قتال الأشتر ودوره الأساسي في الحرب











قتال الأشتر ودوره الأساسي في الحرب



تؤدّي الحوادث العصيبة ومشقّات الحياة وصروف الدهر دوراً مهمّاً في صقل الناس، وتبلور رفعتهم وعزّتهم.

إنّ هذا النوع من الحوادث کما يُجلّي عظمة الروح الإنسانيّة بنحو بيّن، فإنّه يترک أثره العميق في إيجاد الأرضيّة التي تتبلور فيها شخصيّة الإنسان في بعض الأحيان، وبها تتجلّي بواطن الناس؛ فإنّه في صروف الدهر وحدثانه تُعرف حقيقة الإنسان، وقول الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام: «في تقلّب الأحوال تعرف جواهر الرجال» خير آية علي هذه الحقيقة العميقة.

وهکذا کانت معرکة صفّين مرآةً تجلّت فيها شخصيّة مالک المتألّقة في تاريخ التشيّع؛ فقد کان الوجه البارز، والبطل الشجاع الباسل في هذه الحرب.

1- کان دور مالک واضحاً في تحفيز الکوفيّين الذين کانوا يسمعون کلامه،

[صفحه 138]

وفي إرسالهم إلي المعرکة.

2- کان له دور أساسي في تنظيم الجيش.

3- کان مالک علي مقدّمة الجيش، وکانت هيمنته العظيمة ومواجهته البطوليّة لمقدّمة جيش معاوية- التي کان عليها أبوالأعور السلمي- قد أرغمتا هؤلاء علي الفرار من الميدان.

4- کان أهل الرقّة[1] من أنصار عثمان، فدمّروا الجسور المنصوبة علي نهر الفرات لخلق العقبات أمام الجيش العلوي الذي کان قوامه مائة ألف مقاتل. فعزم الإمام عليه السلام علي الرجوع والبحث عن معبر آخر؛ لأنّه لم يُرد أن يستخدم القوّة العسکريّة ويقسر الناس علي القيام بعمل شاقّ، وهنا عرّف مالک نفسه لأهل الرقّة وهدّدهم، فاضطرّوا إلي نصب جسر للعبور، وعبر الجيش بالفعل.

5- حال جيش معاوية دون وصول جيش الإمام عليه السلام إلي الماء، فاستبسل ومعه الأشعث بن قيس حتي تمکّن الجيش من الحصول علي الماء.

6- تولّي مالک قيادة الخيّالة عند نشوب الحرب.

7- کان له الدور الأکبر في صولات ذي الحجّة. وحين بدأت الحرب في شهر صفر ودامت ثمانية أيّام، کان مالک في يومين منها قائداً عامّاً لها علي الإطلاق.

8- کان مقاتلاً لا نظير له في المواجهات الفرديّة، ولم ينکص قطّ عند مواجهة أحد.

9- في الأيّام الأخيرة من المعرکة، کان حلّالاً للمشاکل العويصة فيها، وکان

[صفحه 139]

يحضر بأمر مولاه حيثما ظهرت مشکلة فيبادر إلي حلّها.

10- تألّق مالک تألّقاً عظيماً في وقعة الخميس وليلة الهرير.

11- قاد مع أصحابه جولة مرعبة مهيبة من جولات صفّين، فتقدّم حتي وصل خيمة معاوية فجرَ يومِ جمعةٍ، ولم يکن بينه وبين الانتصار الأخير وإخماد نار الفتنة الاُمويّة إلّا خطوة واحدة، فتآمر الأشعث والخوارج وأجبروا الإمام عليه السلام علي إرجاعه، فابتعد عن خيمة معاوية بقلب ملؤه الأسي؛ کي لا يصل إلي مولاه أذي. فيا عجباً لکلّ هذا الإيثار مع ذلک التحجّر، واسوداد ضمائر المناوئين للإمام عليه السلام، وقبح سرائرهم!!

إنّ أعظم ما تميّز به مالک هو معرفته العميقة للإمام عليه السلام وتواضعه أمام مولاه، ذلک التواضع النابع من وعيه الفذّ، ومعرفته العظيمة.

2515- الفتوح: خرج رجل من أهل العراق علي فرس له کميت- لا يري منه إلّا حماليق الحدق، وفي يده رمح له- فجعل يضرب بالرمح علي رؤوس أصحاب عليٍّ ويقول: سوّوا صفوفکم! والناس لا يعرفونه.

