار[22] وخرج قيس في نهروان إلي الخوارج فقال لهم: عباد الله؟ أخرجوا إلينا طلبتنا منکم وادخلوا في هذا الامر الذي خرجتم منه، وعودوا بنا إلي قتال عدونا وعدوکم فانکم رکبتم عظيما من الامر، تشهدون علينا بالشرک، والشرک ظلم عظيم، تسفکون دماء المسلمين، وتعدونهم مشرکين. فقال له عبدالله بن شجرة السلمي: إن الحق قد أضاءلنا فلسنا متابعيکم أو تأتونا بمثل عمر. فقال قيس: ما نعلمه فينا غير صاحبنا فهل تعلمونه فيکم؟ قالوا: لا. قال: نشدتکم الله في أنفسکم أن تهلکوها فإني لا اري الفتنة إلا وقد غلبت عليکم[23] . أما موقفه بعد العهدين فکان مع الامام السبط المجتبي سلام الله عليه ولما وجه عسکره إلي قتال أهل الشام دعا عليه السلام عبيد الله بن العباس بن عبدالمطلب فقال له: يابن عم؟ إني باعث إليک إثني عشر ألفا من فرسان العرب، وقراء مضر، ألرجل منهم يريد الکتيبة، فسربهم، وألن لهم جانبک، وأبسط لهم وجهک، وأفرش لهم جناحک، وادنهم في مجلسک، فإنهم بقية ثقات أميرالمؤمنين، وسر بهم علي شط الفرات حتي تقطع بهم الفرات حتي تسير بمسکن[24] ثم امض حتي تستقبل بهم معاوية، فإن أنت لقيته فاحبسه حتي آتيک فإني علي أثرک وشيکا، وليکن خبرک عندي کل يوم، وشاور هذين يعني: قيس بن سعد وسعيد بن قيس، وإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتي يقاتلک فإن فعل فقاتله، وإن اصبت فقيس بن سعد، وإن اصيب قيس بن سعد فسعيد بن قيس علي الناس. فسار عبيدالله... فأما معاوية فإنه وافي حتي نزل قرية يقال لها: ألحيوضة. بمسکن وأقبل [صفحه 84] عبيدالله بن عباس حتي نزل بإزاءه فلما کان من غد وجه معاوية بخيل إلي عبيدالله فيمن معه فضربهم حتي ردهم إلي معسکرهم، فلما کان الليل أرسل معاوية إلي عبيدالله بن عباس أن الحسن قد أرسلني في الصلح، وهو مسلم الامر إلي فإن دخلت في طاعتي الآن کنت متبوعا، وإلا دخلت وأنت تابع، ولک إن أجبتني الآن أن اعطيک ألف ألف درهم، اعجل لک في هذاالوقت نصفها، وإذا دخلت الکوفة ألنصف الآخر، فأقبل عبيد الله إليه ليلا فدخل عسکر معاوية، فوفي له بما وعده، وأصبح الناس ينتظرون عبيدالله أن يخرج حتي أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه، فصلي بهم قيس بن سعد بن عبادة، ثم خطبهم فثبتهم وذکر عبيد الله فنال منه، ثم أمرهم بالصبر والنهوض إلي العدو فأجابوه بالطاعة وقالوا له: انهض بنا إلي عدونا علي اسم الله. فنزل فنهض بهم وخرج إليه بسر بن أرطاة فصاح إلي أهل العراق: ويحکم هذا أميرکم عندنا قد بايع، وإمامکم ألحسن قد صالح، فعلام تقتلون أنفسکم؟ فقال لهم قيس بن سعد: إختاروا إحدي اثنتين: إما القتال مع غير إمام، وإما أن تبايعوا بيعة ضلال. فقالوا: بل نقاتل بلا إمام فخرجوا فضربوا أهل الشام حتي ردوهم إلي مصافهم، فکتب معاوية إلي قيس بن سعد يدعوه ويمنيه فکتب إليه قيس: لا والله لا تلقاني أبدا إلا بيني وبينک الرمح شرح إبن أبي الحديد 4 ص 14 قال اليعقوبي في تاريخه 2 ص 191: إنه وجه الحسن عليه السلام بعبيدالله بن العباس في إثني عشر ألفا لقتال معاوية ومعه قيس بن سعد بن عبادة الانصاري، وأمر عبيدالله أن يعمل بأمر قيس ورأيه فسار إلي ناحية الجزيرة وأقبل معاوية لما إنتهي إليه الخبر بقتل علي فسار إلي الموصل بعد قتل علي بثمانية عشر يوما، والتقي العسکران فوجه معاوية إلي قيس بن سعد: يبذل له ألف ألف درهم علي أن يصير معه أو ينصرف عنه، فأرسل إليه بالمال وقال: تخدعني عن ديني؟ فيقال: إنه أرسل إلي عبيدالله بن عباس وجعل له ألف ألف درهم فصار إليه في ثمانية آلاف من أصحابه، وأقام قيس علي محاربته، وکان معاوية يدس إلي عسکر الحسن من يتحدث: أن قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه، ووجه إلي عسکر قيس من يتحدث: أن الحسن قد صالح معاوية وأجابه. [صفحه 85] وفي الاستيعاب 2 ص 225 عن عروة قال: کان قيس مع الحسن بن علي علي مقدمته ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤسهم بعد ما مات علي وتبايعوا علي الموت، فلما دخل الحسن في بيعة معاوية أبي قيس أن يدخل وقال لاصحابه: ما شئتم؟ إن شئتم جادلت بکم حتي يموت الاعجل منا، وإن شئتم أخذت لکم أمانا؟؟! فقالوا: خذ لنا أمانا، فأخذ لهم إن لهم کذا وکذا، وأن لا يعاقبوا بشيئ وأنه رجل منهم، ولم يأخذ لنفسه خاصة شيئا. ثم ارتحل نحو المدينة ومضي بأصحابه.
إن الباحث لايقف علي أي معجم يذکر فيه قيس إلا ويجد في طيه جمل الثناء
شهدنا وخيبرا وحنينا
واحد وبالنضير ثنينا
عليا وأبناء النبي محمد
نقبل يديه من هوي وتودد
بصم العوالي والصفيح المهند[5] .
وإن کان من سودت غير مسود
وإن تخط ما تهوي فغير تعمد
أجابوا ولم يأبوا بخذلان من خذل
رضينا به من ناقضي العهد من بدل
يسوق بها الحادي المنيخ علي جمل
وما هکذا الانصاف أعظم بذا المثل
ألا قبح الله الاماني والعلل
عليا وأبناء الرسول محمد
نمد يدينا من هوي وتودد
ولا لاخيه طلحة اليوم من يد
وأنتم بحمد الله عار من الهد[6] .
وصم العوالي والصفيح المهند
وإن کان ما نقضيه غير مسود
وإن نخط ما نهوي فغير تعمد
مع النبي وجبريل لنا مدد
أن لا يکون له من غيرهم أحد
بالمشرفية حتي يفتح البلد
والخزرجيون رجال ساده
إن الفرار للفتي قلاده
والقتل خير من عناق غاده
مراود في غالب بن فهر
إن يرجع اليوم بغير وتر
ياليت شعري ما بقي من عمري
إذا نحن في البلاد نأينا[17] .
شئت بمن شئت في العجاج إلينا
وإن شئت محضة اسرينا
تدعو في حربنا أبوينا
ليس منا وليس منک الهوينا
تنجلي حوبنا لنا أو علينا
أنعم الله بالشهادة عينا
شهدنا وخيبرا وحنينا
واحد وبالنضير ثنينا
شفينا من قبلکم واشتفينا
إن کلما أوعدت ريح هاويه
إلي يابن الخاطئين الماضيه
في أثر الساري ليال الشاتيه
خوص العيون تحثها الرکبان
عمن نحاربه ولا النعمان
لو کان ينفع صاحبيه عيان
صفحه 75، 76، 77، 78، 79، 80، 81، 82، 83، 84، 85.