غديرية العبدي الكوفي











غديرية العبدي الکوفي



هل في سؤالک رسم المنزل الخرب
برء لقلبک من دآء الهوي الوصب؟!


أم حره يوم وشک البين يبرده
ما استحدثته النوي من دمعک السرب؟!


هيهات أن ينفد الوجد المثير له
نأي الخليط الذي ولي ولم يؤب


يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت
له المدامع من ماء ومن عشب


ما خلت من قبل أن حالت نوي قذف
إن العيون لهم أهمي[1] من السحب


بانوا فکم أطلقوا دمعا وکم أسروا
لبا وکم قطعوا للوصل من سبب


من غادر لم أکن يوما أسر له
غدرا وما الغدر من شأن الفتي العربي


وحافظ العهد يبدي صفحتي فرح
للکاشحين[2] ويخفي وجد مکتئب


بانوا قبابا وأحبابا تصونهم
عن النواظر أطراف القنا السلب


وخلفوا عاشقا ملقي رمي خلسا
بطرفه خدر من يهوي فلم يصب


لهفي لما استودعت تلک القباب وما
حجبن من قضب عنا ومن کثب


من کل هيفآء أعطاف هضيم حشا
لعسآء[3] مرتشف غرآء منتقب


کأنما ثغرها وهنا وريقتها
ما ضمت الکاس من راح ومن حبب


وفي الخدور بدور لو برزن لنا
بردن کل حشا بالوجد ملتهب


وفي حشاي غليل بات يضرمه
شوق إلي برد ذاک الظلم والشنب[4] .


يا راقد اللوعة اهبب[5] من کراک فقد
بان الخليط ويا مضني الغرام ثب


أما وعصر هوي دب العزاء له
ريب المنون وغالته يد النوب

[صفحه 291]

لاشرقن[6] بدمعي إن نأت بهم
دار ولم أقض ما في النفس من إرب


ليس العجيب بأن لم يبق لي جلد
لکن بقائي وقد بانوا من العجب


شبت ابن عشرين عاما والفراق له
سهم متي يصب شمل الفتي يشب


ماهز عطفي من شوق إلي وطني
ولا اعتزاني من وجد ومن طرب


مثل اشتياقي من بعد ومنتزح
إلي الغري وما فيه من الحسب


أزکي ثري ضم أزکي العالمين فذا
خير الرجال وهذا أشرف الترب


إن کان عن ناظري بالغيب محتجبا
فإنه عن ضميري غير محتجب


إلي أن يقول:


يا راکبا جسرة تطوي مناسمها
ملاءة البيد بالتقريب والجنب[7] .


تقيد المغزل الادماء في صعد
وتطلح الکاسر الفتخاء في صبب[8] .


تثني الرياح إذا مرت بغايتها
حسري الطلائح بالغيطان والخرب


بلغ سلامي قبرا بالغري حوي
أوفي البرية من عجم ومن عرب


واجعل شعارک الله الخشوع به
وناد خير وصي صنو خير نبي


إسمع أبا حسن إن الاولي عدلوا
عن حکمک انقبلوا عن شر منقلب


ما بالهم نکبوا نهج النجاة؟! وقد
وضحته واقتفوا نهجا من العطب[9] .


ودافعوک عن الامر الذي اعتلقت
زمامه من قريش کف مغتصب


ظلت تجاذبها حتي لقد خرمت
خشاشها تربت من کف مجتذب[10] .


وکان بالامس منها المستقيل فلم
أرادها اليوم لو لم يأت بالکذب؟!


وأنت توسعه صبرا علي مضض
والحلم أحسن ما يأتي مع الغضب

[صفحه 292]

حتي إذا الموت ناداه فأسمعه
والموت داع متي يدع امرءا يجب


حبابها آخرا فأعتاض محتقبا[11] .
منه بأفضع محمول ومحتقب


وکان أول من أوصي ببيعته
لک النبي ولکن حال من کثب


حتي إذا ثالث منهم تقمصها
وقد تبدل منها الجد باللعب


عادت کما بدأت شوهاء جاهلة
تجر فيها ذئاب اکلة الغلب


وکان عتها لهم في «خم» مزدجر
لما رقي أحمد الهادي علي قتب


وقال والناس من دان إليه ومن
ثاو لديه ومن مصغ ومرتقب


: قم يا علي فإني قد امرت بأن
ابلغ الناس والتبليغ أجدر بي


إني نصبت عليا هاديا علما
بعدي وإن عليا خير منتصب


فبايعوک وکل باسط يده
إليک من فوق قلب عنک منقلب


عافوک لا مانع طولا ولا حصر
قولا ولا لهج بالغش والريب


وکنت قطب رحي الاسلام دونهم
ولا تدور رحي إلا علي قطب


ولا تماثلهم في الفضل مرتبة
ولا تشابههم في البيت والنسب


إن تلحظ القرن والعسال في يده
يظل مضطربا في کف مضطرب


وإن هززت قناة ظلت توردها
وريد ممتنع في الروع مجتنب


ولا تسل حساما يوم ملحمة
إلا وتحجبه في راس محتجب


کيوم خيبر إذ لم يمتنع زفر
عن اليهود بغير الفر والهرب


فأغضب المصطفي إذ جر رايته
علي الثري ناکصا يهوي علي العقب


فقال: إني ساعطيها غدا لفتي
يحبه الله والمبعوث منتجب


حتي غدوت بها جذلان تحملها
تلقآء أرعن من جمع العدي لجب[12] .


