كتاب محمّد بن أبي بكر إلي معاوية











کتاب محمّد بن أبي بکر إلي معاوية



2406- وقعة صفّين عن عبد اللَّه بن عوف بن الأحمر: کتب محمّد بن أبي بکر إلي معاوية:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من محمّد بن أبي بکر إلي الغاوي ابن صخر. سلام علي أهل طاعة اللَّه ممّن هو مسلم لأهل ولاية اللَّه.

أمّا بعد؛ فإنّ اللَّه بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقاً بلا عَنَت[1] ولا ضعف في قوّته، ولا حاجة به إلي خلقهم، ولکنّه خلقهم عبيداً، وجعل منهم شقيّاً وسعيداً، وغويّاً ورشيداً، ثمّ اختارهم علي علمه، فاصطفي وانتخب منهم محمّداً صلي الله عليه و آله؛ فاختصّه برسالته، واختاره لوحيه، وائتمنه علي أمره، وبعثه رسولاً مصدّقاً لما بين يديه من الکتب، ودليلاً علي الشرائع، فدعا إلي سبيل ربّه بالحکمة والموعظة الحسنة؛ فکان أوّل من أجاب وأناب، وصدق ووافق، وأسلم وسلّم- أخوه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فصدّقه بالغيب المکتوم،

[صفحه 42]

وآثره علي کلّ حميم، فوقاه کلّ هول، وواساه بنفسه في کلّ خوف، فحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذّلاً لنفسه في ساعات الأزْل[2] ومقامات الروع، حتي برز سابقاً لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله.

و قد رأيتک تساميه وأنت أنت!! وهو هو المبرّز السابق في کلّ خير، أوّل الناس إسلاماً، وأصدق الناس نيّة، وأطيب الناس ذرّيّة، وأفضل الناس زوجة، وخير الناس ابن عمّ. وأنت اللعين ابن اللعين.

ثمّ لم تزل أنت وأبوک تبغيان الغوائل لدين اللَّه، وتجهدان علي إطفاء نور اللَّه، وتجمعان علي ذلک الجموع، وتبذلان فيه المال، وتخالفان فيه القبائل؛ علي ذلک مات أبوک، وعلي ذلک خَلَفْته.

والشاهد عليک بذلک من يأوي ويلجأ إليک من بقية الأحزاب، ورؤوس النفاق والشقاق لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

والشاهد لعليّ- مع فضله المبين، وسبقه القديم- أنصاره الذين ذُکروا بفضلهم في القرآن، فأثني اللَّه عليهم، من المهاجرين والأنصار، فهم معه عصائب وکتائب حوله، يجالدون بأسيافهم، ويُهريقون دماءهم دونه، يرون الفضل في اتّباعه، والشقاء في خلافه.

فکيف- يا لک الويل!!- تعدل نفسک بعليّ، وهو وارث رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ووصيّه، وأبوولده، وأوّل الناس له اتّباعاً، وآخرهم به عهداً، يخبره بسرّه، ويشرکه في أمره، وأنت عدّوه وابن عدّوه؟! فتمتّع ما استطعت بباطلک، وليمدد لک ابن العاص في غوايتک، فکأنّ أجلک قد انقضي، وکيدک قد وهي. وسوف

[صفحه 43]

يستبين لمن تکون العاقبة العليا.

و اعلم أنّک إنّما تکايد ربّک الذي قد أمنت کيده، وأيست من رَوْحه.[3] وهو لک بالمرصاد، وأنت منه في غرور، وباللَّه وأهل رسوله عنک الغَناء، والسلام علي من اتّبع الهدي.[4] .



صفحه 42، 43.





  1. أي مشقّة (النهاية: 306:3).
  2. الأزْل: الشِّدّة والضيق (النهاية: 46:1).
  3. رَوْح اللَّه: رحمته (لسان العرب: 459:2).
  4. وقعة صفّين: 118، الاحتجاج: 97:434:1، الاختصاص: 124 کلاهما نحوه، بحارالأنوار: 723:575:33؛ شرح نهج البلاغة: 188:3 نحوه.