سير دعبل مع الخلفاء والوزراء
[صفحه 375] 1- عن يحيي بن أکثم قال: إن المأمون أقدم دعبل رحمه الله وآمنه علي نفسه فلما مثل بين يديه وکنت جالسا بين يدي المأمون فقال له: أنشدني قصيدتک «الرائية» فجحدها دعبل وأنکر معرفتها، فقال له: لک الامان عليها کما أمنتک علي نفسک. فأنشده: تأسفت جارتي لما رأت زوري ترجو الصبي بعد ما شابت ذوائبها أجارتي إن شيب الرأس يعلمني لو کنت أرکن للدنيا وزينتها أخني الزمان علي أهلي فصدعهم بعض أقام وبعض قد أصار به أما المقيم فأخشي أن يفارقني أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي لو لا تشاغل عيني بالاولي سلفوا وفي مواليک للحرين مشغلة کم من ذراع لهم بالطف بائنة أمسي الحسين ومسراهم لمقتله يا امة السوء ما جازيت أحمد في خلفتموه علي الانباء حين مضي قال يحيي: وأنفذني المأمون في حاجة فقمت فعدت إليه وقد إنتهي إلي قوله: لم يبق حي من الاحياء نعلمه إلا وهم شرکاء في دمائهم قتلا وأسرا وتخويفا ومنهبة أري امية معذورين إن قتلوا قوم قتلتم علي الاسلام أولهم أبناء حرب ومروان واسرتهم [صفحه 376] إربع بطوس علي قبر الزکي بها قبران في طوس خير الناس کلهم ما ينفع الرجس من قبر الزکي ولا هيهات کل أمرء رهن بما کسبت قال: فضرب المأمون عمامته الارض وقال: صدقت والله يا دعبل.[1] . روي شيخنا الصدوق في أماليه ص 390 بإسناده عن دعبل انه قال: جائني خبر موت الرضا عليه السلام وأنا مقيم بقم فقلت القصيدة الرائية. ثم ذکر أبياتا منها: 2- دخل إبراهيم بن المهدي علي المأمون فشکي إليه حاله وقال: يا أمير المؤمنين إن الله سبحانه وتعالي فضلک في نفسک علي، وألهمک الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه فقال: وما قال؟! لعل قوله: نعر إبن شکلة بالعراق وأهله وأنشده الابيات فقال: هذا من بعض هجائه وقد هجاني بما هو أقبح من هذا فقال المأمون: لک اسوة بي فقد هجاني واحتملته، وقال في[2] : أيسو مني المأمون خطة جاهل إني من القوم الذين سيوفهم شادوا بذکرک بعد طول خمولة فقال إبراهيم: زادک الله حلما يا أميرالمؤمنين وعلما، فما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمک، ولا تحمل إلا اتباعا لحلمک. 3- حدث ميمون بن هرون قال: قال إبراهيم بن المهدي للمأمون قولا في دعبل يحرضه عليه فضحک المأمون وقال: إنما تحرضني عليه لقوله فيک: يا معشر الاجياد لا تقنطوا [صفحه 377] فسوف تعطون حنينية والمعبديات لقوادکم وهکذا يرزق قواده فقال له إبراهيم: فقد والله هجاک أنت يا أميرالمؤمنين. فقال: دع هذا عنک، فقد عفوت عنه في هجائه إياي لقوله هذا. وضحک ثم دخل أبوعباد فلما رآه المأمون من بعد قال لابراهيم: دعبل يجسر علي أبي عباد بالهجاء ولا يحجم عن أحد. فقال له: وکان أبا عباد أبسط يدا منک؟! قال: لا، ولکنه حديد جاهل لا يؤمن وأنا أحلم و أصفح، والله ما رأيت أبا عباد مقبلا إلا أضحکني قول دعبل فيه. أولي الامور بضيعة وفساد 4- حدث أبوناجية قال: کان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه وبلغ دعبلا انه يريد إغتياله وقتله فهرب إلي الجبل وقال يهجوه: بکي لشتات الدين مکتئب صب وقام إمام لم يکن ذا هداية وما کانت الانباء نأتي بمثله ولکن کما قال الذين تتابعوا ملوک بني العباس في الکتب سبعة کذلک أهل الکهف في الکهف سبعة وإني لاعلي کلبهم عنک رفعة لقد ضاع ملک الناس إذ ساس ملکهم وفضل بن مروان يثلم ثلمة 5- حدث ميمون بن هارون قال: لما مات المعتصم قال محمد بن عبدالملک الزيات يرثيه: قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا : لن يجبر الله امة فقدت [صفحه 378] فقال دعبل يعارضه: قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا : إذهب إلي النار والعذاب فما ما زلت حتي عقدت بيعة من 6- حدث محمد بن قاسم بن مهرويه قال: کنت مع دعبل بالضميرة وقد جاء نعي المعتصم وقيام الواثق فقال لي دعبل: أمعک شئ تکتب فيه؟! فقلت: نعم، وأخرجت قرطاسا فأملي علي بديها: ألحمد لله لا صبر ولا جلد خليفة مات لم يحزن له أحد 7- حدث محمد بن جرير قال: أنشدني عبيدالله بن يعقوب هذا البيت وحده لدعبل يهجو به المتوکل وما سمعت له غيره فيه: ولست بقائل قذعا ولکن قال: يرميه في هذا البيت بالابنة. 