مظلوميته بجهالة الناس و حمقهم و عنادهم
إن معاوية لما عزم علي مخالفة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام أراد اختبار أهل الشام فأشار إليه ابن العاص أن يأمرهم بذبح القرع و تذکيته فإن أطاعوه فهو صاحبهم، و الا فلا، و أمرهم بذلک فأطاعوه و صارت بدعة اموية[2] . إن أميرالمؤمنين عليه السلام سئل عن القرح يذبح؟ فقال عليه السلام: القرع ليس يذکي فکلوه، و لا تذبحوه و لا يستهوينکم الشيطان[3] عن ابن إسحاق الأرجائي، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري لم امرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامة؟ فقلت: لا أدري، فقال: إن علياـ صلوات الله عليه ـ لم يکن يدين الله بشي ء إلا خالف عليه العامة إرادة لإبطال أمره، و کانوا يسألونه ـ صلوات الله عليه ـ عن الشي ء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم بشي ء جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا علي الناس[4] . و حکي عن أبي حنيفة من قوله: خالفت جعفرا في کل ما يقول إلا لا أدري أنه يغمض عينيه في الرکوع و السجود أو يفتحهما[5] . و لذلک صارت مخالفة العامة من مرجحات الروايات، و لذلک قال الشيخ رحمه الله: و الثاني من المرجحات کون الرشد في خلافهم، کما صرح به في غير واحد من الأخبار المتقدمة، و رواية علي بن أسباط قال: قلت للرضا عليه السلام: يحدث الأمر لا أجد بدا من معرفته، و ليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليک. فقال عليه السلام: ائت فقيه البلد و استفته في أمرک، فإذا أفتاک بشي ء فخذ بخلافه، فإن الحق فيه. و في مرسلة داود بن حصين )عن الصادق عليه السلام(: إن من وافقنا خالف عدونا، و من وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا، و لا نحن منه. و رواية الحسين بن خالد: شيعتنا المسلمون لأمرنا، الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمن لم يکن کذلک فليس منا، فيکون حالهم حال اليهود الوارد فيهم قوله صلي الله عليه و آله و سلم: خالفوهم ما استطعتم[6] . انظر جار الله! محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي کيف جار علي الإمام عليه السلام و حاد عن الطريق المستقيم حيث قال في تفسير کشافه في ذيل فإذا فرغت فانصب و إلي ربک فارغب[7] : و من البدع ما روي عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب ـ بکسر الصاد ـ أي فانصب عليا للامامة، و لو صح هذا للرافضي لصح للناصبي أن يقرأ هکذا و يجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض علي و عداوته[8] . و قال العلامة الفيض )ره( جوابا عنه: أقول: نصب الإمام و الخليفة بعد تبليغ الرسالة أو الفراغ من العبادة أمر معقول، بل واجب، لئلا يکون الناس بعده في حيرة و ضلال، فيصح أن يترتب عليه، و أما بغض علي عليه السلام و عداوته فما وجه لترتبه علي تبليغ الرسالة، أو العبادة، فما وجه معقوليته؟ علي أن کتب العامة مشحونة بذکر محبة النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام و إظهار فضله للناس مدة حياته، و إن حبه إيمان و بغضه کفر. انظروا إلي هذا الملقب بجار الله العلامة کيف أعمي الله بصيرته بغشاوة حمية التعصب في مثل هذا المقام بمثل هذا المنکر و الزور، بلي إنها لا تعمي الأبصار و لکن تعمي القلوب التي في الصدور[9] . أقول: أيها المتعصب المعاند! دع المکارم لا ترحل لبغيتها يعجبني هنا نقل ما قاله العلامة المعتزلي في مبغضي أهل البيت عليهم السلام و ناصبيهم في «شرح النهج» في ذيل کلام علي عليه السلام[10] . «ليسلطن عليکم غلام ثقيف الذيال الميال، يأکل خضرتکم، و يذيب شحمتکم، إيه أبا وذحة[11] . قال: إن المفسرين بعد الرضي رحمه الله قالوا في قصة هذه الخنفساء وجوها... ومنها: أن الحجاج کان مثفارا،[12] و کان يمسک الخنفساء حية ليشفي بحرکتها في الموضع حکاکه. قالوا: و لا يکون صاحب هذا الداء إلا شائنا مبغضا لأهل البيت عليهما السلام. قالوا: و لسنا نقول: کل مبغض فيه هذا الداء و انما قلنا کل من فيه هذا الداء فهو مبغض. قالوا: و قد روي أبو عمر الزاهدـ و لم يکن من رجال الشيعةـ في أماليه و أحاديثه عن السياري عن أبي خزيمة الکاتب قال: ما فتشنا أحدا فيه هذا الداء إلا وجدناه ناصبيا. قال أبو عمر: و أخبرني العطافي عن رجاله، قالوا: سئل جعفر بن محمد عليه السلام عن هذا الصنف من الناس، فقال: رحم منکوسة يؤتي و لا يأتي، و ما کانت هذه الخصلة في ولي الله تعالي قط، و لا تکون أبدا، و إنما تکون في الکفار و الفساق و الناصب للطاهرين. و کان أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي من القوم و کان أشد الناس عداوة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قالوا: و لذلک قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر: يا مصفر إسته[13] .
قال ابن أبي الحديد: و أعجب و أطرف ما جاء به الدهر و إن کانت عجائبه و بدائعه جمة أن يفضي الأمر لعلي عليه السلام إلي أن يصير معاوية ندا له و نظيرا مماثلا يتعارضان الکتاب و الجواب[1] .
فاقعد فإنک أنت الطاعم الکاسي