حيلولة جيش معاوية دون الماء











حيلولة جيش معاوية دون الماء



2444- الأخبار الطوال: أقبل عليّ رضي الله عنه حتي وافي المکان، فصادف أهل الشام قد احتووا علي القرية والطريق، فأمر الناس، فنزلوا بالقرب من عسکر معاوية، وانطلق السَّقّاؤون والغلمان إلي طريق الماء، فحال أبوالأعور بينهم وبينه.

واُخبر عليّ رضي الله عنه بذلک، فقال لصعصعة بن صوحان: إيت معاوية، فقل له: إنّا سرنا إليکم لنُعذر قبل القتال، فإن قبلتم کانت العافية أحبّ إلينا، وأراک قد حلتَ بيننا وبين الماء، فإن کان أعجب إليک أن ندع ما جئنا له، ونذر الناس يقتتلون علي الماء حتي يکون الغالب هو الشارب فعلنا.

فقال الوليد: اِمنعهم الماء کما منعوه أميرالمؤمنين عثمان، اقتلهم عطشاً، قتلهم اللَّه.

فقال معاوية لعمرو بن العاص: ما تري؟.

قال: أري أن تُخلّي عن الماء، فإنّ القوم لن يعطشوا وأنت ريّان.

فقال عبد اللَّه بن أبي سَرْح، وکان أخا عثمان لأمّه: اِمنعهم الماء إلي الليل، لعلّهم أن ينصرفوا إلي طرف الغيضة،[1] فيکون انصرافهم هزيمة.

[صفحه 82]

فقال صعصعة لمعاوية: ما الذي تري؟.

قال معاوية: اِرجع، فسيأتيکم رأيي. فانصرف صعصعة إلي عليّ، فأخبره بذلک.[2] .

2445- تاريخ الطبري عن عبد اللَّه بن عوف بن الأحمر: لمّا قدمنا علي معاوية وأهل الشام بصفّين وجدناهم قد نزلوا منزلاً اختاروه مستوياً بساطاً واسعاً، أخذوا الشريعة، فهي في أيديهم، وقد صفّ أبوالأعور السلمي عليها الخيل والرجال، وقد قدّم المرامية أمام من معه، وصفّ صفّاً معهم من الرماح والدَّرَق،[3] وعلي رؤوسهم البيض، وقد أجمعوا علي أن يمنعونا الماء.

ففزعنا إلي أميرالمؤمنين، فخبّرناه بذلک، فدعا صعصعة بن صوحان فقال له: ائت معاوية وقل له: إنّا سرنا مسيرنا هذا إليکم، ونحن نکره قتالکم قبل الإعذار إليکم، وإنّک قدّمت إلينا خيلک ورجالک فقاتلتنا قبل أن نقاتلک، وبدأتنا بالقتال، ونحن من رأينا الکفّ عنک حتي ندعوک ونحتجّ عليک.

وهذه اُخري قد فعلتموها، قد حلتم بين الناس وبين الماء، والناس غير منتهين أو يشربوا، فابعث إلي أصحابک فليخلّوا بين الناس وبين الماء، ويکفّوا حتي ننظر فيما بيننا وبينکم، وفيما قدمنا له وقدمتم له، وإن کان أعجب إليک أن نترک ما جئنا له، ونترک الناس يقتتلون علي الماء حتي يکون الغالب هو الشارب، فعلنا.

فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟

[صفحه 83]

فقال الوليد بن عقبة: اِمنعهم الماء کما منعوه عثمان بن عفّان؛ حصروه أربعين صباحاً يمنعونه برد الماء، ولين الطعام. اُقتلهم عطشاً، قتلهم اللَّه عطشاً!

فقال له عمرو بن العاص: خلّ بينهم وبين الماء، فإنّ القوم لن يعطشوا وأنت ريان، ولکن بغير الماء، فانظر ما بينک وبينهم.

فأعاد الوليد بن عقبة مقالته. وقال عبد اللَّه بن أبي سرح: امنعهم الماء إلي الليل، فإنّهم إن لم يقدروا عليه رجعوا، ولو قد رجعوا کان رجوعهم فَلّاً. امنعهم الماء منعهم اللَّه يوم القيامة!

