قتال الإمام بنفسه











قتال الإمام بنفسه



2520- وقعة صفّين عن جابر بن عمير الأنصاري- في بيان شجاعة عليّ عليه السلام في

[صفحه 142]

حرب صفّين-: لا واللَّه الذي بعث محمّداً صلي الله عليه و آله بالحقّ نبيّاً، ما سمعنا برئيس قومٍ منذ خلق اللَّه السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب؛ إنّه قتل فيما ذکر العادّون زيادةً علي خمسمائة من أعلام العرب، يخرج بسيفه منحنياً فيقول: معذرةً إلي اللَّه عزّ وجلّ وإليکم من هذا، لقد هممت أن أصقله ولکن حجزني عنه أنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول کثيراً: «لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتي إلّا عليّ» وأنا اُقاتل به دونه.

قال: فکنّا نأخذه فنقوّمه، ثمّ يتناوله من أيدينا فيتقحّم به في عرض الصفّ، فلا واللَّه ما ليث بأشدّ نکاية في عدوّه منه، رحمة اللَّه عليه رحمة واسعة.[1] .

2521- ذخائر العقبي عن ابن عبّاس- وقد سأله رجل: أکان عليّ رضي الله عنه يباشر القتال بنفسه يوم صفّين؟-: واللَّه ما رأيت رجلاً أطرح لنفسه في متلف من عليّ، ولقد رأيته يخرج حاسرَ الرأس، بيده السيف إلي الرجل الدارع فيقتله.[2] .

2522- تاريخ الطبري عن أبي عبد الرحمن السلمي: کنّا مع عليّ بصفّين، فکنّا قد وکّلنا بفرسه رجلين يحفظانه ويمنعانه من أن يحمل، فکان إذا حانت منهما غفلة يحمل، فلا يرجع حتي يخضب سيفه.

وإنّه حمل ذات يوم فلم يرجع حتي انثني سيفه، فألقاه إليهم، وقال: لولا أنّه انثني ما رجعت.[3] .

2523- تاريخ الطبري عن أبي روق الهمداني- في شدّة حرب صفّين-:...

[صفحه 143]

انتهت الهزيمة إلي عليّ، فانصرف يتمشّي نحو الميسرة، فانکشفت عنه مضر من الميسرة، وثبتت ربيعة.

قال أبومخنف: حدّثني مالک بن أعين الجهني، عن زيد بن وهب الجهني قال: مرّ عليّ معه بنوه نحو الميسرة ومعه ربيعة وحدها، وإنّي لأري النبل يمرّ بين عاتقه ومنکبه، وما من بنيه أحد إلّا يقيه بنفسه، فيکره عليّ ذلک، فيتقدّم عليه فيحول بين أهل الشام وبينه، فيأخذه بيده إذا فعل ذلک فيلقيه بين يديه أو من ورائه.

فبصر به أحمر- مولي أبي سفيان، أو عثمان، أو بعض بني اُميّة- فقال عليّ وربّ الکعبة! قتلني اللَّه إن لم أقتلک أو تقتلني، فأقبل نحوه، فخرج إليه کيسان مولي عليّ، فاختلفا ضربتين، فقتله مولي بني اُميّة، وينتهزه عليّ، فيقع بيده في جيب درعه، فيجبذه،[4] ثمّ حمله علي عاتقه، فکأنّي أنظر إلي رجيلتيه، تختلفان علي عنق عليّ، ثمّ ضرب به الأرض فکسر منکبه وعضديه، وشدّ ابنا عليّ عليه حسين ومحمّد، فضرباه بأسيافهما حتي برد، فکأنّي أنظر إلي عليّ قائماً، وإلي شبليه يضربان الرجل....

