السيد الحميري مع من لم يتشيع











السيد الحميري مع من لم يتشيع



لم يکن يري السيد لمناوئي العترة الطاهرة صلوات الله عليهم حرمة وقدرا، وکان يشدد النکير عليهم في کل موقف ويلفظهم بألسنة حداد بکل حول وطول، و

[صفحه 254]

له في ذلک أخبار منها:

1- عن محمد بن سهل الحميري عن أبيه قال: إنحدر السيد الحميري في سفينة إلي الاهواز، فما راه رجل في تفضيل علي عليه السلام وباهله علي ذلک، فلما کان الليل قام الرجل ليبول علي حرف السفينة، فدفعه السيد فغرقه، فصاح الملاحون: غرق والله الرجل. فقال السيد: دعوه فإنه باهلي[1] .

2- إن السيد کان بالاهواز، فمرت به إمرأة من آل الزبير تزف إلي إسماعيل إبن عبدالله بن العباس؟ وسمع الجلبة فسأل عنها فاخبر بها، فقال:


أتتنا تزف علي بغلة
وفوق رحالتها قبه


زبيرية من بنات الذي
أحل الحرام من الکعبه[2] .


تزف إلي ملک ماجد
فلا اجتمعا وبها الوجبه


فدخلت في طريقها إلي خربة للخلاء فنهشتها أفعي فماتت فکان السيد يقول: لحقتها دعوتي.

3- عن عبدالله بن الحسين بن عبدالله بن إسماعيل بن جعفر قال: خرج أهل البصرة يستسقون وخرج فيهم السيد وعليه ثياب خز وجبة ومطرف وعمامة فجعل يجر مطرفه ويقول:


إهبط إلي الارض فخذ جلمدا
ثم ارمهم يا مزن بالجلمد


لا تسقهم من سبل قطرة
فإنهم حرب بني أحمد


4- حدثني أبوسليمان الناجي قال: جلس المهدي يوما يعطي قريشا صلات لهم وهو ولي عهد، فبدأ ببني هاشم بسائر قريش فجاء السيد فرفع إلي الربيع- حاجب المنصور- رقعة محتومة وقال: إن فيها نصيحة للامير فأوصلها إليه. فأوصلها، فإذا فيها:


قل لابن عباس سمي محمد
لا تعطين بني عدي درهما


أحرم بني تيم بن مرة انهم
شر البرية آخرا ومقدما

[صفحه 255]

إن تعطهم لا يشکروا لک نعمة
ويکافئوک بأن تذم وتشتما


وإن إئتمنتهم أو استعملتهم
خانوک واتخذوا خراجک مغنما


ولئن منعتهم لقد بدءوکم
بالمنع إذ ملکوا وکانوا أظلما


منعوا تراث محمد أعمامه
وابنيه وابنته عديلة مريما


وتأمروا من غير أن يستخلفوا
وکفي بما فعلوا هنالک مأثما


لم يشکروا لمحمد انعامه
أفيشکرون لغيره إن أنعما؟!


الله من عليهم بمحمد
وهداهم وکسا الجنوب وأطعما


ثم انبروا لوصيه ووليه
بالمنکرات فجرعوه العلقما


قال: فرمي بها إلي أبي عبيد الله معاوية بن يسار الکاتب للمهدي ثم قال: إقطع العطاء. فقطعه، وانصرف الناس، ودخل السيد إليه، فلما رآه ضحک وقال: قد قبلنا نصيحتک يا إسماعيل؟ ولم يعطهم شيئا.

5- عن سويد بن حمدان بن الحصين قال: کان السيد يختلف إلينا ويغشانا، فقام من عندنا ذات يوم فخلفه رجل وقال: لکم شرف وقدر عند السلطان فلا تجالسوا هذا فإنه مشهور بشرب الخمر وشتم السلف. فبلغ ذلک السيد فکتب إليه:


وصفت لک الحوض يابن الحصين
علي صفة الحارث الاعور[3] .


