اخبار السيد وملحه











اخبار السيد وملحه



روي أبوالفرج وغيره شطرا وافيا من أخبار السيد وملحه ونوادره لو جمعت ليأتي کتابا ونحن نضرب عن ذکر جميعها صفحا ونقتصر منها بنبذة يسع لذکرها المجال.

1- روي أبوالفرج في «الاغاني» 7 ص 250 باسناده عن رجل قال: کنت أختلف إلي إبني قيس، وکانا يرويان عن الحسن[1] فلقيني السيد يوما وأنا منصرف من عندهما، فقال: أرني ألواحک أکتب فيها شيئا وإلا أخذتها فمحوت ما فيها. فأعطيته ألواحي فکتب فيها.

[صفحه 261]

لشربة من سويق عند مسغبة
وأکلة من ثريد لحمه واري


أشد مما روي حبا إلي بنو
قيس ومما روي صلت بن دينار


مما رواه فلان عن فلانهم
داک الذي کان يدعوهم إلي النار


2- جلس السيد يوما إلي قوم فجعل ينشدهم وهم يلغطون. فقال:


قد ضيع الله ما جمعت من أدب
بين الحمير وبين الشاء والبقر


لا يسمعون إلي قول أجيئ به
وکيف تستمع الانعام للبشر؟!


أقول ما سکتوا: إنس فإن نطقوا
قلت: الضفادع بين الماء والشجر


3- إجتمع السيد في طريقه بامرأة تميمية إباضية، فأعجبها وقالت: اريد أن أتزود بک ونحن علي ظهر الطريق. قال: يکون کنکاح ام خارجة قبل حضور ولي وشهود، فاستضحکت وقالت: ننظر في هذا، وعلي ذلک فمن أنت؟ فقال:


إن تسأليني بقومي تسألي رجلا
في ذروة العز من أحياء ذي يمن


حولي بها ذو کلاع في منازلها
وذو رعين وهمدان وذو يزن


والازد أزد عمان الاکرمون إذا
عدت مآثرهم في سالف الزمن


بانت کريمتهم عني فدارهم
داري وفي الرحب من أوطانهم وطني


لي منزلان بلحج منزل وسط
منها ولي منزل للعز في عدن


ثم الولاء الذي أرجو النجاة به
من کبة النار للهادي أبي حسن


فقالت: قد عرفناک ولا شيئ أعجب من هذا يمان وتميمية، ورافضي وإباضية، فکيف يجتمعان؟ فقال: بحسن رأيک في، تخسو نفسک، ولا يذکر أحدنا سلفا ولا مذهبا. قالت: أفليس التزويج إذا علم انکشف معه المستور، وظهرت خفيات الامور؟؟!! قال: أعرض عليک اخري. قالت: ما هي؟ قال: ألمتعة التي لا يعلم بها أحد. قالت: تلک اخت الزنا. قال: اعيذک بالله أن تکفري بالقرآن بعد الايمان. قالت: فکيف؟ قال: قال الله تعالي: فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليکم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة. فقالت: ألا تستخير الله واقلدک إن کنت صاحب قياس؟! قال: قد فعلت. فانصرفت معه وبات معرسا بها، وبلغ أهلها من الخوارج أمرها، فتوعدوها بالقتل وقالوا: تزوجت بکافر؟! فجحدت ذلک ولم يعلموا بالمتعة. فکانت

[صفحه 262]

مدة تختلف إليه علي هذه السبيل من المتعة وتواصله حتي إفترقا.

قول السيد في صدر القصة: يکون کنکاح ام خارجة: ايعاز إلي المثل الساير: أسرع من نکاح ام خارجة. يضرب به في السرعة، وام خارجة هي عمرة بنت سعد بن عبدالله بن قدار بن ثعلبة کان يأتيها الخاطب فيقول: خطب. فتقول: نکح.

فيقول: انزلي. فتقول: أنخ. قال المبرد: ولدت ام خارجة للعرب في نيف وعشرين حيا من آباء متفرقة، وکانت هي إحدي النساء اللاتي إذا تزوجت واحدة ألرجل فأصبحت عنده کان أمرهااليها إن شاءت أقامت وإن شاءت ذهبت، وعلامة إرتضائها للزوج أن تعالج له طعاما إذا أصبح.

4- قال علي بن المغيرة: کنت مع السيد علي باب عقبة بن سلم ومعنا إبن لسليمان إبن علي ننتظره وقد اسرج له ليرکب، إذ قال إبن سليمان بن علي يعرض بالسيد: أشعر الناس والله الذي يقول:


محمد خير من يمشي علي قدم
وصاحباه وعثمان بن عفانا


فوثب السيد وقال: أشعر والله منه الذي يقول:


سائل قريشا إذا ما کنت ذاعمه
من کان أثبتها في الدين أوتادا؟!