ثمّ إنّ أهل الشام دنوا منه، وواللَّه ما يزيده قربهم منه سرعة في مشيه، فقال له الحسن: ما ضرّک لو سعيت حتي تنتهي إلي هؤلاء الذين قد صبروا لعدوّک من أصحابک؟

فقال: يا بنيّ، إنّ لأبيک يوماً لن يعدوه، ولا يبطّئ به عنه[5] السعي، ولا يعجّل

[صفحه 144]

به إليه المشي، إنّ أباک واللَّه ما يبالي أوَقع علي الموت، أو وقع الموت عليه![6] .

2524- الأخبار الطوال: کان فارس معاوية الذي يبتهي[7] به حريث مولاه، وکان يلبس بزّة معاوية، ويستلئم سلاحه، ويرکب فرسه، ويحمل متشبّهاً بمعاوية، فإذا حمل قال الناس: هذا معاوية. وقد کان معاوية نهاه عن عليّ، وقال: اجتنبه، وضع رمحک حيث شئت.

فخلا به عمرو، وقال: ما يمنعک من مبارزة عليّ، وأنت له کف ء؟

قال: نهاني مولاي عنه.

قال: وإنّي واللَّه لأرجو إن بارزته أن تقتله، فتذهب بشرف ذلک.

فلم يَزل يزيّن له ذلک حتي وقع في قلب حريث. فلمّا أصبحوا خرج حريث حتي قام بين الصفّين، وقال: يا أباالحسن، ابرز إليَّ! أنا حريث. فخرج إليه عليّ عليه السلام، فضربه، فقتله.[8] .

2525- وقعة صفّين عن صعصعة بن صوحان: إنّ عليّ بن أبي طالب صافّ أهل الشام، حتي برز رجل من حمير من آل ذي يزن، اسمه: کريب بن الصباح، ليس في أهل الشام يومئذٍ رجل أشهر شدّة بالبأس منه، ثمّ نادي: من يبارز؟ فبرز إليه المرتفع بن الوضاح الزبيدي، فقتل المرتفع.

ثمّ نادي: من يبارز؟ فبرز إليه الحارث بن الجلاح، فقتل.

[صفحه 145]

ثمّ نادي: من يبارز؟ فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمداني، فقتل عائذاً.

ثمّ رمي بأجسادهم بعضها فوق بعض، ثمّ قام عليها بغياً واعتداءً. ثمّ نادي: هل بقي من مبارز؟

فبرز إليه عليّ ثمّ ناداه: ويحک يا کريب! إنّي اُحذّرک اللَّه وبأسه ونقمته، وأدعوک إلي سنّة اللَّه وسنّة رسوله، ويحک! لا يدخلنّک ابن آکلة الأکباد النار.

فکان جوابه أن قال: ما أکثر ما قد سمعنا هذه المقالة منک، فلا حاجة لنا فيها. أقدم إذا شئت، من يشتري سيفي وهذا أثره؟

فقال عليّ عليه السلام: لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، ثمّ مشي إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خرّ منها قتيلاً يتشحّط في دمه.

ثمّ نادي: من يبارز؟ فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري، فقتل الحارث.

ثمّ نادي: من يبارز؟ فبرز إليه المطاع بن المطّلب القيني، فقتل مطاعاً.

ثمّ نادي: من يبرز؟ فلم يبرز إليه أحد.

ثمّ إنّ عليّاً نادي: يا معشر المسلمين! «الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَي عَلَيْکُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَي عَلَيْکُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»،[9] ويحک يا معاوية هلمّ إليَّ فبارزني، ولا يُقتلنّ الناس فيما بيننا!

فقال عمرو: اغتنمه منتهزاً، قد قتل ثلاثة من أبطال العرب، وإنّي أطمع أن يظفرک اللَّه به.

[صفحه 146]

فقال معاوية: ويحک يا عمرو! واللَّه، إن تريد إلّا أن اُقتل فتصيب الخلافة بعدي، اذهب إليک، فليس مثلي يُخدع.[10] .

