القتال الجماعي











القتال الجماعي



2487- تاريخ الطبري عن زيد بن وهب: أنّ عليّاً قال: حتي متي لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا! فقام في الناس عشيّة الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر، فقال:

الحمد للَّه الذي لايُبرم ما نقض، وما أبرم لا ينقضه الناقضون، لو شاء ما اختلف اثنان من خلقه، ولا تنازعت الاُمّة في شي ء من أمره، ولاجحد المفضول ذا الفضل فضله. وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار، فلفّت بيننا في هذا المکان، فنحن من ربّنا بمرأي ومسمع، فلو شاء عجّل النقمة، وکان منه التغيير، حتي يکذّب اللَّه الظالم، ويعلم الحقّ أين مصيره، ولکنّه جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الآخرة عنده هي دار القرار؛ «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ

[صفحه 118]

أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَي».[1] .

ألا إنّکم لاقو القوم غداً، فأطيلوا الليلة القيام، وأکثروا تلاوة القرآن، وسلوا اللَّه عزّ وجلّ النصر والصبر، والقوهم بالجدّ والحزم، وکونوا صادقين.

ثمّ انصرف، ووثب الناس إلي سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها، ومرّ بهم کعب بن جعيل التغلبي وهو يقول:


أصبحتِ الاُمّةُ في أمرٍ عَجبْ
والمُلک مجموعٌ غداً لِمن غَلَبْ


فقلتُ قَولاً صادقاً غيرَ کَذِبْ
إنّ غَداً تَهلکُ أعلامُ العربْ[2] .


2488- الأخبار الطوال: حمل حبيب بن مسلمة- وکان علي ميسرة معاوية- علي ميمنة عليّ رضي الله عنه، فانکشفوا وجالوا جولة. ونظر عليّ إلي ذلک، فقال لسهل بن حنيف: انهض فيمن معک من أهل الحجاز حتي تعين أهل الميمنة.

فمضي سهل فيمن کان معه من أهل الحجاز نحو الميمنة، فاستقبلهم جموع أهل الشام، فکشفوه ومن معه حتي انتهوا إلي عليّ- وهو في القلب- فجال القلب وفيه عليّ جولة، فلم يبقَ مع عليّ إلّا أهل الحفاظ والنجدة. فحثّ عليّ فرسه نحو ميسرته، وهم وقوف يقاتلون من بإزائهم من أهل الشام- وکانوا ربيعة-.

قال زيد بن وهب: فإنّي لأنظر إلي عليّ وهو يمرّ نحو ربيعة، ومعه بنوه: الحسن والحسين ومحمّد، وإنّ النبل ليمرّ بين اُذنيه وعاتقه، وبنوه يقونه بأنفسهم.

[صفحه 119]

فلمّا دنا عليّ من الميسرة وفيها الأشتر، وقد وقفوا في وجوه أهل الشام يجالدونهم، فناداه عليّ، وقال: ائتِ هؤلاء المنهزمين، فقل: أين فرارکم من الموت الذي لم تعجزوه إلي الحياة التي لا تبقي لکم!

فدفع الأشتر فرسه، فعارض المنهزمين، فناداهم: أيّها الناس! إليَّ إليَّ، أنا مالک ابن الحارث، فلم يلتفتوا إليه، فظنّ أنّه بالاستعراف، فقال: أيّها الناس! أنا الأشتر، فثابوا[3] إليه، فزحف بهم نحو ميسرة أهل الشام، فقاتل بهم قتالاً شديداً حتي انکشف أهل الشام.[4] .

2489- تاريخ الطبري عن زيد بن وهب: إنّ عليّاً لمّا رأي ميمنته قد عادت إلي مواقعها ومصافّها، وکشفت من بإزائها من عدوّها حتي ضاربوهم في مواقفهم ومراکزهم، أقبل حتي انتهي إليهم، فقال:

إنّي قد رأيت جولتکم، وانحيازکم عن صفوفکم، يحوزکم الطغاة الجفاة وأعراب أهل الشام، وأنتم لهاميم[5] العرب، والسنام الأعظم، وعُمّار الليل بتلاوة القرآن، وأهل دعوة الحقّ إذ ضلّ الخاطئون.

فلولا إقبالکم بعد إدبارکم، وکرّکم بعد انحيازکم، وجب عليکم ما وجب علي المولّي يوم الزحف دبره، وکنتم من الهالکين، ولکن هوّنَ وَجْدي وشفي بعض اُحاح[6] نفسي أنّي رأيتکم بأخرة، حُزتموهم کما حازوکم، وأزلتموهم عن

[صفحه 120]

مصافّهم کما أزالوکم، تحسّونهم بالسيوف، ترکب اُولاهم اُخراهم کالإبل المطردة الهيم.[7] .

فالآن فاصبروا، نزلت عليکم السکينة، وثبّتکم اللَّه عزّ وجلّ باليقين، ليعلم المنهزم أنّه مسخط ربّه، وموبق نفسه، إنّ في الفرار موجدة اللَّه عزّ وجلّ عليه، والذلّ اللازم، والعار الباقي، واعتصار الفي ء من يده، وفساد العيش عليه. وإنّ الفارّ منه لا يزيد في عمره، ولا يرضي ربّه، فموت المرء محقّاً قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتأنيس[8] لها، والإقرار عليها.[9] .

2490- الإمام عليّ عليه السلام- حين مرّ براية لأهل الشام أصحابها لا يزولون عن مواضعهم-: إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دِراک،[10] يخرج منه النسيم،[11] وضرب يفلق الهام، ويُطيح العظام، ويسقط منه المعاصم والأکفّ، حتي تصدع جباههم بعمد الحديد، وتنثر حواجبهم علي الصدور والأذقان! أين أهل الصبر وطلّاب الأجر؟!

فسارت إليه عصابة من المسلمين، فعادت ميمنته إلي موقفها ومصافّها، وکشفت من بإزائها، فأقبل حتي انتهي إليهم.[12] .

[صفحه 121]



صفحه 118، 119، 120، 121.





  1. النجم: 31.
  2. تاريخ الطبري: 13:5، الکامل في التاريخ: 372:2، البداية والنهاية: 262:7؛ وقعة صفّين: 225 عن يزيد بن وهب.
  3. ثاب القوم: أتوا متواترين (لسان العرب: 244:1).
  4. الأخبار الطوال: 182 وراجع تاريخ الطبري: 18:5 تا 21 والکامل في التاريخ: 373:2 والبداية والنهاية: 265:7 ووقعة صفّين: 250 -248.
  5. هي جمع لُهْمُوم؛ وهو الجواد من الناس والخيل (النهاية: 282:4).
  6. الاُحاح: الغليظ (تاج العروس: 3:4).
  7. الهيم: الإبل العطاش (مجمع البحرين: 1894:3).
  8. الإيناس: خلاف الايحاش، وکذلک التأنيس (لسان العرب: 14:6).
  9. تاريخ الطبري: 25:5؛ وقعة صفّين: 256، الکافي: 4:40:5 عن مالک بن أعين نحوه وراجع نهج البلاغة: الخطبة 107.
  10. دِراک: متتابع (لسان العرب: 420:10).
  11. النَّسيم: العرق (لسان العرب: 576:12).
  12. الکافي: 4:40:5 عن مالک بن أعين، الإرشاد: 267:1، وقعة صفّين: 391 عن عامر الشعبي وليس فيهما ذيله وراجع نهج البلاغة: الخطبة 123.