ما ورد عن أبي عبداللَّه الصادق علي أنّه أقضي الاُمّة











ما ورد عن أبي عبداللَّه الصادق علي أنّه أقضي الاُمّة



روي الشيخ الطوسي و الکليني بإسنادهما عن سعيد بن أبي الخضيب البجلي، قال: کنت مع ابن أبي ليلي مزامله حتّي جئنا إلي المدينة، فبينا نحن في مسجد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إذ دخل جعفر بن محمّد عليه السلام فقلت لابن أبي ليلي: تقوم بنا إليه؟ فقال: وما نصنع عنده؟ فقلت: نسائله ونحدّثه. فقال: قم، فقمنا إليه، فسألني عن نفسي وأهلي، ثمّ قال: مَن هذا معک؟ فقلت: ابن أبي ليلي قاضي المسلمين؟»، فقال: أنت ابن ابي ليلي قاض المسلمين؟ فقال: نعم. فقال: «تأخذ مال هذا فتعطيه هذا، وتقتل وتفرق بين المرء وزوجه، لا تخاف في ذلک أحداً؟». قال: نعم، قال: «فبأيّ شي ء تقضي؟». قال: بما بلغني عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وعن عليّ، وعن أبي بکر وعمر.

قال: «فبلغک عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أنّه قال: إنّ عليّاً عليه السلام أقضاکم؟»، قال: نعم. قال: «فکيف تقضي بغير قضاء عليّ عليه السلام وقد بلغک هذا، فما تقول: إذا جي ء بأرض من فضّة وسماوات من فضّة، ثمّ أخذ رسول اللَّه بيدک فأوقفک بين يدي ربّک، وقال: يا ربّ، إنّ هذا قضي بغير ما قضيت؟»، قال: فاصفرّ وجه ابن أبي ليلي حتّي عاد مثل الزعفران، ثمّ قال لي: التمس لنفسک زميلاً، واللَّه لا اُکلّمک من رأسي کلمة أبداً.[1] .

وحدث مثل هذه القضيّة عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام خطاباً لعقبة بن خالد، قال: لو رأيت غيلان بن جامع قاضي ابن صبره و استأذن عليَّ فأذنت له - و قد بلغني أنّه کان يدخل الي بني هاشم - فلما جلس... قال عليه السلام له: يا غيلان ألستم تزعمون يا أهل العراق و تروون أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: «عليّ أقضاکم»؟ فقال: نعم، قال: قلت: و کيف تقضي من قضاء عليّ عليه السلام زعمت بالشي ء و رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: «عليٌّ أقضاکم» قال: و قلت کيف تقضي يا غيلان؟ قال اکتب هذا ما قضي به فلان بن فلان...».[2] .

تحقيق وتوضيح لهذا الحديث: قال العلّامة المحمودي (في تحقيقه لتاريخ دمشق) في توضيح الحديث: أنّ عليّاً عليه السلام هو أقضي الاُمّة جميعاً، وإنّما قال ابن مسعود: أقضي أهل المدينة؛ لأنّهم الآخذون عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله العالمون بما جاء من عند اللَّه، وأمّا غير أهل المدينة فلم يکن عندهم من علم الشريعة ما يصحّ أن يطلق عليهم العالم، فإذا کان عليّ عليه السلام أقضي أهل المدينة فهو أقضي الاُمّة جميعاً، وهذا بلغ من التجلّي الإسفار حدّاً لا يمکن لمن له أدني حظّ من العلم والإدراک إنکاره حتّي أنّ مکفّر فراعنة بني اُميّة قد اضطرّ إلي الاعتراف به، والتصديق له کما رواه لنا ابن عساکر في ترجمة يزيد بن أبي مسلم الثقفي کاتب الحجّاج من تاريخ دمشق (80:63)، قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر بسنده عن محمّد بن سليمان، قال: حدّثنا رقبة، قال: خرج يزيد بن أبي مسلم من عند الحجّاج، فقال: لقد قضي الأمير بقضيّة، فقال له الشعبي: وما هي؟ فقال: قال: ما کان للرجال فهو للرجل، وما کان للنساء فهو للمرأة.

فقال الشعبي: قضي (به قبله) رجل من أهل بدر، قال: ومَن هو؟ قال: لا اُخبرک، قال: مَن هو علي عهد اللَّه وميثاقه أن لا اُخبره، قال: هو عليّ بن أبي طالب. قال: فدخل علي الحجّاج فأخبره، فقال الحجّاج: صدق! ويحک إنّا لم ننقم علي عليّ قضاه، قد علمنا أنّ عليّاً کان أقضاهم!

ثمّ قال المحمودي: هذا قول الحجّاج مع إغرائه بدماء المعترفين بفضل أمير المؤمنين عليه السلام المقرّين له بخصيصة، ولأجله قد خفيت مناقبه عليه السلام، وما تجاسر أحد علي ذکر فضيلة له عليه السلام إلّا في الخبايا والزوايا الخالية عن رقباء بني اُميّة أو الراغبين إليهم، ومع ذلک قد أتمّ اللَّه حجّته، وأبرز من مناقبه ما يقنع به کلّ بصير، ويطمئنّ إليه، ويخضع له کلّ ذي شعور، وقد لاحظت قريباً أنّه عليه السلام کان أعلم أهل المدينة، وأفضل أهل المدينة.

ومن أجل هذه النصوص والشواهد الخارجيّة غير المحصورة اعترف الشافعي - مع کونه مستأجراً لبني العبّاس وهم أعداء لبني طالب ومُحبّهم - وقال: لا جرم کان عليّ أقضاهم وأعلمهم وأفضلهم...[3] .







  1. التهذيب 220:6، والکافي 408:7.
  2. الکافي 429:7.
  3. هامش تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 37:3، بتحقيق العلّامة المحمودي.