حتي إذا اعتدلت الصفوف والرايات، استقبلهم بوجهه وولّي ظهره إلي أهل الشام، ثمّ حمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: احمدوا اللَّه عباد اللَّه، واشکروه؛ إذ جعل فيکم ابن عمّ نبيّه محمّد صلي الله عليه و آله، ووصيّه، وأحبّ الخلق إليه، أقدمهم هجرة، وأوّلهم إيماناً، سيف من سيوف اللَّه صبَّه علي أعدائه. فانظروا إذا حمي الوطيس، وثار القتام، وتکسّرت الرماح، وتثلّمت الصفاح، وجالت الخيل بالأبطال، ولا أسمع منکم إلّا غمغمة أو همهمة.

قال: ثمّ حمل علي أهل الشام، فقاتل حتي کُسر رمحه، ثمّ رجع فإذا هو

[صفحه 140]

الأشتر.[2] .

2516- تاريخ الطبري عن الحرّ بن الصيّاح النخعي: إنّ الأشتر يومئذٍ کان يقاتل علي فرس له في يده صفيحة يمانية؛ إذا طأطأها خِلتَ فيها ماءً منصبّاً، وإذا رفعها کاد يعشي البصر شعاعها، وجعل يضرب بسيفه ويقول: الغمرات ثمّ ينجلينا.[3] .

2517- تاريخ الطبري عن عبد اللَّه بن عاصم الفائشي: حدّثني رجل من قومي أنّ الأشتر خرج يوماً يقاتل بصفّين في رجال من القرّاء، ورجال من فرسان العرب، فاشتدّ قتالهم، فخرج علينا رجل- واللَّه لقلّما رأيت رجلاً قطّ هو أطول ولا أعظم منه- فدعا إلي المبارزة، فلم يخرج إليه أحد إلّا الأشتر، فاختلفا ضربتين، فضربه الأشتر، فقتله. وايم اللَّه، لقد کنّا أشفقنا عليه، وسألناه أن لا يخرج إليه، فلمّا قتله الأشتر نادي منادٍ من أصحابه:


يا سهم سهمَ ابنَ أبي العَيزارِ
يا خيرَ مَن نَعلَمُه مِن زارِ


- و«زارة» حيّ من الأزد- وقال: اُقسم باللَّه، لأقتلنّ قاتلک أو ليقتلني، فخرج فحمل علي الأشتر، وعطف عليه الأشتر فضربه، فإذا هو بين يدي فرسه، وحمل عليه أصحابه فاستنقذوه جريحاً.

فقال أبورفيقة الفهمي: هذا کان ناراً، فصادف إعصاراً.[4] .

2518- تاريخ الطبري عن الحرّ بن الصيّاح النخعي- في الأشتر-: رآه منقذُ

[صفحه 141]

وحميرُ ابنا قيس الناعطيّان، فقال منقذ لحمير: ما في العرب مثل هذا إن کان ما أري من قتاله علي نيّته.

فقال له حمير: وهل النيّة إلّا ما تراه يصنع!

قال: إنّي أخاف أن يکون يحاول ملکاً.[5] .

2519- وقعة صفّين عن عمر بن سعد عن رجاله: إنّ معاوية دعا مروان بن الحکم فقال: يا مروان، إنّ الأشتر قد غمّني وأقلقني، فاخرج بهذه الخيل في کلاع ويحصب، فالقَه فقاتل بها.

فقال له مروان: ادعُ لها عمراً فإنّه شعارک دون دثارک.

... ودعا معاوية عمراً، وأمره بالخروج إلي الأشتر... فخرج عمرو في تلک الخيل فلقيه الأشتر أمام الخيل... فعرف عمرو أنّه الأشتر، وفشل حَيْلُه وجبن، واستحيا أن يرجع... فلمّا غشيه الأشتر بالرمح زاغ عنه عمرو، فطعنه الأشتر في وجهه فلم يصنع الرمح شيئاً، وثقل عمرو فأمسک عنان فرسه، وجعل يده علي وجهه، ورجع راکضاً إلي العسکر.[6] .

راجع: القسم السادس عشر/مالک الأشتر.

القسم السابع/استشهاد مالک الأشتر.



صفحه 138، 139، 140، 141.





  1. الرَّقّة: مدينة مشهورة علي الفرات بينها وبين حرّان ثلاثة أيّام (معجم البلدان: 59:3).
  2. الفتوح: 157:3.
  3. تاريخ الطبري: 22:5؛ وقعة صفّين: 254.
  4. تاريخ الطبري: 575:4؛ وقعة صفّين: 196 وفيه «أبورقيقة السهمي» بدل «أبورفيقة الفهمي».
  5. تاريخ الطبري: 22:5؛ وقعة صفّين: 255.
  6. وقعة صفّين: 439؛ شرح نهج البلاغة: 79:8 و80 وراجع الإمامة والسياسة: 132:1.