قتال هاشم بن عتبة وتوبة شابّ











قتال هاشم بن عتبة وتوبة شابّ



2500- تاريخ الطبري عن أبي سلمة: إنّ هاشم بن عتبة الزهري دعا الناس عند

[صفحه 126]

المساء: ألا من کان يريد اللَّه والدار الآخرة فإليّ. فأقبل إليه ناس کثير، فشدّ في عصابة من أصحابه علي أهل الشام مراراً، فليس من وجه يحمل عليه إلّا صبر له وقاتل فيه قتالاً شديداً.

فقال لأصحابه: لايهولنّکم ما ترون من صبرهم، فواللَّه ما ترون فيهم إلّا حميّة العرب، وصبراً تحت راياتها وعند مراکزها، وإنّهم لعلي الضلال وإنّکم لعلي الحقّ، ياقوم اصبروا، وصابروا، واجتمعوا، وامشوا بنا إلي عدوّنا علي تؤدَة[1] رويداً، ثمّ اثبتوا، وتناصروا، واذکروا اللَّه، ولا يسأل رجل أخاه، ولا تُکثروا الالتفات، واصمدوا صمدهم، وجاهدوهم محتسبين حتي يحکم اللَّه بيننا وبينهم وهو خير الحاکمين.

ثمّ إنّه مضي في عصابة معه من القرّاء فقاتل قتالاً شديداً هو وأصحابه عند المساء، حتي رأوا بعض ما يسرّون به. فإنّهم لکذلک إذ خرج عليهم فتي شابّ وهو يقول:


أنا ابنُ أربابِ الملوک غسّان
والدائن اليوم بدينِ عثمان


إنّي أتاني خبرٌ فأشجان
أنّ عليّاً قتلَ ابن عفّان


ثمّ يشدّ فلا ينثني حتي يضرب بسيفه، ثمّ يشتم ويلعن ويکثر الکلام.

فقال له هاشم بن عتبة: يا عبد اللَّه، إنّ هذا الکلام بعده الخصام، وإن هذا القتال بعده الحساب، فاتّقِ اللَّه فإنّک راجع إلي اللَّه فسائلک عن هذا الموقف وما أردت به.

قال: فإنّي اُقاتلکم لأنّ صاحبکم لا يصلّي- کما ذکر لي- وأنتم لا تصلّون

[صفحه 127]

أيضاً، واُقاتلکم لأنّ صاحبکم قتل خليفتنا وأنتم أردتموه علي قتله.

فقال له هاشم: وما أنت وابن عفّان! إنّما قتله أصحاب محمّد وأبناء أصحابه وقرّاء الناس حين أحدث الأحداث وخالف حکم الکتاب، وهم أهل الدين وأولي بالنظر في اُمور الناس منک ومن أصحابک، وما أظنّ أمر هذه الاُمّة وأمر هذا الدين اُهمل طرفة عين.

فقال له: أجل، واللَّه لا أکذب؛ فإنّ الکذب يضرّ ولا ينفع

قال: فإنّ أهل هذا الأمر أعلم به، فخلّه وأهل العلم به.

قال: ما أظنّک واللَّه إلّا نصحت لي.

قال: وأمّا قولک: «إنّ صاحبنا لا يصلّي» فهو أوّل من صلّي مع رسول اللَّه، وأفقه خلق اللَّه في دين اللَّه، وأولي بالرسول. وأمّا کلّ من تري معي فکلّهم قارئ لکتاب اللَّه، لا ينام الليل تهجّداً، فلا يغوينّک عن دينک هؤلاء الأشقياء المغرورون.

فقال الفتي: يا عبد اللَّه إنّي أظنّک امرأً صالحاً، فتخبرني هل تجد لي من توبة؟

فقال: نعم يا عبد اللَّه، تب إلي اللَّه يتُب عليک؛ فإنّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ويحب المتطهّرين.

قال: فجشر واللَّه الفتي الناس راجعاً.

فقال له رجل من أهل الشام: خدعک العراقي، خدعک العراقي.

قال: لا، ولکن نصح لي.[2] .

[صفحه 128]



صفحه 126، 127، 128.





  1. التؤدَة: التأنّي (لسان العرب: 101:2).
  2. تاريخ الطبري: 42:5؛ وقعة صفّين: 353، الدرجات الرفيعة: 378.