استشهاد عمّار بن ياسر











استشهاد عمّار بن ياسر



کان عمّار بن ياسر صحابيّاً، حليف الحقّ، مؤازراً لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله. وکان مهذّب

[صفحه 131]

النفس، طاهر النقيبة، محمود السريرة، سليم القلب، مفعماً بحبّ اللَّه تعالي.

إنّ عمّاراً وما تحمّله من مشاقّ وجهود في سبيل الدين وإرساء دعائم المجتمع الإسلامي الفتيّ صفحة مشرقة تتألّق في التأريخ الإسلامي؛ فکان ذا بصيرة ثاقبة، ورؤية نافذة، وخطوات وطيدة، فقد کان يري الشرک علي حقيقته من بين رکام المکر والخديعة والظواهر المموّهة بالإسلام والتوحيد. وکان يقف وقفة مهيبة أمام راية أهل الشام ويقول:

والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثلاث مرّات، وهذه الرابعة. والذي نفسي بيده لو ضربونا حتي يبلغوا بنا شعفات هجر لعرفت أنّ مصلحينا علي الحقّ، وأنّهم علي الضلالة.[1] .

وهکذا کان وجود عمّار في صفّين باعثاً علي زهو البعض، ومولّداً الذعر في نفوس البعض الآخر، ومثيراً للتأمّل عند آخرين.

ولمّا علم الزبير بحضوره في معرکة الجمل، طفق يتضعضع.[2] وأرابَ وجودُه في صفّين کثيراً من أصحاب معاوية، وذلک أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کان قد قال له: «تقتلک الفئة الباغية»،[3] وقال: «يلتقي أهل الشام وأهل العراق، وعمّار في أهل

[صفحه 132]

الحقّ تقتله الفئة الباغية»،[4] وقال: «ليس ينبغي لعمّار أن يفارق الحقّ، ولن تأکل النار منه شيئاً»،[5] وقال: «إذا اختلف الناس کان ابن سميّة مع الحقّ... ».[6] .

وحاول الکثيرون أن يروا عمّاراً، ويسمعوا کلامه؛ کي يستزيدوا من التعرّف علي حقّانيّة أميرالمؤمنين عليه السلام من خلال کلام هذا الشيخ الجليل الفتيّ القلب... الذي ينبع حديثه من أعماق قلبه، من أجل أن يتثبّتوا من مواضع أقدامهم.

ولمّا تجندل ذلک الشيخ المتفاني ذو القدّ الممشوق، وتضمّخ بدمه، وشرب کأس المنون... کبر ذلک علي کلا الجيشين. ورأي مثيرو الفتنة ومسعّروا الحرب ما أخبر به رسول اللَّه صلي الله عليه و آله باُمّ أعينهم، وإذ شقّ عليهم وصمة «الفئة الباغية» فلابدّ أن يحتالوا بتنميق فتنة اُخري وخديعة ثانية؛ ليحولوا دون تضعضع جندهم، وهذا ما فعله معاوية.[7] .

فقد إمامنا العظيم صلوات اللَّه عليه أخلص أصحابه وأفضلهم، وقُطع عضده المقتدر، واغتمّت نفسه المقدّسة وضاق صدره، فقال: رحم اللَّه عمّاراً يوم أسلم،

[صفحه 133]

ورحم اللَّه عمّاراً يوم قُتل، ورحم اللَّه عمّاراً يوم يُبعث حيّاً.

2507- تاريخ بغداد عن أبي أيّوب: سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول لعمّار: يا عمّار، تقتلک الفئة الباغية، وأنت إذ ذاک مع الحقّ والحقّ معک، يا عمّار بن ياسر، إن رأيت عليّاً قد سلک وادياً وسلک الناس وادياً غيره فاسلُک مع عليّ؛ فإنّه لن يدليک في ردي، ولن يخرجک من هدي. يا عمّار، من تقلّد سيفاً أعان به عليّاً علي عدوّه قلّده اللَّه يوم القيامة وشاحين[8] من درّ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّ عليّ قلّده اللَّه يوم القيامة وشاحين من نار».[9] .

2508- الفتوح- فيما قاله عمّار بن ياسر لعمرو بن العاص-: لقد أمرني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن اُقاتل الناکثين، فقد فعلت، وأمرني أن اُقاتل القاسطين، فأنتم هم، وأمّا المارقون فلا أدري اُدرکهم أم لا.

أيّها الأبتر!ألست تعلم أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله! فأنا مولي للَّه ولرسوله، وعليّ مولاي من بعده، وأنت فلا مولي لک.[10] .

