احتجاجات الإمام عليهم











احتجاجات الإمام عليهم



2712- نهج البلاغة: من کلام له عليه السلام قاله للخوارج، وقد خرج إلي معسکرهم وهم مقيمون علي إنکار الحکومة فقال عليه السلام: أکُلّکم شهد معنا صفّين؟

فقالوا: منّا من شهد، ومنّا من لم يشهد.

قال: فامتازوا فرقتين؛ فليکن من شهد صفّين فرقة، ومن لم يشهدها فرقة، حتي اُکلّم کلًّا منکم بکلامه. ونادي الناس، فقال: أمسکوا عن الکلام، وأنصتوا لقولي، وأقبِلوا بأفئدتکم إليَّ، فمن نشدناه شهادة فليقُل بعلمه فيها.

ثمّ کلّمهم عليه السلام بکلام طويل، من جملته أن قال عليه السلام: ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة ومکراً وخديعة: إخواننا وأهل دعوتنا استقالونا واستراحوا إلي کتاب اللَّه سبحانه، فالرأي القبول منهم، والتنفيس عنهم؟

[صفحه 364]

فقلت لکم: هذا أمر ظاهره إيمان، وباطنه عدوان، وأوّله رحمة، وآخره ندامة، فأقيموا علي شأنکم، والزموا طريقتکم، وعضّوا علي الجهاد بنواجذکم، ولا تلتفتوا إلي ناعق نعق؛ إن اُجيبَ أضلّ، وإن تُرک ذلّ.

وقد کانت هذه الفَعلة، وقد رأيتُکم أعطيتُموها. واللَّه لئن أبَيتُها ما وجبت عليَّ فريضتها، ولا حمّلني اللَّه ذنبها. وواللَّه، إن جئتُها إنّي للمحقّ الذي يُتّبع، وإنّ الکتاب لمعي، ما فارقته مذ صحبته، فلقد کنّا مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وإنّ القتل ليدور علي الآباء والأبناء، والإخوان والقرابات، فما نزداد علي کلّ مصيبة وشدّة إلّا إيماناً، ومضيّاً علي الحقّ، وتسليماً للأمر، وصبراً علي مَضَض[1] الجراح.

ولکنّا إنّما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام علي ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج، والشبهة والتأويل. فإذا طمعنا في خصلة يلمّ اللَّه بها شعثنا، ونتداني بها إلي البقيّة فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسکنا عمّا سواها.[2] .

2713- الإمام عليّ عليه السلام- من کلام له يکشف للخوارج الشبهة-: فإن أبيتم إلّا أن تزعموا أنّي أخطأت وضللت، فلِمَ تُضلّلون عامّة اُمّة محمّد صلي الله عليه و آله بضلالي، وتأخذونهم بخطئي، وتُکفّرونهم بذنوبي؟ سيوفکم علي عواتقکم تضعونها مواضع البُرء والسقم، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب! وقد علمتم أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله رجم الزاني المحصن، ثمّ صلّي عليه، ثمّ ورّثه أهله، وقتل القاتل، وورّث ميراثه أهله، وقطع السارق، وجلد الزاني غير المحصن، ثمّ قسم عليهما من الفي ء، ونکحا المسلمات؛ فأخذهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بذنوبهم، وأقام حقّ اللَّه

[صفحه 365]

فيهم، ولم يمنعهم سهمهم من الإسلام، ولم يُخرج أسماءهم من بين أهله.

ثمّ أنتم شرار الناس، ومن رمي به الشيطان مراميه، وضرب به تِيهَه![3] وسيهلک فيَّ صنفان: محبّ مفرط يذهب به الحبّ إلي غير الحقّ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلي غير الحقّ، وخير الناس فيَّ حالاً النمط الأوسط، فالزموه، والزموا السواد الأعظم، فإنّ يد اللَّه مع الجماعة، وإيّاکم والفرقة؛ فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان، کما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب.

