اقامة الحجّة في ساحة القتال











اقامة الحجّة في ساحة القتال



2457- تاريخ اليعقوبي: وجّه عليّ إلي معاوية يدعوه ويسأله الرجوع، وألّا يفرّق الاُمّة بسفک الدماء، فأبي إلّا الحرب.[1] .

2458- تاريخ الطبري عن عبد الملک بن أبي حرّة الحنفي- بعد ذکر القتال علي الماء-: مَکث عليّ يومين لا يرسل إلي معاوية أحداً، ولا يرسل إليه معاوية. ثمّ إنّ عليّاً دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري، وسعيد بن قيس الهمداني، وشبث بن ربعي التميمي، فقال: ائتوا هذا الرجل، فادعوه إلي اللَّه، وإلي الطاعة والجماعة.

فقال له شبث بن ربعي: يا أميرالمؤمنين!ألا تُطمعه في سلطان تولّيه إيّاه، ومنزلة يکون له بها اُثرة عندک إن هو بايعک؟

فقال عليّ: ائتوه فالقوه واحتجّوا عليه، وانظروا ما رأيه.- وهذا في أوّل ذي الحجّة-.

فأتوه، ودخلوا عليه، فحمد اللَّه وأثني عليه أبوعمرة بشير بن عمرو، وقال: يا

[صفحه 92]

معاوية! إنّ الدنيا عنک زائلة، وإنّک راجع إلي الآخرة، وإنّ اللَّه عزّ وجلّ محاسبک بعملک، وجازيک بما قدّمت يداک، وإنّي أنشدک اللَّه عزّ وجلّ أنْ تفرّق جماعة هذه الاُمّة، وأن تسفک دماءها بينها!

فقطع عليه الکلام، وقال: هلّا أوصيت بذلک صاحبک؟

فقال أبوعمرة: إنّ صاحبي ليس مثلک، صاحبي أحقّ البريّة کلّها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام، والقرابة من الرسول صلي الله عليه و آله.

قال: فيقول ماذا؟

قال: يأمرک بتقوي اللَّه عزّ وجلّ، وإجابة ابن عمّک إلي ما يدعوک إليه من الحقّ، فإنّه أسلم لک في دنياک، وخير لک في عاقبة أمرک.

قال معاوية: ونُطلّ[2] دم عثمان! لا واللَّه، لا أفعل ذلک أبداً.

فذهب سعيد بن قيس يتکلّم، فبادره شبث بن ربعي فتکلّم، فحمد اللَّه وأثني عليه، وقال: يا معاوية! إنّي قد فهمت ما رددت علي ابن محصن، إنّه واللَّه، لا يخفي علينا ما تغزو وما تطلب، إنّک لم تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم، وتستخلص به طاعتهم، إلّا قولک: «قتل إمامکم مظلوماً، فنحن نطلب بدمه»، فاستجاب له سفهاء طغام، وقد علمنا أن قد أبطأتَ عنه بالنصر، وأحببت له القتل، لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب، ورُبّ متمنّي أمر وطالبه، اللَّهُ عزّ وجلّ يحول دونه بقدرته، وربّما اُوتي المتمنّي اُمنيته وفوق اُمنيته.

وواللَّه، ما لک في واحدة منهما خير، لئن أخطأت ما ترجو إنّک لشرّ العرب حالاً في ذلک، ولئن أصبت ما تمنّي لا تصيبه حتي تستحقّ من ربّک صُلِيَّ النار،

[صفحه 93]

فاتّقِ اللَّه يا معاوية، ودع ما أنت عليه، ولا تنازع الأمر أهله.

فحمد اللَّه [معاوية] وأثني عليه ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّ أوّل ما عرفتُ فيه سفهَک وخفّة حلمک، قطعُک علي هذا الحسيب الشريف سيّد قومه منطقَه، ثمّ عنيت بعد فيما لا علم لک به، فقد کذبت ولؤمت أيُّها الأعرابي الجلف الجافي في کلّ ما ذکرت ووصفت. انصرفوا من عندي، فإنّه ليس بيني وبينکم إلّا السيف.[3] .



صفحه 92، 93.





  1. تاريخ اليعقوبي: 188:2.
  2. الطَّلُّ: هَدْرُ الدَّم (لسان العرب: 405:11).
  3. تاريخ الطبري: 573:4، الکامل في التاريخ: 365:2؛ وقعة صفّين: 187 وفيه «شهر ربيع الآخر» بدل «أوّل ذي الحجّة» وراجع مروج الذهب: 387:2.