8- دخل عبدالله بن طاهر علي المأمون فقال له المأمون: أي شئ تحفظ يا عبد الله لدعبل؟! فقال: أحفظ أبياتا له في أهل بيت أميرالمؤمنين. قال: هاتها ويحک. فأنشده عبدالله قول دعبل: سقيا ورعيا لايام الصبابات أيام غصني رطيب من ليانته دع عنک ذکر زمان فات مطلبه واقصد بکل مديح أنت قائله فقال المأمون: إنه قد وجد والله مقالا ونال ببعيد ذکرهم مالا يناله في وصف غيرهم. ثم قال المأمون: لقد أحسن في وصف سفر سافره فطال ذلک السفر عليه فقال فيه: ألم يأن للسفر الذين تحملوا فقلت ولم أملک سوابق عبرة :تبين فکم دار تفرق شملها [صفحه 379] کذاک الليالي صرفهن کما تري ثم قال: ما سافرت قط إلا کانت هذه الابيات نصب عيني في سفري وهجيرتي و مسيلتي حتي أعود. 9- حدث ميمون بن هارون قال: کان دعبل قد مدح دينار بن عبدالله وأخاه يحيي فلم يرض فعلاه فقال يهجوهما: ما زال عصياننا لله يرذلنا وغدين عجلين لم تقطع ثمارهما قال: وفيهما وفي الحسن بن سهل والحسن بن رجاء وأبيه يقول دعبل: ألا فاشتروا مني ملوک المخزم وأعط رجاء فوق ذاک زيادة فإن رد من عيب علي جميعهم
فهذه ناحية واسعة النطاق، طويلة الذيل، يجد الباحث في طيات کتب التاريخ ومعاجم الادب المفصلة حولها کراريس مسطرة فيها لغو الحديث نضرب عنها صفحا ونقتطف منها ألنزر أليسير.
وعدت الحلم ذنبا غير مغتفر
وقد جرت طلقا في حلية الکبر
ذکر المعاد وأرضاني عن القدر
إذا بکيت علي الماضين من نفر
تصدع الشيب لاقي صدمة الحجر
داعي المنية والباقي علي الاثر
ولست أوبة من ولي بمنتظر
کحاکم قص رؤيا بعد مدکر
من أهل بيت رسول الله لم أقر
من أن تبيت لمشغول علي أثر
وعارض بصعيد الترب منعفر
وهم يقولون: هذا سيد البشر
حسن البلاء علي التنزيل والسور
خلافة الذئب في إنفاد ذي بقر
من ذي يمان ولا بکر ولا مضر
کما تشارک ايسار علي جزر
فعل الغزاة بأرض الروم والخزر
ولا أري لبني العباس من عذر
حتي إذا استمکنوا جازوا علي الکفر
بنو معيط ولاة الحقد والزعر
إن کنت تربع من دين علي وطر
وقبر شرهم هذا من العبر
علي الزکي بقرب الرجس من ضرر
له يداه فخذ ما شئت أو فذر
فهفا إليه کل أطلس مائق
أو ما رأي بالامس رأس محمد؟!
قتلت أخاک وشرفتک بمقعد[3] .
واستنقذوک من الحضيض الاوهد
وارضوا بما کان ولا تسخطوا
يلتذها الامرد والاشمط
لاتدخل الکيس ولا تربط
خليفة مصحفة البربط
أمر يدبره أبوعباد[4] .
وفاض بفرط الدمع من عينه غرب
فليس له دين وليس له لب
يملک يوما أو تدين له العرب
من السلف الماضين إذ عظم الخطب
ولم تأتنا عن ثامن لهم کتب
خيار إذا عدوا وثامنهم کلب
لانک ذو ذنب وليس له ذنب
وصيف وأشناس وقد عظم الکرب
يظل لها الاسلام ليس له شعب
في خير قبر لخير مدفون
مثلک إلا بمثل هارون
في شر قبر لشر مدفون
خلتک إلا من الشياطين
أضر بالمسلمين والدين
ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا
وآخر قام لم يفرح به أحد
لامر ما تعبدک العبيد
أيام أرفل في أثواب لذاتي
أصبو إلي خير جارات وکنات
واقذف برجلک عن متن الجهالات
نحو الهداة بني بيت الکرامات
إلي وطن قبل الممات رجوع؟!
نطقن بما ضمت عليه ضلوع
وشمل شتيت عاد وهو جميع
لکل اناس جدبة وربيع
حتي دفعنا إلي يحيي ودينار
قد طال ما سجدا للشمس والنار
أبع حسنا وابني رجاء بدرهم
وأسمع بدينار بغير تندم
فليس يرد العيب يحيي بن أکثم
صفحه 375، 376، 377، 378، 379.
أخذ المشيب من الشباب الاغيد
والنائبات من الانام بمرصد.