ألا من دعا إلي هذا الشعار فاقتلوه، ولو کان تحت عمامتي هذه، فإنّما حکّم الحکمان ليُحييا ما أحيا القرآن، ويُميتا ما أمات القرآن، وإحياؤه الاجتماع عليه، وإماتته الافتراق عنه. فإن جرّنا القرآن إليهم اتّبعناهم، وإن جرّهم إلينا اتّبعونا. فلم آتِ- لا أبالکم- بُجْراً،[4] ولا خَتَلتکم[5] عن أمرکم، ولا لبّسته عليکم، إنّما اجتمع رأي مِلْئکم علي اختيار رجلين، أخذنا عليهما ألّا يتعدّيا القرآن، فتاها عنه، وترکا الحقّ وهما يبصرانه، وکان الجور هواهما فمضيا عليه. وقد سبق استثناؤنا عليهما- في الحکومة بالعدل، والصمد للحقّ- سوءَ رأيهما، وجورَ حکمهما.[6] .

2714- التوحيد عن الأصبغ بن نباتة: لمّا وقف أميرالمؤمنين عليّ بن

[صفحه 366]

أبي طالب عليه السلام علي الخوارج، ووعظهم، وذکّرهم، وحذّرهم القتال، قال لهم: ما تنقمون منّي؟ ألا إنّي أوّل من آمن باللَّه ورسوله؟!

فقالوا: أنت کذلک، ولکنّک حکّمت في دين اللَّه أباموسي الأشعري.

فقال عليه السلام: واللَّه، ما حکّمت مخلوقاً، وإنّما حکّمت القرآن، ولولا أنّي غُلبت علي أمري وخولفت في رأيي لما رضيتُ أن تضع الحرب أوزارها بيني وبين أهل حرب اللَّه، حتي اُعلي کلمة اللَّه، وأنصر دين اللَّه، ولو کره الکافرون والجاهلون.[7] .

2715- تاريخ الطبري عن أبي سلمة الزهري: إنّ عليّاً قال لأهل النهر: يا هؤلاء! إنّ أنفسکم قد سوّلت لکم فراق هذه الحکومة التي أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها کاره، وأنبأتکم أنّ القوم سألوکموها مکيدة ودهناً، فأبيتم عليَّ إباء المخالفين، وعدلتم عنّي عدول النکداء العاصين، حتي صرفت رأيي إلي رأيکم، وأنتم واللَّه معاشر أخفّاء الهام، سفهاء الأحلام، فلم آتِ- لا أبالکم- حراماً.

واللَّه، ما خَبَلَتکم[8] عن اُمورکم، ولا أخفيت شيئاً من هذا الأمر عنکم، ولا أوطأتکم عشوة،[9] ولا دنّيت لکم الضرّاء، وإن کان أمرنا لأمر المسلمين ظاهراً، فأجمع رأي ملئکم علي أن اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يحکما بما في القرآن ولا يعدواه، فتاها، وترکا الحقّ وهما يبصرانه، وکان الجور هواهما. وقد

[صفحه 367]

سبق استيثاقنا عليهما في الحکم بالعدل والصدّ للحقّ سوءَ رأيهما، وجورَ حکمهما. والثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحقّ، وأتيا بما لا يعرف.

فبيّنوا لنا: بماذا تستحلّون قتالنا، والخروج من جماعتنا؟ إن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافکم علي عواتقکم، ثمّ تستعرضوا الناس تضربون رقابهم، وتسفکون دماءهم! إنّ هذا لهو الخسران المبين. واللَّه، لو قتلتم علي هذا دجاجة لعظم عند اللَّه قتلُها، فکيف بالنفس التي قتلها عند اللَّه حرام!

فتنادوا: لا تخاطبوهم، ولا تکلّموهم، وتهيؤوا للقاء الربّ، الرواح الرواح إلي الجنّة.[10] .

2716- تاريخ الطبري عن زيد بن وهب: إنّ عليّاً أتي أهل النهر فوقف عليهم، فقال:

أيّتها العصابة التي أخرجتها عداوة المراء واللجاجة، وصدّها عن الحقّ الهوي، وطمح بها النزق،[11] وأصبحت في اللَّبس والخطب العظيم، إنّي نذير لکم أن تصبحوا تلفيکم الاُمّة غداً صرعي بأثناء هذا النهر، وبأهضام هذا الغائط،[12] بغير بيّنة من ربّکم، ولا برهان بيّن.