2526- وقعة صفّين عن صعصعة بن صوحان والحارث بن أدهم: برز يومئذٍ عروة بن داود الدمشقي فقال: إن کان معاوية کره مبارزتک يا أباالحسن فهلمّ إليَّ. فتقدّم إليه عليّ، فقال له أصحابه: ذر هذا الکلب فإنّه ليس لک بخطر. فقال: واللَّه، ما معاوية اليوم بأغيظ لي منه، دعوني وإيّاه، ثمّ حمل عليه فضربه فقطعه قطعتين، سقطت إحداهما يمنة، والاُخري يسرة، فارتجّ العسکران لهول الضربة.

ثمّ قال: اذهب يا عروة فأخبر قومک، أما والذي بعث محمّداً بالحقّ لقد عاينت النار وأصبحت من النادمين.

وقال ابن عمّ لعروة: وا سوء صباحاه، قبّح اللَّه البقاء بعد أبي داود....

وحمل ابن عمّ أبي داود علي عليّ فطعنه فضرب الرمح فبراه، ثمّ قنّعه ضربة فألحقه بأبي داود، ومعاوية واقف علي التلّ يبصر ويشاهد، فقال: تبّاً لهذه الرجال وقبحاً؛ أما فيهم من يقتل هذا مبارزة أو غيلة، أو في اختلاط الفيلق وثوران النقع! فقال الوليد بن عقبة: ابرز إليه أنت فإنّک أولي الناس بمبارزته.

فقال: واللَّه، لقد دعاني إلي البراز حتي استحييت من قريش، وإنّي واللَّه لا أبرز إليه، ما جُعل العسکر بين يدي الرئيس إلّا وقاية له.

فقال عتبة بن أبي سفيان: الهوا عن هذا؛ کأنّکم لم تسمعوا نداءه، فقد علمتم أنّه قتل حريثاً، وفضح عمراً، ولا أري أحداً يتحکّک[11] به إلّا قتله.

[صفحه 147]

فقال معاوية لبسر بن أرطاة: أتقوم لمبارزته؟

فقال: ما أحد أحقّ بها منک، وإذ أبيتموه فأنا له... فاستقبله بسر قريباً من التلّ وهو مقنّع في الحديد لا يعرف، فناداه: ابرز إليَّ أباحسن! فانحدر إليه علي تؤدَة غير مکترث، حتي إذا قاربه طعنه وهو دارع، فألقاه علي الأرض، ومنع الدرع السنان أن يصل إليه، فاتّقاه بسر بعورته وقصد أن يکشفها يستدفع بأسه، فانصرف عنه عليّ عليه السلام مستدبراً له، فعرفه الأشتر حين سقط، فقال: يا أميرالمؤمنين هذا بسر بن أرطاة، عدوّ اللَّه وعدوّک.

فقال: دعه عليه لعنة اللَّه، أبعد أن فعلها....

وقام بسر من طعنة عليّ مولّياً، وولّت خيله، وناداه عليّ: يا بسر، معاوية کان أحقّ بهذا منک.

فرجع بسر إلي معاوية، فقال له معاوية: ارفع طرفک قد أدال اللَّه عمراً منک.... فکان بسر بعد ذلک إذا لقي الخيل التي فيها عليّ تنحّي ناحية. وتحامي فرسان أهل الشام عليّاً.[12] .

2527- الفتوح: خرج رجل من أصحاب معاوية يقال له: المخارق بن عبد الرحمن- وکان فارساً بطلاً- حتي وقف بين الجمعين، ثمّ سأل النزال، فخرج إليه المؤمّل بن عبيد المرادي، فقتله الشامي... فلم يزل کذلک حتي قتل أربعة نفر، واحتزَّ رؤوسهم، وکشف عوراتهم. قال: فتحاماه الناس خوفاً منه.

