جواب الإمام لكتاب معاوية











جواب الإمام لکتاب معاوية



2537- کنز الفوائد: من عبد اللَّه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب إلي معاوية بن

[صفحه 154]

أبي سفيان.

أمّا بعد، فقد أتانا کتابک بتنويق المقال، وضرب الأمثال، وانتحال الأعمال، تصف الحکمةَ ولستَ من أهلها، وتذکر التقوي وأنتَ علي ضدّها، قد اتّبعتَ هواکَ فحادَ بک عن الحجّة،[1] وألحج[2] بک عن سواء السبيل.

فأنت تسحب أذيال لذّات الفتن، وتحيط[3] في زهرة الدنيا، کأنّک لستَ توقن بأوبة البعث، ولا برجعة المنقلب، قد عقدتَ التاج، ولبستَ الخزّ، وافترشتَ الديباج، سُنّة هرقليّة، وملکاً فارسيّاً، ثمّ لم يقنعک ذلک حتي يبلغني أنّک تعقد الأمر من بعدک لغيرک، فيملک[4] دونک فتحاسب دونه. ولعمري لئن فعلتَ ذلک فما ورثتَ الضلالة عن کلالة، وإنّک لابن من کان يبغي علي أهل الدين، ويحسد المسلمين.

وذکرتَ رحماً عطفتکَ عَلَيّ، فاُقسم باللَّه الأعزّ الأجلّ أن لو نازعک هذا الأمر في حياتک من أنتَ تمهد له بعد وفاتک لقطعتَ حبلَه، وأبنتَ أسبابه.

وأمّا تهديدک لي بالمشارب الوبيئة[5] والموارد المهلکة، فأنا عبد اللَّه عليّ بن أبي طالب، أبرز إليّ صفحتک، کلّا وربّ البيت ما أنت بأبي عذر عند القتال، ولا عند مناطحة الأبطال، وکأنّي بک لو شهدتَ الحرب وقد قامت علي ساق،

[صفحه 155]

وکشرت عن منظر کريه، والأرواح تُختطف اختطاف البازي زُغْب[6] القطا، لصِرتَ کالمُولَهة الحيرانة تصربها[7] العبرة بالصدمة، لاتعرف أعلا الوادي عن أسفله. فدَع عنک ما لستَ أهله؛ فإنّ وقع الحسام غير تشقيق الکلام، فکم عسکر قد شهدته، وقَرن نازلته، [ورأيت] اصطکاک قريش بين يدي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، إذ أنت وأبوک و[من] هو [أعلا منکما لي][8] تبع، وأنت اليوم تهدّدني!

فاُقسم باللَّه أن لو تُبدي الأيّام عن صفحتک لنشب فيک مخلب ليث هصور،[9] لايفوته فريسة بالمراوغة، کيف وأنّي لک بذلک وأنت قعيدة بنت البکر المخدرة؛ يُفزعها صوت الرعد، وأنا عليّ بن أبي طالب الذي لا اُهدّد بالقتال، ولا اُخوّف بالنزال، فإن شئت يا معاوية فابرز. والسلام.

فلما وصل هذا الجواب إلي معاوية بن أبي سفيان جمع جماعة من أصحابه وفيهم عمرو بن العاص فقرأه عليهم. فقال له عمرو: قد أنصفک الرجل، کم رجل أحسن في اللَّه قد قتل بينکما، ابرز إليه.

فقال له: أباعبد اللَّه أخطأت استک الحفرة، أنا أبرز إليه مع علمي أنّه ما برز إليه أحد قط إلّا وقتله! لا واللَّه، ولکنّي ساُبرزک إليه.[10] .

[صفحه 156]



صفحه 154، 155، 156.





  1. في بحارالأنوار: «المحجّة»، ولعلّه أنسب.
  2. اللَّحْج: المَيل، وألحَجَهم إليه: أمالهم (لسان العرب: 356:2).
  3. کذا في المصدر وفي بحارالأنوار: «تخبط».
  4. في المصدر: «فيهلک» والتصحيح من بحارالأنوار نقلاً عن المصدر.
  5. في المصدر: «العربيّة» والتصحيح من بحارالأنوار نقلاً عن المصدر.
  6. الزغب: الفِراخ (لسان العرب: 450:1).
  7. صَرَب بوله: إذا حقنه (الصحاح: 162:1). والمراد أنّه يصير ملازماً للعبرة ومحبوساً بها بسبب الصدمة التي يواجهها من مشاهدة الحرب.
  8. ما بين المعاقيف سقط من المصدر، وأثبتناه من بحارالأنوار نقلاً عن المصدر.
  9. أسدٌ هَصور: يکسر ويميل (لسان العرب: 264:5).
  10. کنز الفوائد: 43:2، بحارالأنوار: 415:128:33.