كتاب الإمام إلي معاوية وجوابه











کتاب الإمام إلي معاوية وجوابه



2438- وقعة صفّين عن أبي الوداک: إنّ طائفة من أصحاب عليّ قالوا له: اکتب إلي معاوية وإلي من قِبَله من قومک بکتاب تدعوهم فيه إليک وتأمرهم بترک ماهم فيه من الخطأ فإنّ الحجّة لن تزداد عليهم بذلک إلّا عظماً، فکتب إليهم:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

من عبد اللَّه عليّ أميرالمؤمنين إلي معاوية وإلي من قِبَله من قريش.

سلام عليکم فإنّي أحمد اللَّه إليکم اللَّه الذي لا إله إلّا هو.

أمّا بعد، فإنّ للَّه عباداً آمنوا بالتنزيل، وعرفوا التأويل، وفُقهوا في الدين، وبيّن اللَّه فضلهم في القرآن الحکيم، وأنتم في ذلک الزمان أعداء لرسول اللَّه صلّي اللَّه

[صفحه 70]

عليه، تکذّبون بالکتاب، مجمعون علي حرب المسلمين، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذّبتموه أو قتلتموه، حتي أراد اللَّه إعزاز دينه وإظهار رسوله، ودخلت العرب في دينه أفواجاً، وأسلمت له هذه الاُمّة طوعاً وکرهاً، وکنتم ممّن دخل في هذا الدين إمّا رغبة وإمّا رهبة، علي حين فاز أهل السبق بسبقهم وفاز المهاجرون الأولون بفضلهم. فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين ولا فضائلهم في الإسلام، أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله وأولي به، فيحوب[1] بظلم. ولا ينبغي لمن کان له عقل أن يجهل قدره، ولا أن يعدو طوره، ولا أن يُشقي نفسه بالتماس ما ليس له. ثمّ إنّ أولي الناس بأمر هذه الاُمّة قديماً وحديثاً، أقربها من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه، وأعلمها بالکتاب وأفقهها في الدين، وأوّلها إسلاماً وأفضلها جهاداً وأشدّها بما تحمله الرعية من أمورها اضطلاعاً. فاتقوا اللَّه الذي إليه ترجعون، «وَ لَا تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَطِلِ وَ تَکْتُمُواْ الْحَقَّ وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ».[2] واعلموا أنّ خيار عباد اللَّه الذين يعملون بما يعلمون، وأنّ شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم، فإنّ للعالم بعلمه فضلاً، وإنّ الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلّا جهلاً.

ألا وإنّي أدعوکم إلي کتاب اللَّه وسنّة نبيه صلّي اللَّه عليه، وحقن دماء هذه الاُمّة. فإن قبلتم أصبتم رشدکم، واهتديتم لحظّکم. وإن أبيتم إلّا الفرقة وشقّ عصا هذه الاُمّة فلن تزدادوا من اللَّه إلّا بعداً، ولن يزداد الربّ عليکم إلّا سُخطاً. والسلام.

فکتب إليه معاوية: أمّا بعد؛ فإنّه:

[صفحه 71]

ليس بيني وبين قيس عتابٌ
غير طعن الکلي وضرب الرقاب


فقال علي: «إِنَّکَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَکِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».[3] [4] .



صفحه 70، 71.





  1. الحُوب: الإثم، وفلان يَتحوَّب من کذا؛ أي يتأثّم (لسان العرب: 340:1).
  2. البقرة: 42.
  3. القصص: 56.
  4. وقعة صفّين: 149، الأمالي للطوسي: 308:183 عن جبر بن نوف نحوه وراجع أنساب الأشراف: 80:3 والإمامة والسياسة: 68:1.