2509- تاريخ الطبري عن أبي عبد الرحمن السلمي: رأيت عمّاراً لا يأخذ وادياً من أودية صفّين إلّا تبعه من کان هناک من أصحاب محمّد صلي الله عليه و آله، ورأيته جاء إلي المرقال هاشم بن عتبة- وهو صاحب راية عليّ- فقال: يا هاشم، أعَوراً وجُبناً! لا خير في أعور لا يغشي البأس، فإذا رجلٌ بين الصفّين قال: هذا واللَّه ليخلفنّ

[صفحه 134]

إمامه، وليخذلنّ جنده، وليصبرنّ جهده، ارکب يا هاشم، فرکب ومضي هاشم يقول:


أعورُ يَبغي أهلَه محلّا
قد عالجَ الحياةَ حتي مَلّا


لابدّ أن يَفلّ أو يُفلّا

وعمّار يقول: تقدّم يا هاشم؛ الجنّة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسل، وقد فتحت أبواب السماء، وتزيّنت الحور العين


اليوم ألقَي الأحِبّه
محمّداً وحِزبَه


فلم يرجعا وقُتلا.[11] .

2510- تاريخ الطبري عن حبّة بن جوين العرني: انطلقت أنا وأبومسعود إلي حذيفة- بالمدائن-[12] فدخلنا عليه، فقال: مرحباً بکما، ما خلّفتما من قبائل العرب أحداً أحبّ إليَّ منکما. فأسندته إلي أبي مسعود، فقلنا: يا أباعبد اللَّه، حدّثنا؛ فإنّا نخاف الفتن.

فقال: عليکما بالفئة التي فيها ابن سميّة؛ إنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: تقتله الفئة الباغية، الناکبة عن الطريق، وإنّ آخر رزقه ضياح من لبن.

قال حبّة: فشهدتُه يوم صفّين وهو يقول: ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا. فاُتي بضياح من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء، فما أخطأ حذيفة مقياس

[صفحه 135]

شعرة، فقال:


اليوم ألقَي الأحبّه
محمّداً وحزبه


واللَّه، لو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ وأنّهم علي الباطل، وجعل يقول: الموت تحت الأسل، والجنّة تحت البارقة.[13] .



صفحه 131، 132، 133، 134، 135.





  1. مسند ابن حنبل: 18906:480:6، مسند أبي يعلي: 1607:262:2، العقد الفريد: 336:3 وفيه «سعفات» بدل «شعفات».
  2. الأخبار الطوال: 147، تاريخ الطبري: 510:4.
  3. نقل سبعة وعشرون صحابيّاً هذا الحديث بألفاظ مختلفة، راجع: صحيح البخاري: 436:172:1 وج 2657:1035:3، صحيح مسلم: 70:2235:4 و ص 72:2236، سنن الترمذي: 3800:669:5، مسند ابن حنبل: 6943:654:2 و ج 17781:229:6، المستدرک علي الصحيحين: 5657:435:3 و ص 5659:436 و ح 5660 و ص 5676:442، مسند البزّار: 1428:256:4، المعجم الکبير: 5146:221:5 وج 852:363:23 تا 857، مسند أبي يعلي: 7139:355:6، الطبقات الکبري: 251:3 تا 253، تاريخ الإسلام للذهبي:571:3 و ص 577 تا 579، الاستيعاب:1883:231:3، الإصابة: 5720:474:4 وفيهما «تواترت الآثار عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: تقتل عمّاراً الفئة الباغية»، الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: 104:76، البداية والنهاية: 267:7 تا 270.
  4. وقعة صفّين: 335.
  5. وقعة صفّين: 335 عن عمرو بن العاص.
  6. المعجم الکبير: 10071:96:10، دلائل النبوّة للبيهقي: 422:6، البداية والنهاية: 271:7.
  7. تاريخ الطبري: 415، العقد الفريد: 337:3، الفتوح: 159:3، شرح نهج البلاغة: 835:334:20؛ وقعة صفّين: 343.
  8. الوِشاح: حلي النساء کِرسانِ من لؤلؤ وجوهر منظومان مخالف بينهما، معطوف أحدهما علي الآخر تتوشّح المرأة به (لسان العرب: 632:2).
  9. تاريخ بغداد: 7165:187:13، تاريخ دمشق: 472:42، البداية والنهاية: 307:7.
  10. الفتوح: 77:3، شرح نهج البلاغة: 21:8؛ وقعة صفّين: 338، بحارالأنوار: 380:30:33.
  11. تاريخ الطبري: 40:5، البداية والنهاية: 270:7 وراجع شرح الأخبار: 360:408:1.
  12. المَدَائِن: أصل تسميتها هي: المدائن السبعة، وکانت مقرّ ملوک الفرس. وهي تقع علي نهر دجلة من شرقيّها تحت بغداد علي مرحلة منها. وفيها إيوان کسري. فُتحت هذه المدينة في (14 ه. ق) علي يد المسلمين (راجع تقويم البلدان: 302).
  13. تاريخ الطبري: 38:5، الکامل في التاريخ: 381:2؛ کشف الغمّة: 259:1 کلاهما نحوه وراجع المناقب للخوارزمي: 240:233.