ألم تعلموا أنّي نهيتکم عن الحکومة، وأخبرتکم أنّ طلب القوم إيّاها منکم

[صفحه 368]

دهن ومکيدة لکم، ونبّأتکم أنّ القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأنّي أعرف بهم منکم، عرفتهم أطفالاً ورجالاً، فهم أهل المکر والغدر، وأنّکم إن فارقتم رأيي جانبتُم الحزم! فعصيتموني، حتي أقررتُ بأن حکّمت.

فلمّا فعلت شرطت واستوثقت، فأخذت علي الحکمين أن يحييا ما أحيا القرآن، وأن يميتا ما أمات القرآن، فاختلفا، وخالفا حکم الکتاب والسنّة، فنبذنا أمرهما، ونحن علي أمرنا الأوّل، فما الذي بکم؟ ومن أين اُتيتم؟

قالوا: إنّا حکّمنا،فلمّا حکّمنا أثمنا، وکنّا بذلک کافرين، وقد تُبنا، فإن تبتَ کما تبنا فنحن منک ومعک، وإن أبيت فاعتزلنا؛ فإنّا منابذوک علي سواء، إنّ اللَّه لا يحبّ الخائنين.

فقال عليّ: أصابکم حاصب، ولا بقي منکم وابر! أبعدَ إيماني برسول اللَّه صلي الله عليه و آله وهجرتي معه وجهادي في سبيل اللَّه أشهدُ علي نفسي بالکفر! لقد ضللتُ إذاً وما أنا من المهتدين. ثمّ انصرف عنهم.[13] .

2717- تاريخ بغداد عن جابر: إنّي لشاهد عليّاً يوم النهروان لمّا أن عاين القوم قال لأصحابه: کفّوا. فناداهم أن أقيدونا[14] بدم عبد اللَّه بن خبّاب- وکان عامل عليّ علي النهروان-.

قالوا: کلّنا قتله.[15] .

[صفحه 369]



صفحه 364، 365، 366، 367، 368، 369.





  1. مَضَّني الجُرح: آلَمَني وأوجعني (لسان العرب: 233:7).
  2. نهج البلاغة: الخطبة 122، الاحتجاج: 100:439:1 وفيه من «ألم تقولوا...»، بحارالأنوار: 600:368:33 وراجع الإرشاد: 270:1.
  3. ضرب في الأرض: أسرع وسار وأرض تيه: مظلّة أي يتيه فيها الإنسان (لسان العرب: 544:1 وج482:13). يعني سلک بهم في ضلالة.
  4. البُجر: الداهية والأمر العظيم (النهاية: 97:1).
  5. ختله: خدعه عن غفلة (لسان العرب: 199:11).
  6. نهج البلاغة: الخطبة 127.
  7. التوحيد: 6:225، بحارالأنوار: 610:381:33.
  8. خَبَلَه: أفسد عقلَه (لسان العرب: 198:11).
  9. أوطأني عَشْوةً: لَبَس علَيَّ، والمعني فيه: أنّه حمله علي أن يرکب أمراً غير مستبين الرشد، فربّما کان فيه عطبه (لسان العرب: 59:15).
  10. تاريخ الطبري: 84:5، الکامل في التاريخ: 404:2؛ نهج البلاغة: الخطبة 177 وفيه من «فأجمع رأي ملئکم» إلي «وأتيا بما لا يعرف» وکلاهما نحوه.
  11. النَّزَق: خِفّة في کلّ أمر وعجلة في جهل وحمق (لسان العرب: 352:10).
  12. الهِضم: ما تَطَمأنَ من الأرض، وجمعه أهضام، والغائط: المتّسع من الأرض مع طمأنينة (لسان العرب: 364:7 ، 615:12).
  13. تاريخ الطبري: 84:5، الکامل في التاريخ: 404:2، الأخبار الطوال: 207 نحوه وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 189:3.
  14. القَوَد: القِصاص، وقتل القائل بدل القتيل، وقد أقدتُه به اُقيدُه (النهاية: 119:4).
  15. تاريخ بغداد: 3729:237:7 وراجع السنن الکبري: 16767:320:8 وأنساب الأشراف: 136:3 وتاريخ الطبري: 83:5 والکامل في التاريخ: 404:2 والبداية والنهاية: 288:7.