ما يتبع قصيده ابي تمام











ما يتبع قصيده ابي تمام



لا أجد لذي لب منتدحا عن معرفة يوم الغدير لا سيما وبين يديه کتب الحديث والسير ومدونات التاريخ والادب، کل يومي إليه بسبابته، ويوعز إليه ببنانه، کل يلمس يدي القارئ حقيقة يوم الغدير، فلا يدع له ذکرا خاليا منه، ولا مخيلة تعدوه، ولا أضالع إلا وقد انحنت عليه، فکأنه وهو يتلقي خبره بعد لاي من الدهر يرنو إليه من کثب، ويستشف أمره علي أمم، ولعل الواقف علي کتابنا هذا من البدء إلي الغاية يجد فيه نماذج مما قلناه.

إذا فهلم معي واعجب من الدکتور ملحم إبراهيم الاسود شارح ديوان شاعرنا المترجم حيث يقول عند قوله:


ويوم الغدير استوضح الحق أهله......


: يوم الغدير واقعة حرب معروفة. وذکر بعده في قوله:


يمد بضبعيه ويعلم أنه......


ما يکشف عن أنها کانت من المغازي النبوية قال ص 381: يمد بضبعيه يساعده وينصره والهاء راجعة إلي الامام علي، أي: کان رسول الله صلي الله عليه وآله ينصره ويعلم انه ولي، کان العضد والمساعد الوحيد للنبي صلي الله عليه وآله في الغدير والرسول نفسه کان ينصره عالما أنه سيکون وليا علي شعبه بعده وخليفة له، وهذه هي الحقيقة، فهل تعلمون؟!

إلا مسائل هذا الرجل عن مصدر هذه الفتوي المجردة؟! أهل وجد هاتيک الغزءة في شيئ من السير النبوية؟! أو نص عليها أحد من أئمة التاريخ؟! أم أن تلک الحرب الزبون وحدها قد توسع بنقلها المتوسعون من نقله الحديث؟! دع ذلک کله هل وجد

[صفحه 332]

قصاصا يقصها؟! أو شاعر يصورها بخياله؟!.

ألا من يسائله عن أن هذه الغزءة متي زيدت علي الغزوات النبوية المحدودة؟! المعلومة بکمها وکيفها، ألمدونة أطوارها وشئونها، وليس فيها غزءة يوم الغدير، متي زيدت هذه علي ذلک العدد الثابت بواحده؟! فکان فيها علي والنبي يتناصران، ويعضد کل صاحبه، ويدفع کل عن الآخر کما يحسبه هذا الکاتب.

وإنک لتجد الکاتب عيا عن جواب هذه الاسؤلة لکنه حبذت له بواعثة أن يستر حقيقة الغدير بذيل أمانته، وهو يحسب انه لا يقف علي ذلک التعليق إلا الدهماء، أو أن البحاثة يمرون عليه کراما، لکن المحافظة علي حقيقة دينية أولي من التحفظ علي إعتبار هذا الکاتب الذي يکتب ولا يبالي بما يکتب، ويري الکذب حقيقة راهنة.

نعم کان في الجاهلية يوم أغار فيه دريد بن الصمه ألمقتول کافرا بعد فتح مکة علي غطفان يطالبهم بدمه فاستقراهم حيا حيا وقتل من بني عبس ساعدة بن مر وأسر ذؤاب بن أسماء الجشمي فقالت بنو جشم: لو فاديناه. فأبي ذلک دريد عليهم وقتله بأخيه عبدالله وأصاب جماعة من بني مرة ومن بني ثعلبة ومن أحياء غطفان. قال في الاغاني ج 9 ص 6: وذلک في «يوم الغدير» وذکر لدريد شعرا في ذلک.

وعد في العقد الفريد ج 3 ص 71 من حروب الجاهلية يوم غدير قلياد قال: قال أبوعبيدة. فاصطلح الحيان إلا بني ثعلبة بن سعد فإنهم أبوا ذلک وقالوا: لا نرضي حتي يودوا قتلانا أو يهدر دم من قتلها فخرجوا من قطن[1] حتي وردوا غدير قلياد فسبقهم بنو عبس إلي الماء فمنعوهم حتي کادوا يموتون عطشا ودوابهم فأصلح بينهم عوف ومعقل إبنا سبيع من بني ثعلبة، وإياها يعني زهير بقوله:


تدارکتما عبسا وذبيان بعدما
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم إلخ


«وقلياد» في الکلام المذکور مصحف «قلهي» کما يظهر من معجم البلدان 7 ص 154، وبلوغ الارب ج 2 ص 73، وفي الاخير عده من أيام العرب المشهورة.

هذا کل ما روي في حديث هذا اليوم الذي لم يکن لرسول الله صلي الله عليه وآله ولا لاحد من الهاشميين فيه حل ولا مرتحل ولا لوصيه أميرالمؤمنين عليه

[صفحه 333]

السلام فيه صولة أو جولة، فالحديث ليس فيه أي صلة بهما، أفمن المعقول إذن أن يريده أبوتمام المادح للوصي الاعظم؟! ويعده مأثرة له؟! علي أن الشعر نفسه يأبي أن يکون المراد به واقعة حرب دامية فإن الشاعر بعد أن عد مواقف أميرالمؤمنين عليه السلام في الغزوات النبوية وذکر منها غزأة احد وبدر وحنين والنضير وخيبر والخندق وختمها بقوله:


مشاهد کان الله کاشف کربها
وفارجه والامر ملتبس إمر


أخذ في ذکر منقبة ناء بها اللسان دون السيف والسنان فقال:- ويوم الغدير- وأنت تري انه يوعز إلي قصة فيها قيام ودعوة وإعلام وبيان ومجاهرة بإثبات الحق لاهله.



صفحه 332، 333.





  1. يوم قطن من حروب الجاهلية، راجع إلي العقد الفريد ج 3 ص 6.