فإن تسق منه غدا شربة
تفز من نصيبک بالاوفر


فمالي ذنب سوي أنني
ذکرت الذي فر عن خيبر


ذکرت امرأ فر عن مرحب
فرار الحمار من القسور


فأنکر ذاک جليس لکم
زنيم أخو خلق أعور


لحاني بحب إمام الهدي
وفاروق امتنا الاکبر


سأحلق لحيته إنها
شهود علي الزور والمنکر


قال: فهجر والله مشايخنا جميعا ذلک ولزموا محبة السيد ومجالسته. الاغاني 7 ص 250 -254.

[صفحه 256]

6- عن معاذ بن سعد الحميري قال: شهد السيد إسماعيل بن محمد الحميري رحمه الله عند سوار القاضي بشهادة، فقال له: ألست إسماعيل بن محمد الذي يعرف بالسيد؟ فقال: نعم. فقال له: کيف أقدمت علي الشهادة عندي وأنا أعرف عداوتک للسلف؟ فقال السيد: قد أعاذني الله من عداوة أولياء الله وإنما هو شيئ لزمني. ثم نهض فقال له:

قم يا رافضي؟ فوالله ما شهدت بحق. فخرج السيد رحمه الله وهو يقول:


أبوک ابن سارق عنز النبي
وأنت ابن بنت أبي جحدر


ونحن علي رغمک الرافضو
ن لاهل الضلالة والمنکر


ثم عمل شعرا وکتبه في رقعة وأمر من ألقاها في الرقاع بين يدي سوار. قال: فأخذ الرقعة سوار فلما وقف عليها وخرج إلي أبي جعفر المنصور وکان قد نزل الجسر الاکبر ليستعدي علي السيد فسبقه السيد إلي المنصور فأنشأ قصيدته التي يقول فيها:[4] .


يا أمين الله يا من
صور يا خير الولاة


إن سوار بن عبد الله
من شر القضاة


نعثلي[5] جملي
لکم غير مواتي


جده سارق عنز
فجرة من فجرات


لرسول الله والقا
ذفة بالمنکرات[6] .


والذي کان ينادي
من وراء الحجرات[7] .


يا هناة اخرج إلينا
إننا أهل هنات


فاکفنيه لا کفاه الله
شر الطارقات


سن فينا سننا کانت
مواريث الطغاة

[صفحه 257]

فهجوناه ومن يهجو
يصب بالفاقرات[8] .


قال: فضحک أبوجعفر المنصور وقال: نصبتک قاضيا فامدحه کما هجوته فأنشد رحمه الله يقول:


إني امرؤ من حمير اسرتي
بحيث تحوي سروها حمير


آليت لا أمدح ذا نائل
له سناء وله مفخر


إلا من الغر بني هاشم
إن لهم عندي يدا تشکر


إن لهم عندي يدا شکرها
حق وإن أنکرها منکر


يا أحمد الخير الذي إنما
کان علينا رحمة تنشر


حمزة والطيار في جنة
فحيث ما شاء دعا جعفر


منهم وهادينا الذي نحن من
بعد عمانا فيه نستبصر


لما دجا الدين ورق الهدي
وجار أهل الارض واستکبروا


ذاک علي بن أبي طالب
ذاک الذي دانت له خيبر


دانت وما دانت له عنوة
حتي تدهدا عرشه الاکبر


ويوم سلع إذ أتي عاتبا
عمرو بن عبد مصلتا يخطر


يخطر بالسيف مدلا کما
يخطر فحل الصرمة الدوسر[9] .


إذ جلل السيف علي رأسه
أبيض عضبا حده مبتر


فخر کالجذع وأوداجه
ينصب منها حلب أحمر


وکان ايضا مما جري له مع سوار ما حدث به الحرث بن عبيدالله الربيعي، قال: کنت جالسا في مجلس المنصور وهو بالجسر الاکبر وسوار عنده والسيد ينشده:


إن الاله الذي لا شيئ يشبهه
آتاکم الملک للدنيا وللدين


آتاکم الله ملکا لا زوال له
حتي يقاد إليکم صاحب الصين


وصاحب الهند مأخوذ برمته
وصاحب الترک محبوس علي هون


حتي أتي القصيدة والمنصور يضحک فقال سوار: هذا والله يا أميرالمؤمنين؟ يعطيک

[صفحه 258]

