خروج الخِرّيت بن راشد











خروج الخِرّيت بن راشد



2746- اُسد الغابة عن الزبير: کان الخِرّيت علي مُضَر يوم الجمل مع طلحة والزبير، وکان عبد اللَّه بن عامر قد استعمل الخِرّيت بن راشد علي کُوْرة من کُوَر فارس، ثمّ کان مع عليّ، فلمّا وقعت الحکومة فارق عليّاً إلي بلاد فارس مخالفاً، فأرسل عليّ إليه جيشاً، واستعمل علي الجيش معقل بن قيس وزياد بن خصفة، فاجتمع مع الخرّيت کثير من العرب ونصاري کانوا تحت الجزية، فأمر العرب بإمساک صدقاتهم والنصاري بإمساک الجزية، وکان هناک نصاري أسلموا، فلمّا رأوا الاختلاف ارتدّوا وأعانوه، فلقوا أصحاب عليّ وقاتلهم، فنصب زياد بن خصفة راية أمان، وأمر منادياً فنادي: من لحق بهذه الراية فله الأمان، فانصرف إليها کثير من أصحاب الخرّيت، فانهزم الخرّيت فقُتل.[1] .

[صفحه 392]

2747- تاريخ اليعقوبي: خرج الخرّيت بن راشد الناجي في جماعة من أصحابه، فجرّدوا السيوف بالکوفة، فقتلوا جماعة، وطلبهم الناس، فخرج الخرّيت وأصحابه من الکوفة، فجعلوا لا يمرّون ببلد إلّا انتهبوا بيت ماله حتي صاروا إلي سيف عمان.

وکان عليّ قد وجّه الحلو بن عوف الأزدي عاملاً علي عمان، فوثبت به بنو ناجية فقتلوه، وارتدّوا عن الإسلام، فوجّه عليّ معقل بن قيس الرياحي إلي البلد [عمان]، فقتل الخرّيت بن راشد وأصحابه، وسبي بني ناجية.[2] .

2748- الغارات: شهد الخرّيت بن راشد الناجي وأصحابه مع عليّ عليه السلام صفّين، فجاء الخرّيت إلي عليّ عليه السلام في ثلاثين راکباً من أصحابه، يمشي بينهم حتي قام بين يدي عليّ عليه السلام فقال له: واللَّه لا اُطيع أمرک، ولا اُصلّي خلفک، وإنّي غداً لمفارق لک. قال: وذاک بعد وقعة صفّين، وبعد تحکيم الحکمين.

فقال له عليّ عليه السلام: ثکلتک اُمّک! إذنْ تنقض عهدک، وتعصي ربّک، ولا تضرّ إلّا نفسک! أخبرني لِمَ تفعل ذلک؟ قال: لأنّک حکّمت في الکتاب، وضعفت عن الحقّ إذ جدّ الجِدّ، ورکنت إلي القوم الذين ظلموا أنفسهم، فأنا عليک رادّ، وعليهم ناقم، ولکم جميعاً مباين.

فقال له عليّ عليه السلام: ويحک! هلمّ إليَّ اُدارسک الکتاب، واُناظرک في السنن، واُفاتحک اُموراً من الحقّ أنا أعلم بها منک، فلعلّک تعرف ما أنت له الآن منکر، وتستبصر ما أنت به الآن عنه عمٍ وبه جاهل.

[صفحه 393]

فقال الخرّيت: فإنّي عائد عليک غداً، فقال له عليّ عليه السلام: اغدُ ولا يستهوينّک الشيطان، ولا يتقحّمنّ بک رأي السوء، ولا يستخفنّک الجهلاء الذين لا يعلمون، فواللَّه لئن استرشدتني واستنصحتني وقبلت منّي لأهدينّک سبيل الرشاد، فخرج الخرّيت من عنده منصرفاً إلي أهله.

قال عبد اللَّه بن قعين: فعجلت في أثره مسرعاً، وکان لي من بني عمّه صديق، فأردت أن ألقي ابن عمّه في ذلک، فاُعلمه بما کان من قوله لأمير المؤمنين، وما ردّ عليه، وآمر ابن عمّه ذلک أن يشتدّ بلسانه عليه، وأن يأمره بطاعة أميرالمؤمنين ومناصحته، ويخبره أنّ ذلک خير له في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.

