الهدنة رجاء الصلح











الهدنة رجاء الصلح



2460- تاريخ الطبري- في أخبار سنة 37-: کان في أول شهر منها وهو المحرّم موادعة الحرب بين عليّ ومعاوية، قد توادعا علي ترک الحرب فيه إلي انقضائه

[صفحه 95]

طمعاً في الصلح.[1] .

2461- تاريخ الطبري عن المحلّ بن خليفة الطائي: لما توادع عليّ ومعاوية يوم صفين اختلف فيما بينهما الرسل رجاء الصلح، فبعث عليٌّ عديَّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن خصفة إلي معاوية.

فلما دخلوا حمد اللَّه عديّ بن حاتم ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّا أتيناک ندعوک إلي أمر يجمع اللَّه عزّ وجلّ به کلمتنا واُمتّنا، ويحقن به الدماء ويؤمِّن به السبل ويصلح به ذات البين. إنّ ابن عمّک سيّد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام أثراً، وقد استجمع له الناس، وقد أرشدهم اللَّه عزّ وجلّ بالذي رأوا، فلم يبق أحد غيرک وغير مَن معک، فانته يا معاوية لا يصبک اللَّه وأصحابک بيوم مثل يوم الجمل.

فقال معاوية: کأنّک إنما جئت متهدّداً لم تأتِ مصلحاً، هيهات يا عديّ! کلّا واللَّه، إنّي لابنُ حرب ما يُقعقع لي بالشنان،[2] أما واللَّه إنّک لمن المجلِبين علي ابن عفان، وإنّک لمن قتلته، وإنّي لأرجو أن تکون ممن يقتل اللَّه عزّ وجلّ به، هيهات يا عدي ابن حاتم! قد حلبت بالساعد الأشدّ.

فقال له شبث بن ربعي وزياد بن خصفة- وتنازعا جواباً واحداً-: أتيناک فيما يصلحنا وإياک، فأقبلت تضرب لنا الأمثال، دع مالا يُنتفع به من القول والفعل، وأجبنا فيما يعمّنا وإيّاک نفعه.

وتکلّم يزيد بن قيس فقال: إنّا لم نأتک إلّا لنبلّغک ما بُعثنا به إليک ، ولنؤدّي

[صفحه 96]

عنک ما سمعنا منک، ونحن علي ذلک لم ندع أن ننصح لک، وأن نذکر ما ظننا أنّ لنا عليک به حجة، وأنّک راجع به إلي الألفة والجماعة.

إنّ صاحبنا مَن قد عرفت وعرف المسلمون فضله، ولا أظنّه يخفي عليک، إنّ أهل الدين والفضل لن يعدلوا بعليّ، ولن يميّلوا بينک وبينه، فاتّقِ اللَّه يا معاوية ولا تخالف عليّاً، فإنّا واللَّه ما رأينا رجلاً قطّ أعمل بالتقوي ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير کلّها منه.

فحمد اللَّه معاوية وأثني عليه ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّکم دعوتم إلي الطاعة والجماعة، فأمّا الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي. وأمّا الطاعة لصاحبکم فإنّا لا نراها، إنّ صاحبکم قتل خليفتنا وفرّق جماعتنا وآوي ثأرنا وقتلتنا، وصاحبکم يزعم أنّه لم يقتله فنحن لا نردّ ذلک عليه، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبکم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به، ثمّ نحن نجيبکم إلي الطاعة والجماعة.

فقال له شبث: أيسرّک يا معاوية أنّک اُمکنت من عمّار تقتله؟

فقال معاوية: وما يمنعني من ذلک؟! واللَّه لو اُمکنتُ من ابن سميّة ما قتلته بعثمان ولکن کنت قاتله بناتل مولي عثمان.

فقال له شبث: وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلاً، لا والذي لا إله إلّا هو لا تصل إلي عمّار حتي تندر الهام عن کواهل الأقوام، وتضيق الأرض الفضاء عليک برُحبها.

فقال له معاوية: إنّه لو قد کان ذلک کانت الأرض عليک أضيق.

وتفرّق القوم عن معاوية، فلما انصرفوا بعث معاوية إلي زياد بن خصفة التيمي

[صفحه 97]

فخلا به، فحمد اللَّه وأثني عليه وقال: أمّا بعد يا أخا ربيعة فإنّ عليّاً قطع أرحامنا وآوي قتلة صاحبنا، وإنّي أسألک النصر عليه باُسرتک وعشيرتک، ثمّ لک عهد اللَّه عزّ وجلّ وميثاقه أن أولّيک إذا ظهرتُ أيَّ المصرين أحببت.

قال أبومخنف: فحدثني سعد أبوالمجاهد عن المحل بن خليفة، قال: سمعت زياد بن خصفة يحدّث بهذا الحديث.

قال: فلما قضي معاوية کلامه، حمدت اللَّه عزّ وجلّ وأثنيت عليه، ثمّ قلت: أمّا بعد، فإنّي علي بينة من ربّي وبما أنعم عليَّ فلن أکون ظهيراً للمجرمين، ثمّ قمت.

فقال معاوية لعمرو بن العاص- وکان إلي جنبه جالساً-: ليس يکلّم رجل منّا رجلاً منهم فيجيب إلي خير، مالهم عضبهم[3] اللَّه بشرّ! ما قلوبهم إلّا کقلب رجل واحد.[4] .



صفحه 95، 96، 97.





  1. تاريخ الطبري: 5:5.
  2. الشنان: جمع شنّ؛ وهو الخلق من کلّ آنية صنعت من جلد (تاج العروس: 327:18).
  3. عضبه اللَّه: يدعون عليه بقطع يديه ورجليه (تاج العروس: 241:2).
  4. تاريخ الطبري: 5:5؛ وقعة صفّين: 197.