بلسانه ما ليس في قلبه، والله ان القوم الذين يدين بحبهم لغيرک، وإنه لينطوي في عداوتکم.فقال السيد: والله انه لکاذب وإنني في مديحکم لصادق، ولکنه حمله الحسد إذ رآک علي هذه الحال، وإن انقطاعي ومودتي لکم أهل البيت لعرق لي فيها عن أبوي، وإن هذا وقومه لاعداؤکم في الجاهلية والاسلام، وقد أنزل الله عز وجل علي نبيه عليه وآله السلام في أهل بيت هذا[10] إن الذين ينادونک من وراء الحجرات أکثرهم لا يعقلون. سورة الحجرات 4 فقال المنصور: صدقت. فقال سوار: يا أميرالمؤمنين إنه يقول بالرجعة، ويتناول الشيخين بالسب والوقيعة فيهما. فقال السيد: أما قوله: باني أقول بالرجعة فإن قولي في ذلک علي ما قال الله تعالي: و يوم نحشر من کل امة فوجا ممن يکذب بآياتنا فهم يوزعون سورة النمل 83 و قد قال في موضع آخر: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا سورة الکهف 47 فعلمت أن ها هنا حشرين أحدهما عام والآخر خاص. وقال سبحانه: ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلي خروج من سبيل سورة غافر 11 وقال الله تعالي: فأماته الله مائة عام ثم بعثه سورة البقرة 259 وقال الله تعالي: ألم تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم سورة البقرة 243 فهذا کتاب الله عزوجل وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يحشر المتکبرون في صور الذر يوم القيامة[11] وقال صلي الله عليه وآله: لم يجر في بني إسرائيل شئ إلا ويکون في امتي مثله حتي المسخ والخسف و والقذف[12] وقال حذيفة: والله ما أبعد أن يمسخ الله کثيرا من هذه الامة قردة و خنازير[13] فالرجعة التي نذهب إليها ما نطق به القرآن وجاءت به السنة. وإنني لاعتقد أن الله تعالي يرد هذا- يعني سوارا- إلي الدنيا کلبا أو قردا أو خنزيرا أو ذرة فإنه والله متجبر متکبر کافر. قال: فضحک المنصور وأنشد السيد يقول:

[صفحه 259]

جاثيث سوارا أبا شملة
عند الامام الحاکم العادل


فقال قولا خطأ کله
عند الوري الحافي والنائل


ما ذب عما قلت من وصمة
في أهله بل لج في الباطل


وبان للمنصور صدقي کما
قد بان کذب الانوک الجاهل


يبغض ذاالعرش ومن يصطفي
من رسله بالنير الفاضل


ويشنأ الحبر الجواد الذي
فضل بالفضل علي الفاضل


ويعتدي بالحکم في معشر
أدوا حقوق الرسل للراسل


فبين الله تزاويقه
فصار مثل الهائم الهائل


قال: فقال المنصور: کف عنه. فقال السيد: يا أميرالمؤمنين إلبادي أظلم يکف عني حتي أکف عنه. فقال المنصور لسوار: تکلم بکلام فيه نصفة، کف عنه حتي لا يهجوک. ألفضول المختارة 1 ص 61 -64.

وروي أبوالفرج للسيد مما أنشده المنصور في سوار القاضي قوله:


قل للامام الذي ينجي بطاعته
يوم القيامة من بحبوحة النار


لا تستعينن جزاک الله صالحه
يا خير من دب في حکم بسوار


لا تستعن بخبيث الرأي ذي صلف
جم العيوب عظيم الکبر جبار


تضحي الخصوم لديه من تجبره
لا يرفعون إليه لحظ أبصار


تيها وکبرا ولولا ما رفعت له
من ضبعه کان عين الجائع العاري


فدخل سوار، فلما رآه المنصور تبسم وقال: أما بلغک خبر أياس[14] بن معاوية حيث قبل شهادة الفرزدق واستزاد في الشهود، فما أحوجک للتعريض للسيد ولسانه ثم أمر السيد بمصالحته وأمره بأن يصير إليه معتذرا ففعل فلم يعذره، فقال:

أتيت دعي بني العنبر
أروم اعتذارا فلم أعذر


فقلت لنفسي وعاتبتها
علي اللؤم في فعلها: أقصري


أيعتذر الحر مما أتي
إلي رجل من بني العنبر؟!

