مجريات التحكيم











مجريات التحکيم



علي أثر البلبلة التي أثارتها في صفوف جيش الإمام (ع) عملية رفع المصاحف الخمسمائة من قبل الجيش الأموي، و ما نجم عنها من تصدع شديد في الجبهة العراقية التي يقودها الإمام علي (ع)، و بروز القوي المتسترة بالاستقامة في جيش الإمام (ع) و ضغطها باتجاه فرض القبول بالأمر الواقع علي الإمام (ع)، اضطر أمير المؤمنين (ع) للاستجابة لأمر التحکيم بين الجبهتين.

فاختار أهل الشام عمرو بن العاص، و فيه ما فيه من مزايا الذکاء و المکر و الخديعة و حب الدنيا و هو (ليس من الله في شي ء) علي حد تعبير الإمام علي (ع).

أما الجبهة العراقية، فقد اختارت أبا موسي الأشعري بتأثير الأغبياء و أصحاب المصالح من جيش الإمام علي (ع) و کان أبو موسي رجلا کليل الحد قليل الذکاء فضلا عن کونه ممن اعتزل عليا (ع) في حربه لأعدائه[1] .

و تشير بعض الروايات إلي أن التمزق في جيش الإمام (ع) بلغ ذروته حتي هدده بعض المتنفذين من جنده أن يفعلوا به ما فعلوا بعثمان أو يدفعوه إلي معاوية[2] .

و عند اجتماع الحکمين في دومة الجندل تحاور ابن العاص و أبو موسي الأشعري في عدد من المسائل تتجه جميعا باتجاه الأنسب بولاية أمر المسلمين!! و قد ذکر ابن العاص مزايا لمعاوية بن أبي سفيان و نوه لأبي موسي إن اختار معاوية لولاية أمر الناس سيکافأ مکافأة لا نظير لها، غير أن أبا موسي فهم القصد من إيراد ابن العاص لموضوع المکافأة فرفض أبو موسي ذلک و أعلن انه لا يرتشي في دين الله و حکمه، فلما يئس ابن العاص من إقناع الأشعري بتلک الفکرة استغفله بخطوة جديدة حيث عرض عليه فکرة خلع الإمام علي (ع) و معاوية بن أبي سفيان معا، فلما استحسن أبو موسي تلک الفکرة عرض عليه ابن العاص أن يبدأ بخلع صاحبه و انه لا يستحسن أن يتقدم علي صاحب رسول الله (ص) في ذلک.

فتقدم أبو موسي و خلع عليا (ع) من ولاية أمر المسلمين کما خلع معاوية معه، اما ابن العاص، فقد أعلن موافقته علي خلع علي (ع) و تثبيت صاحبه معاوية.

و هکذا غدر عمرو بن العاص بالأشعري، فما کان من الأشعري إلا أن قنعه بالسوط لما رأي من سوء فعله و غدره.

و هکذا استغفل أبو موسي الأشعري رغم تحذير عبد الله بن عباس له من غدر ابن العاص.

و بعد أن عاد الوفدان، سلم ابن العاص علي معاوية بالخلافة و لم يسلم عليه بمثلها قبل ذلک و کان ذلک عام (37 ه).

أما أمير المؤمنين (ع) فقد رأي أن خديعة ابن العاص، و غفلة أبي موسي الأشعري، قد سببتا انتهاء التحکيم بطريقة غير صحيحة و لا سليمة، حيث کان الخداع و عدم الجدية واضحا من ابن العاصـکما رأيناـلذا فقد دعا الإمام علي (ع) إلي استئناف الحرب مجددا و أصدر بيانا إلي الامة جاء فيه:

«أيها الناس قد کنت أمرتکم بأمر في هذه الحکومة فخالفتموني و عصيتموني و لعمري إن المعصية تورث الندم فکنت أنا و أنتم کما قال أخو هوازن:

أمرتکم أمري بمنعرج اللوي*فلم تستبينوا الرشد إلا ضحي الغدألا إن هذين الحکمين قد نبذا کتاب الله وراء ظهورهما فأماتا ما أحيا القرآن و أحييا ما أمات، و اتبع کل واحد منهما هواه بغير هدي من الله فحکما بغير بينة و لا سنة ماضية و کلاهما لم يرشدا فبرئا من الله و رسوله و صالح المؤمنين فاستعدوا للجهاد و تأهبوا للمسير و أصبحوا في مواقفکم»[3] .

إلا أن الإمام (ع) رغم اصراره علي الحرب، فقد رأي من الضروري ان يطوق فتنة الخوارج أولا.









  1. سبط ابن الجوزي/تذکرة الخواص/ص 96، محسن الأمين/أعيان الشيعة/ج 3/ص 199.
  2. سبط ابن الجوزي/تذکرة الخواص/ص 95.
  3. سبط ابن الجوزي/تذکرة الخواص/ص 103.