التاكيد علي الدعوة إلي البراز











التاکيد علي الدعوة إلي البراز



2538- شرح نهج البلاغة عن المدائني: کتب إليه[معاوية] عليٌ عليه السلام: أمّا بعد، فإنّ مساوئک مع علم اللَّه تعالي فيک حالت بينک وبين أن يصلح لک أمرک، وأن يرعوي قلبک، يابن الصخر اللعين! زعمت أن يَزِن الجبالَ حلمُک، ويفصلَ بين أهل الشکّ علمُک، وأنت الجلف المنافق، الأغلف القلب، القليل العقل، الجبان الرذل، فان کنتَ صادقاً فيما تسطر ويعينک عليه أخو بني سهم، فدَع الناس جانباً وتيسّر لما دعوتني إليه من الحرب والصبر علي الضرب، واعفُ الفريقين من القتال؛ ليُعلم أيّنا المرين علي قلبه، المغطّي علي بصره، فأنا أبوالحسن قاتل جدّک وأخيک وخالک، وما أنت منهم ببعيد. والسلام.[1] .

2539- الإمام عليّ عليه السلام- من کتاب له عليه السلام إلي معاوية-: وکيف أنت صانع إذا تکشّفت عنک جلابيبَ ما أنت فيه من دنيا قد تبهجتَ بزينتها، وخُدعتَ، بلذّتها، دعتکَ فأجبتَها، وقادتکَ فاتّبعتَها، وأمرتکَ فأطعتَها. وإنّه يوشک أن يقِفک واقف علي ما لا يُنجيک منه مجن، فاقعس عن هذا الأمر، وخذ اُهبة الحساب، وشمّر لما قد نزل بک، ولا تُمکن الغواة من سمعک، وإلّا تفعل اُعلمک ما أغفلتَ من نفسک؛ فإنّک مترف قد أخذ الشيطان منک مأخذه، وبلغ فيک أمله، وجري منک مجري الروح والدم.

ومتي کنتم- يا معاوية- ساسة الرعيّة، وولاة أمر الاُمة، بغير قدم سابق، ولا شرف باسق؟! ونعوذ باللَّه من لزوم سوابق الشقاء، واُحذّرک أن تکون متمادياً في

[صفحه 157]

غرّة الاُمنية، مختلف العلانية والسريرة.

وقد دعوتَ إلي الحرب، فدَع الناسَ جانباً، واخرج إليّ واعفُ الفريقين من القتال؛ ليُعلم أيّنا المرين علي قلبه، والمغطّي علي بصره، فأنا أبوحسن قاتل جدّک وأخيک وخالک شدخاً[2] يوم بدر، وذلک السيف معي، وبذلک القلب ألقي عدوّي، ما استبدلت ديناً، ولا استحدثت نبيّاً. وإنّي لعلي المنهاج الذي ترکتموه طائعين، ودخلتُم فيه مکرَهين.

وزعمتَ أنّک جئتَ ثائراً بدم عثمان، ولقد علمتَ حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناک إن کنت طالباً، فکأنّي قد رأيتُک تضجّ من الحرب إذا عضّتک ضجيج الجمال بالأثقال، وکأنّي بجماعتک تدعوني-؛ جزعاً من الضرب المتتابع، والقضاء الواقع، ومصارع بعد مصارع- إلي کتاب اللَّه، وهي کافرة جاحدة، أو مبايعة حائدة.[3] .

2540- وقعة صفّين عن الشعبي: أرسل عليّ إلي معاوية: أن ابرز لي واعفُ الفريقين من القتال، فأيّنا قتل صاحبه کان الأمر له.

قال عمرو: لقد أنصفک الرجل.

فقال معاوية: إنّي لأکره أن اُبارز الأهوج الشجاع، لعلّک طمعت فيها يا عمرو. فلمّا لم يجُب قال عليّ: وا نفساه، أيُطاع معاوية واُعصي؟! ما قاتلت اُمّة قطّ أهل بيت نبيّها وهي مقرّة بنبيّها إلّا هذه الاُمّة.[4] .

[صفحه 158]

2541- وقعة صفّين عن عمرو بن شمر: قام عليّ بين الصفّين ثمّ نادي: يا معاوية، يکرّرها. فقال معاوية: اسألوه، ما شأنه؟ قال: اُحبّ أن يظهر لي فاُکلّمه کلمة واحدة.

فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص، فلمّا قارباه لم يلتفت إلي عمرو، وقال لمعاوية: ويحک، علامَ يقتتل الناس بيني وبينک، ويضرب بعضهم بعضاً؟! ابرز إليَّ؛ فأيّنا قتل صاحبه فالأمر له.

فالتفتَ معاوية إلي عمرو فقال: ما تري يا أباعبد اللَّه فيما ها هنا، اُبارزه؟

فقال عمرو: لقد أنصفک الرجل، واعلم أنّه إن نکلتَ عنه لم تزَل سَبّة عليک وعلي عقبک ما بقي عربيّ.

فقال معاوية: يا عمرو بن العاص، ليس مثلي يخدع عن نفسه، واللَّه ما بارز ابنُ أبي طالب رجلاً قطّ إلّا سقي الأرض من دمه! ثمّ انصرف راجعاً حتي انتهي إلي آخر الصفوف، وعمرو معه. فلمّا رأي عليّ عليه السلام ذلک ضحک، وعاد إلي موقفه.[5] .

2542- تاريخ الطبري عن أبي جعفر: قال عليّ لربيعة وهمدان: أنتم درعي ورمحي، فانتدب له نحو من اثني عشر ألفاً، وتقدّمهم عليّ علي بغلته، فحمل وحملوا معه حملة رجل واحد، فلم يبقَ لأهل الشام صفّ إلّا انتقض، وقتلوا کلّ من انتهوا إليه، حتي بلغوا معاوية، وعليّ يقول:


أضرِبُهم ولا أري معاوِيَه
الجاحِظ العَينِ العَظيم الحاوِيَه

[صفحه 159]

ثمّ نادي معاوية، فقال عليّ: علامَ يُقتل الناس بيننا! هلمّ اُحاکمک إلي اللَّه، فأيّنا قتل صاحبه استقامت له الاُمور. فقال له عمرو: أنصفک الرجل.

فقال معاوية: ما أنصف، وإنّک لتعلم أنّه لم يبارزه رجل قطّ إلّا قتله.

قال له عمرو: وما يجمل بک إلّا مبارزتَه.

فقال معاوية: طمعتَ فيها بعدي.[6] .



صفحه 157، 158، 159.





  1. شرح نهج البلاغة: 135:16؛ بحارالأنوار: 401:87:33 وراجع شرح نهج البلاغة: 82:15.
  2. الشدخ: کسرک الشي ء الأجوف کالرأس ونحوه (لسان العرب: 28:3).
  3. نهج البلاغة: الکتاب 10، بحارالأنوار: 406:101:33.
  4. وقعة صفّين: 387 وراجع تاريخ الطبري: 42:5 والکامل في التاريخ: 383:2ومروج الذهب: 396:2 والأخبار الطوال: 176 والمناقب للخوارزمي: 240:237 والبداية والنهاية: 272:7.
  5. وقعة صفّين: 274؛ شرح نهج البلاغة: 217:5، الإمامة والسياسة: 126:1 نحوه وراجع أنساب الأشراف: 85:3 والعقد الفريد: 334:3 وجواهر المطالب: 38:2.
  6. تاريخ الطبري: 41:5، مروج الذهب: 396:2 نحوه، البداية والنهاية: 272:7.