فقال صعصعة: إنّما يمنعه اللَّه عزّ وجلّ يوم القيامة الکفرة الفسقة وشربة الخمر، ضربک وضرب هذا الفاسق- يعني الوليد بن عقبة-.

قال: فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهدّدونه، فقال معاوية: کفّوا عن الرجل فإنّه رسول.[4] .

2446- الفتوح: دعا عليّ رضي الله عنه بشبث[5] بن ربعي الرياحي وصعصعة بن صوحان العبدي فقال لهما: انطلقا إلي معاوية فقولا له: إنّ خيلک قد حالت بيننا وبين الماء، ولو کنا سبقناک لم نحل بينک وبينه، فإن شئت فخلّ عن الماء حتي نستوي فيه نحن وأنت، وإن شئت قاتلناک عليه حتي يکون لمن غلب، وترکنا ما جئنا له

[صفحه 84]

من الحرب.

قال: فأقبل شبث فقال: يا معاوية! إنّک لست بأحقّ من هذا الماء منّا فخلّ عن الماء، فإنّنا لا نموت عطشاً وسيوفنا علي عواتقنا.

ثمّ تکلّم صعصعة بن صوحان فقال: يا معاوية! إنّ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب يقول لک: إننا قد سرنا مسيرنا هذا وإنّي أکره قتالکم قبل الإعذار إليکم، فإنّک قدّمت خيلک فقاتلتنا من قبل أن نقاتلک وبدأتنا بالقتال، ونحن من رأينا الکفّ حتي نعذر إليک ونحتجّ عليک، وهذه مرّة اُخري قد فعلتموها، حلتم بين الناس والماء، وايم اللَّه لنشربن منه شئت أم أبيت! فامنن إن قدرت عليه من قبل أن نغلب فيکون الغالب هو الشارب.

فقال لعمرو بن العاص: ما تري أباعبد اللَّه؟ فقال: أري أنّ عليّاً لا يظمأ وفي يده أعنّة الخيل وهو ينظر إلي الفرات دون أن يشرب منه، وإنّما جاء لغير الماء فخلّ عن الماء حتي يشرب ونشرب.

قال: فقال الوليد بن عقبة: يا معاوية! إنّ هؤلاء قد منعوا عثمان بن عفّان الماء أربعين يوماً وحصروه، فامنعهم إياه حتي يموتوا عطشاً واقتلهم قاتلهم اللَّه أنّي يؤفکون.

قال: ثمّ تکلّم عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، فقال: لقد صدق الوليد في قوله: فامنعهم الماء، منعهم اللَّه إيّاه يوم القيامة!

فقال صعصعة: إنّما يمنعه اللَّه يوم القيامة الکفرة الفسقة الفجرة مثلک ومثل نظرائک هذا الذي سمّاه اللَّه في الکتاب فاسقاً الوليد بن عقبة الذي صلّي بالناس الغداة أربعاً وهو سکران ثمّ قال: أزيدکم؟ فجلد الحدّ في الإسلام. قال: فثاروا

[صفحه 85]

إليه بالسيوف، فقال معاوية: کفّوا عنه فإنّه رسول.[6] .



صفحه 82، 83، 84، 85.





  1. الغيضة: وهي الشجر الملتَفّ (النهاية: 402:3).
  2. الأخبار الطوال: 168.
  3. الدَّرَق: ضرب من التِّرَسةِ، الواحدة دَرَقة تتّخذ من الجلود (لسان العرب: 95:10).
  4. تاريخ الطبري: 571:4، شرح نهج البلاغة: 318:3، الکامل في التاريخ: 364:2، الإمامة والسياسة: 124:1 کلاهما نحوه وفيه «الأشعث» بدل «صعصعة بن صوحان»؛ وقعة صفّين: 160.
  5. کما في تاريخ الطبري: 240:5 وبالأصل «شبيب» وهو خطأ. ولم يرد ذکره فيمن أرسله عليّ إلي معاوية بل ذکر فقط صعصعة بن صوحان (تاريخ الطبري: 239:5، ابن الأثير: 364:2، وقعة صفّين: 161) وفي الإمامة والسياسة 125:1: أنّ عليّاًأرسل الأشعث بن قيس لمناقشة معاوية في أمر منع الماء.
  6. الفتوح: 5:3 وراجع المعيار والموازنة: 146.