قال: فخرجت حتي انتهيت إلي منزله وقد سبقني، فقمت عند باب داره وفي داره رجال من أصحابه لم يکونوا شهدوا معه دخوله علي عليّ عليه السلام، فواللَّه مارجع ولا ندم علي ما قال لأمير المؤمنين وما ردّ عليه، ثمّ قال لهم: يا هؤلاء! إنّي قد رأيت أن اُفارق هذا الرجل، وقد فارقته علي أن أرجع إليه من غدٍ ولا أراني إلّا مفارقه، فقال أکثر أصحابه: لا تفعل حتي تأتيه، فإن أتاک بأمر تعرفه قبلت منه، وإن کانت الاُخري فما أقدرک علي فراقه! فقال لهم: نِعْمَ ما رأيتم.

قال: ثمّ استأذنت عليهم فأذنوا لي، فأقبلت علي ابن عمّه وهو مدرک بن الريّان الناجي، وکان من کبراء العرب، فقلت له: إنّ لک عليَّ حقّاً لإخائک وودّک، ولحقّ المسلم علي المسلم؛ إنّ ابن عمّک کان منه ما قد ذکر لک، فاخلُ به واردد عليه رأيه، وعظّم عليه ما أتي، واعلم أنّني خائف إن فارق أميرالمؤمنين أن يقتلک ونفسه وعشيرته.

فقال: جزاک اللَّه خيراً من أخ؛ فقد نصحت وأشفقت، إن أراد صاحبي فراق

[صفحه 394]

أميرالمؤمنين فارقته وخالفته وکنت أشدّ الناس عليه، وأنا بعدُ خالٍ به، ومشيرٌ عليه بطاعة أميرالمؤمنين، ومناصحته والإقامة معه، وفي ذلک حظّه ورشده، فقمت من عنده وأردت الرجوع إلي عليّ عليه السلام لاُعلمه الذي کان، ثمّ اطمأننت إلي قول صاحبي، فرجعت إلي منزلي فبتّ به ثمّ أصبحت، فلمّا ارتفع النهار أتيت أميرالمؤمنين عليه السلام فجلست عنده ساعة وأنا اُريد أن اُحدّثه بالذي کان من قوله لي علي خلوة، فأطلت الجلوس فلم يزدد الناس إلّا کثرة، فدنوت منه فجلست وراءه فأصغي إليَّ برأسه، فأخبرته بما سمعت من الخرّيت، وما قلت لابن عمّه، وما ردّ عليَّ.

فقال عليه السلام: دعْهُ؛ فإن قبل الحقّ ورجع عرفنا ذلک له وقبلناه منه، وإن أبي طلبناه، فقلت: يا أميرالمؤمنين، فلِمَ لا تأخذه الآن فتستوثق منه؟ فقال: إنّا لو فعلنا هذا لکلّ من نتّهمه من الناس ملأنا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب علي الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتي يُظهروا لنا الخلاف.

قال: فسکتُّ عنه وتنحّيت فجلست مع أصحابي، ثمّ مکثت ما شاء اللَّه معهم، ثمّ قال لي عليّ عليه السلام: ادنُ منّي فدنوت منه، ثمّ قال لي مسرّاً: اذهب إلي منزل الرجل فأعلِمْ لي ما فعل؛ فإنّه قلّ يوم لم يکن يأتيني فيه إلّا قبل هذه الساعة، قال: فأتيت منزله فإذا ليس في منزله منهم ديّار، فدرت علي أبواب دور اُخري کان فيها طائفة اُخري من أصحابه فإذا ليس فيها داعٍ ولا مجيب، فأقبلت إلي عليّ عليه السلام فقال لي حين رآني: أأمنوا فقطنوا أم جبنوا فظعنوا؟ قلت: بل ظعنوا، قال: أبعدهم اللَّه کما بعدت ثمود، أما واللَّه لو قد اُشرِعت لهم الأسنّة، وصُبّت علي هامهم السيوف، لقد ندموا، إنّ الشيطان قد استهواهم فأضلّهم وهو غداً متبرّئ

[صفحه 395]

منهم، ومخلٍّ عنهم.[3] .