من کان أعلمها علما؟! وأحلمها
حلما؟! وأصدقها قولا وميعادا؟!


إن يصدقوک فلن يعدو أبا حسن
إن أنت لم تلق للابرار حسادا


ثم أقبل علي الهاشمي فقال: يا فتي؟ نعم الخلف أنت لشرف سلفک، أراک تهدم شرفک، وتثلب سلفک، وتسعي بالعدواة علي أهلک، وتفضل من ليس أصلک من أصله علي من فضلک من فضله، وسأخبر أميرالمؤمنين عنک بذا حتي يضعک، فوثب الفتي خجلا ولم ينتظر عقبة بن سلم. وکتب إليه صاحب خبره بما جري عند الرکوبة حتي خرجت الجائزة للسيد.

5- روي أبوسليمان الناجي: أن السيد قدم الاهواز وأبوبجير بن سماک الاسدي يتولاها وکان له صديقا، وکان لابي بجير مولي يقال له يزيد بن مذعور يحفظ شعر السيد وينشده أبا بجير، وکان أبوبجير يتشيع. فذهب السيد إلي قوم من إخوانه

[صفحه 263]

بالاهواز فنزل بهم وشرب عندهم فلما أمسي إنصرف، فأخذه العسس[2] فحبس. فکتب من غده بهذه الابيات وبعث بها إلي يزيد بن مذعور، فدخل علي أبي بجير و قال: قد جني عليک صاحب عسسک مالاقوام لک به. قال: وما ذلک؟! قال: إسمع هذه الابيات کتبها السيد من الحبس، فأنشده يقول:


قف بالديار وحيها يا مربع
واسأل وکيف يجيب من لا يسمع؟!


إن الديار خلت وليس بجوها
إلا الضوايح والحمام الوقع


ولقد تکون بها أوانس کالدمي[3] .
جمل وعزة والرباب ويوزع


حور نواعم لا تري في مثلها
أمثالهن من الصيانة أربع


فعرين بعد تألف وتجمع
والدهر- صاح- مشتت ما تجمع


فاسلم فإنک قد نزلت بمنزل
عند الامير تضر فيه وتنفع


تأتي هواک إذا نطقت بحاجة
فيه وتشفع عنده فيشفع


قل للامير إذا ظهرت بخلوة
منه ولم يک عنده من يسمع


:هب لي الذي أحببته في أحمد
وبنيه إنک حاصد ما تزرع


يختص آل محمد بمحبة
في الصدر قد طويت عليها الاضلع


ويقول فيها:


قم يابن مذعور فأنشد نکسوا
خضع الرقاب بأعين لا ترفع


لولا حذار أبي بجير أظهروا
شنآنهم وتفرقوا وتصدعوا


لا تجزعوا فلقد صبرنا فاصبروا
سبعين عاما والانوف تجدع


إذ لا يزال يقوم کل عروبة[4] .
منکم بصاحبنا خطيب مصقع


مستحفز في غيه متتابع
في الشتم مثله بخيل يسجع


ليسر مخلوقا ويسخط خالقا
إن الشقي بکل شر مولع


فلما سمعها أبوبجير دعا صاحب عسسه فشتمه وقال: جنيت علي مالا يدلي

[صفحه 264]

به. إذهب صاغرا إلي الحبس وقل: أيکم أبوهاشم؟ فإذا أجابک فأخرجه واحمله علي دابتک وامش معه صاغرا حتي تأتيني به. ففعل، فأبي السيد ولم يجبه إلي الخروج إلا بعد أن يطلق له کل من اخذ معه، فرجع إلي أبي بجير فأخبره، فقال: ألحمد لله الذي لم يقل: أخرجهم وأعط کل واحد منهم مالا. فما کنا نقدر علي خلافه، إفعل ما أحب برغم أنفک الآن. فمضي فخلي سبيله وسبيل کل من کان معه ممن اخذ في تلک الليلة، وأتي به إلي أبي بجير: فتناوله بلسانه وقال: قدمت علينا فلم تأتنا وأتيت بعض أصحابک الفساق، وشربت ما حرم عليک حتي جري ما جري. فاعتذر من ذلک إليه؟ فأمر له أبوبجير بجائزة سنية وحمله وأقام عنده مدة.



صفحه 261، 262، 263، 264.





  1. هو ابوسعيد الحسن بن ابي يسار البصري المتوفي 110، قال ابن أبي الحديد: کان ممن قيل: انه يبغض عليا عليه السلام ويذمه.
  2. جمع العاس من عس عسا: طاف بالليل يحرس الناس.
  3. الدمي ج الدمية: الصورة المزينة فيها حمرة کالدم.
  4. يوم الجمعة کان يسمي قديما: يوم عروبة ويوم العروبة. والافصح عدم ادخال الالف واللام.