جم الصلادم والبيض الصوارم وا
لزرق اللهاذم والماذي واليلب[13] .

[صفحه 293]

فالارض من لاحقيات مطهمة
والمستظل مثار القسطل الهدب


وعارض الجيش من نقع بوارقه
لمع الاسنة والهندية القضب


أقدمت تضرب صبرا تحته فغدا
يصوب مزنا ولو أحجمت لم يصب


غادرت فرسانه من هارب فرق
أو مقعص[14] بدم الاوداج مختضب


لک المناقب يعيي الحاسبون بها
عدا ويعجز عنها کل مکتتب


کرجعة الشمس إذ رمت الصلاة وقد
راحت تواري عن الابصار بالحجب


ردت عليک کأن الشهب ما اتضحت
لناظر وکأن الشمس لم تغب


وفي براءة أنبآء عجائبها
لم تطو عن نازج يوما ومقترب


وليلة الغار لما بت ممتلا
أمنا وغيرک ملآن من الرعب


ما أنت إلا أخو الهادي وناصره
ومظهر الحق والمنعوت في الکتب


وزوج بضعته الزهراء يکنفها[15] .
دون الوري وأبوأبنآئه النجب


من کل مجتهد في الله معتضد
بالله معتقد لله محتسب


هادين للرشد إن ليل الضلال دجا
کانوا لطارقهم أهدي من الشهب


لقبت بالرفض لما إن منحتهم
ودي وأحسن ما ادعي به لقبي


صلاة ذي العرش تتري کل آونة
علي ابن فاطمة الکشاف للکرب


وابنيه من هالک بالسم مخترم
ومن معفر خد في الثري ترب


والعابد الزاهد السجاد يتبعه
وباقر العلم داني غاية الطلب


وجعفر وابنه موسي ويتبعه ال
بر الرضا والجواد العابد الدئب


والعسکريين والمهدي قائمهم
ذو الامر لابس أثواب الهدي القشب


من يملا الارض عدلا بعدما ملات
جورا ويقمع أهل الزيغ والشغب


ألقائد البهم الشوس الکماة إلي
حرب الطغاة علي قب الکلا الشزب[16] .


أهل الهدي لا اناس باع بائعهم
دين المهيمن بالدنيا وبالرتب

[صفحه 294]

لو أن أضغانهم في النار کامنة
لاغنت النار عن مذک ومحتطب


يا صاحب الکوثر الرقراق زاخرة
ذود النواصب عن سلساله العذب


قارعت منهم کماة في هواک بما
جردت من خاطر أو مقول ذرب


حتي لقد وسمت کلما جباهم
خواطري بمضاء الشعر والخطب


صحبت حبک والتقوي وقد کثرت
لي الصحاب فکانا خير مصطحب


فاستجل من خاطر العبدي آنسة
طابت ولوجا وزتک اليوم لم تطب


جاءت تمايل في ثوبي حيا وهدي
إليک حالية بالفضل والادب


أتعبت نفسي في مدحيک عارفة
بأن راحتها في ذلک التعب


وذکر إبن شهر اشوب في «المناقب» 1 ص 181 ط ايران للعبدي قوله:


ما لعلي سوي أخيه
محمد في الوري نظير


فداه إذ أقبلت قريش
عليه في فرشه الامير


وافاه في خم وارتضاه
خليفة بعده وزير



صفحه 291، 292، 293، 294.





  1. همي يهمي هميا: سال. العين: صبت دمعتها.
  2. کاشح فلانا کشاحا ومکاشحة وکشح له کشحا: عاداه.
  3. لعس: سواد مستحسن في الشفة.
  4. الظلم بالفتح: ماء الاسنان وبريقها. الشنب: بياض الاسنان وحسنها.
  5. أهبه من نومه: أيقظه.
  6. أشرقه بريقه: أي أغصه ومنه التنفس.
  7. جنبه جنبا جنبا: أبعده ونحاه.
  8. المغزل: من اغزلت الظبية اذا ولدت الغزال. الادم من الظباء بيضا تعلوهن طرائق فيهن غبرة. طلح: أتعب وأعيي. الکاسر: العقاب. الفتخاء: اللينة الجناح. الصبب: ما انحدر من الارض.
  9. العطب: الهلاک.
  10. خرم الخرزة: فصمها. شق وترة الانف. الخشاشة: عود يجعل في أنف الجمل.
  11. اعتاض: أخذ بدلا وخلفا. احتقب: أرکبه وراءه.
  12. جذل وجذلان: فرح وفرحان. أرعن: أحمق. جيش لجب: ذو کثرة وجلبة.
  13. الصلادم ج الصلدم: الصلب. الاسد. الزرق: يکني به عن الاسنة والنصال لما في لونها الزرقة. اللهاذم ج اللهذم: الحاد القاطع. الماذي: کل سلاح من الحديد. اليلب: الفولاذ وخالص الحديد.
  14. قعصه وأقعصه. قتله مکانه.
  15. کنف الشيئ. صانه وحفظه وحاطه وضمه اليه.
  16. البهم ج البهمة: الشجاع. الشوس: الشديد الجرئ في القتال. القب: القطع.