2749- الکامل في التاريخ- في ذکر أحداث سنة (38)-: وفي هذه السنة أظهر الخرّيت بن راشد الناجي الخلاف علي عليّ، فجاء إلي أميرالمؤمنين وکان معه ثلاثمائة من بني ناجية، خرجوا مع عليّ من البصرة، فشهدوا معه الجمل وصفّين، وأقاموا معه بالکوفة إلي هذا الوقت، فحضر عند عليّ في ثلاثين راکباً، فقال له: يا عليّ، واللَّه لا اُطيع أمرک، ولا اُصلّي خلفک، وإنّي غداً مفارق لک، وذلک بعد تحکيم الحَکَمين.

فقال له: ثکلتک اُمّک، إذنْ تعصي ربّک، وتنکث عهدک، ولا تضرّ إلّا نفسک! خبّرني لِمَ تفعل ذلک؟ فقال: لأنّک حکّمت وضعفت عن الحقّ، ورکنت إلي القوم الذين ظلموا، فأنا عليک زارٍ، وعليهم ناقم، ولکم جميعاً مباين.

فقال له عليّ: هلمّ اُدارسک الکتاب واُناظرک في السنن واُفاتحک اُموراً أنا أعلم بها منک، فلعلّک تعرف ما أنت له الآن منکر، قال: فإنّي عائد إليک.

قال: لا يستهوينّک الشيطان، ولا يستخفنّک الجهّال، واللَّه لئن استرشدتني وقبلت منّي لأهدينّک سبيل الرشاد.

فخرج من عنده منصرفاً إلي أهله، وسار من ليلته هو وأصحابه، فلمّا سمع بمسيرهم عليّ قال: بُعداً لهم کما بعدت ثمود! إنّ الشيطان اليوم استهواهم وأضلّهم، وهو غداً متبرّئ منهم.

فقال له زياد بن خصفة البکري: يا أميرالمؤمنين! إنّه لم يعظم علينا فقدهم

[صفحه 396]

فتأسي عليهم، إنّهم قلّما يزيدون في عددنا لو أقاموا، ولقلّما يُنقِصون من عددنا بخروجهم عنّا، ولکنّا نخاف أن يُفسِدوا علينا جماعة کثيرة ممّن يقدمون عليک من أهل طاعتک، فأْذن لي في اتّباعهم حتي أردّهم عليک. فقال: أتدري أين توجّهوا؟ قال: لا، ولکنّي أسأل وأتّبع الأثر. فقال له: اخرج، رحمک اللَّه، وانزل دير أبي موسي، وأقم حتي يأتيک أمري، فإن کانوا ظاهرين فإنّ عمّالي سيکتبون بخبرهم.

فخرج زياد فأتي داره وجمع أصحابه من بکر بن وائل وأعلمهم الخبر، فسار معه مائة وثلاثون رجلاً، فقال: حسبي.

ثمّ سار حتي أتي دير أبي موسي فنزله يوماً ينتظر أمر عليّ، وأتي عليّاً کتاب من قرظة بن کعب الأنصاري يخبره أنّهم توجّهوا نحو نِفَّر،[4] وأنّهم قتلوا رجلاً من الدهاقين[5] کان أسلم.

فأرسل عليّ إلي زياد يأمره باتّباعهم ويُخبره خبرهم، وأنّهم قتلوا رجلاً مسلماً، ويأمره بردّهم إليه؛ فإن أبوا يناجزهم،[6] وسيّر الکتاب مع عبد اللَّه بن والٍ، فاستأذنه عبد اللَّه في المسير مع زياد، فأذن له، وقال له: إنّي لأرجو أن تکون من أعواني علي الحقّ، وأنصاري علي القوم الظالمين، قال ابن والٍ: فواللَّه ما اُحبّ أنّ لي بمقالته تلک حمر النعم... فتبعوا آثارهم حتي أدرکوهم بالمذار...[7] فدعاه زياد وقال له: ما الذي نقمت علي أميرالمؤمنين وعلينا حتي

[صفحه 397]

فارقتنا؟ فقال: لم أرضَ صاحبکم إماماً، ولا سيرتکم سيرة، فرأيت أن أعتزل وأکون مع من يدعو إلي الشوري، فقال له زياد: وهل يجتمع الناس علي رجل يُداني صاحبک الذي فارقته علماً باللَّه وسنّته وکتابه مع قرابته من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وسابقته في الإسلام؟ فقال له: ذلک لا أقول لک. فقال له زياد: ففيمَ قتلت ذلک الرجل المسلم؟ فقال له: ما أنا قتلته، وإنّما قتله طائفة من أصحابي. قال: فادفعهم إلينا. قال: ما لي إلي ذلک سبيل.