[صفحه 260]

أبوک ابن سارق عنز النبي
وامک بنت أبي جحدر


ونحن علي رغمک الرافضون
لاهل الضلالة والمنکر


قال: وبلغ السيد أن سوار قد أعد جماعة يشهدون عليه بسرقة ليقطعه، فشکاه إلي أبي جعفر، فدعا بسوار وقال له: قد عزلتک عن الحکم للسيد أوعليه، فما تعرض له بسوء حتي مات.

7- عن إسماعيل بن الساحر قال: تلاحي رجلان من بني عبدالله بن دارم في المفاضلة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله فرضيا بحکم أول من يطلع فطلع السيد، فقاما إليه وهما لا يعرفانه، فقال له مفضل علي بن ابي طالب عليه السلام منهما: إني وهذا اختلفنا في خير الناس بعد رسول الله صلي الله عليه وآله فقلت: علي بن أبي طالب. فقطع السيد کلامه ثم قال: وأي شيئ قال هذا الآخر إبن الزانية؟! فضحک من حضر ووجم الرجل ولم يحر جوابا. ألاغاني ج 7 ص 241، وطبقات الشعراء لابن المعتز ص 7 عن محمد بن عبدالله السدوسي عن السيد نفسه.

8- في کتاب الحيوان للجاحظ ج 1 ص 91 شبه السيد إبن محمد الحميري عائشة رضي الله عنها في نصبها الحرب يوم الجمل لقتال بنيهابالهرة حين تأکل أولادها فقال:


جاءت مع الاشقين في هودج
تزجي إلي البصرة أجنادها


کأنها في فعلها هرة
تريد أن تأکل أولادها



صفحه 254، 255، 256، 257، 258، 259، 260.





  1. الظاهر: باهلني.
  2. يعني عبدالله بن الزبير وقد تحصن بالبيت الحرام وقاتل به.
  3. هو الحارث الاعور الهمداني المتوفي سنة 65 من مقدمي أصحاب أميرالمؤمنين يأتي ذکره في ترجمة والد شيخنا البهائي في شعراء القرن العاشر.
  4. أولها: قم بنا يا صاح واربع في المغاني الموحشات.
  5. قال الاستاذ العدوي في تعلقيه علي الاغاني 7 ص 261: نعثل في الاصل: اسم رجل يهودي من أهل المدينة، وقيل: نعثل: رجل لحياني طويل اللحية من أهل مصر. کان يشبه به عثمان رضي الله عنه اذا نيل منه.
  6. آخذنا هذا البيت من الاغاني 7 ص 261، والطبقات لابن المعتز ص 8.
  7. اشارة إلي نزول آية الحجرات في بني العنبر اجداد القاضي سوار.
  8. ألفاقرة: ألداهية الشديدة. هذا البيت أخذناه من طبقات ابن المعتز ص 7.
  9. ألصرمة بالکسر: ألقطيعة من الابل. ألدوسر: الضخم الشديد.
  10. راجع تفسير الخازن 4 ص 174.
  11. أخرجه الترمذي والنسائي والمنذري في الترغيب والترهيب 3 ص 225، وابن الدبيع في تيسير الوصول 4 ص 151.
  12. راجع سنن ابن ماجة 2 ص 503.
  13. راجع سنن ابن ماجة 2 ص 489، والترغيب والترهيب 3 ص 107.
  14. هو أياس بن معاوية بن قرة المزني البصري ولاه عمر بن عبدالعزيز قضاء البصرة توفي سنة 122، وحديث قبوله شهادة الفرزدق يوجد في الاغاني 11 ص 50 طبع 19 ص 50 طبع بولاق.