قال: ونظر إليه عليّ رضي الله عنه وقد فعل ما فعل فخرج إليه متنکّراً، وحمل عليه

[صفحه 148]

الشامي وهو لم يعرفه، فبدره عليّ بضربة علي حبل عاتقه فرمي بشقّه، ثمّ نزل إليه فاحتزّ رأسه، وقلب وجهه إلي السماء، ولم يکشف عورته. ثمّ نادي: هل من مبارز؟

فخرج إليه آخر، فقتله عليّ رضي الله عنه، وفعل به کما فعل بالأوّل. فلم يزَل کذلک حتي قتل منهم سبعة أم ثمانية وهو يفعل بهم کما يفعل بالأوّل، ولا يکشف عوراتهم.

فأحجم الناس عنه وتحامته الأبطال من أصحاب معاوية، وردها عن معاوية عبد له يقال له: حرب، فکان فارساً لا يُصطلي بناره. فقال له معاوية: ويحک يا حرب، اخرج إلي هذا الفارس فاکفني أمره، فإنّه قد قتل من أصحابي من قد علمت!

قال: فقال حرب: جعلت فداک إنّي واللَّه أري مقام فارس بطل لو برز إليه أهل عسکرک لأفناهم عن آخرهم، فإن شئت برزت إليه وأنا أعلم أنّه قاتلي، وإن شئت فأبقني لغيره.

فقال معاوية: لا واللَّه، ما أحبّ أن تقتل، فقف مکانک حتي يخرج إليه غيرک.

قال: وجعل يناديهم ولا يخرج إليه واحد منهم، فرفع المغفر عن رأسه ثمّ قال: أنا أبوالحسن ثمّ رجع إلي عسکره.

فقال حرب لمعاوية: جعلت فداک ألم أقُل لک إنّي أعرف مقام الفارس البطل.[13] .

راجع: أشدّ الأيّام/وقعة الخميس.

القسم العاشر/الخصائص الحربيّة.

[صفحه 149]



صفحه 142، 143، 144، 145، 146، 147، 148، 149.





  1. وقعة صفّين: 477؛ شرح نهج البلاغة: 211:2 وراجع البداية والنهاية: 264:7.
  2. ذخائر العقبي: 176، حياة الحيوان الکبري: 53:1.
  3. تاريخ الطبري: 40:5، الکامل في التاريخ: 383:2، الإصابة: 8934:405:6 وفيه إلي «يخضب سيفه»، البداية والنهاية: 270:7؛ شرح الأخبار: 379:3:2.
  4. جَبَذ يَجبذ: لغة في جَذَبَ (لسان العرب: 478:3).
  5. في المصدر: «عند»، والتصحيح من وقعة صفّين.
  6. تاريخ الطبري: 18:5، الکامل في التاريخ: 373:2، شرح نهج البلاغة: 198:5 کلاهما نحوه؛ وقعة صفّين: 248 وراجع البداية والنهاية: 265:7 وکشف الغمّة: 251:1.
  7. ابتهأت بالشي ء: أنستَ به وأحببتَ قربه (تاج العروس: 232:19).
  8. الأخبار الطوال: 176، تاريخ دمشق: 335:12، الفتوح: 29:3، الفصول المهمّة: 91، المناقب للخوارزمي: 240:223؛ وقعة صفّين: 272 کلّها نحوه.
  9. البقرة: 194.
  10. وقعة صفّين: 315؛ الفتوح: 112:3، الفصول المهمّة: 88، البداية والنهاية: 264:7 کلّها نحوه وراجع جواهر المطالب: 265:1.
  11. التحکّک: التحرّش والتعرّض (لسان العرب: 414:10).
  12. وقعة صفّين: 458؛ شرح نهج البلاغة: 95:8 وراجع الفتوح: 105:3 والمناقب للخوارزمي: 240:240.
  13. الفتوح: 111:3؛ کشف الغمّة: 246:1 نحوه وفيه «المخراق» بدل «المخارق»، بحارالأنوار: 475:596:32.