فدعا زياد أصحابه ودعا الخرّيت أصحابه، فاقتتلوا قتالاً شديداً تطاعنوا بالرماح حتي لم يبقَ رمح، وتضاربوا بالسيوف حتي انحنت، وعُقرت عامّة خيولهم، وکثرت الجراحة فيهم، وقُتل من أصحاب زياد رجلان، ومن اُولئک خمسة، وجاء الليل فحجز بينهما، وقد کره بعضهم بعضاً، وجُرح زياد، فسار الخرّيت من الليل وسار زياد إلي البصرة، وأتاهم خبر الخرّيت أنّه أتي الأهواز فنزل بجانب منها وتلاحق به ناس من أصحابهم فصاروا نحو مائتين... فقدم معقل الأهواز... فلحقوهم قريب جبل من جبال رامهرمز... فقتل أصحاب معقل منهم سبعين رجلاً من بني ناجية ومن معهم من العرب، وقتلوا نحواً من ثلاثمائة من العلوج[8] والأکراد، وانهزم الخرّيت بن راشد فلحق بأسياف البحر، وبها جماعة کثيرة من قومه، فما زال يسير فيهم ويدعوهم إلي خلاف عليّ، ويخبرهم أنّ الهدي في حربه حتي اتّبعه منهم ناس کثير...

فکتب [عليّ عليه السلام] إلي معقل يُثني عليه وعلي من معه ويأمره باتّباعه وقتله أو نفيه... فلمّا انتهي معقل إليه نصب راية أمان وقال: من أتاها من الناس فهو آمن إلّا الخرّيت وأصحابه الذين حاربونا أوّل مرّة. فتفرّق عن الخرّيت جُلّ من کان

[صفحه 398]

معه من غير قومه... ثمّ حمل معقل وجميع من معه فقاتلوا قتالاً شديداً وصبروا له، ثمّ إنّ النعمان بن صهبان الراسبي بَصُرَ بالخرّيت، فحمل عليه فطعنه فصُرع عن دابّته، ثمّ اختلفا ضربتين فقتله النعمان وقُتل معه في المعرکة سبعون ومائة رجلٍ، وذهب الباقون يميناً وشمالاً.[9] .

راجع: القسم الخامس/السياسةالنأمنيّة/عدم علي الظنّة و التهمة.



صفحه 392، 393، 394، 395، 396، 397، 398.





  1. اُسد الغابة: 1437:165:2، الإصابة: 2249:235:2 إلي «مع عليّ» عن سيف بن عمر ومن «فلما وقعت...» عن الزبيد بن بکّار.
  2. تاريخ اليعقوبي: 194:2؛ مروج الذهب: 418:2 نحوه وفيه «الحارث بن راشد الناجي» بدل «الخرّيت بن راشد الناجي».
  3. الغارات: 332:1؛ تاريخ الطبري: 113:5 تا 116 عن عبد اللَّه بن فُقَيم نحوه وراجع أنساب الأشراف: 177:3.
  4. نِفَّر: قرية علي نهر النَّرْس من بلاد الفرس (معجم البلدان: 295:5).
  5. الدهقان: رئيس القرية ومُقدَّم التُّنّاء وأصحاب الزراعة وهو معرَّب (النهاية: 145:2).
  6. المناجزة في الحرب: المُبارزة. واُناجزک: اُقاتلک واُخاصمک (النهاية: 21:5).
  7. المَذَار: مدينة في مَيْسان بين واسط والبصرة، وهي قصبة ميسان (معجم البلدان: 88:5).
  8. العِلجْ: هو الرجل من کفّار العجم (النهاية: 286:3).
  9. الکامل في التاريخ: 417:2.