بيعتهم عبد اللَّه بن وهب











بيعتهم عبد اللَّه بن وهب



2691- تاريخ الطبري عن عبد الملک بن أبي حرّة: إنّ عليّاً لمّا بعث أباموسي لإنفاذ الحکومة لقيت الخوارج بعضها بعضاً، فاجتمعوا في منزل عبد اللَّه بن وهب الراسبي، فحمد اللَّه عبدُ اللَّه بن وهب وأثني عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فوَاللَّه ماينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن وينيبون إلي حکم القرآن أن تکون هذه الدنيا- التي الرضا بها والرکون بها والإيثار إيّاها عناء وتبار- آثر عندهم من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنکر، والقول بالحقّ، وإن منّ وضُرّ فإنّه مَن يُمنّ ويُضرّ في هذه الدنيا فإنّ ثوابه يوم القيامة رضوان اللَّه عزّ وجلّ والخلود في جنّاته. فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلي بعض کور الجبال، أو إلي بعض هذه المدائن، منکرين لهذه البدع المضلّة.

فقال له حرقوص بن زهير: إنّ المتاع بهذه الدنيا قليل، وإنّ الفراق لها وشيک، فلا تدعونّکم زينتها وبهجتها إلي المقام بها، ولا تلفتنّکم عن طلب الحقّ، وإنکار الظلم، فإنّ اللَّه مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون.

فقال حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم! إنّ الرأي ما رأيتم، فولّوا أمرکم رجلاً منکم، فإنّه لابدّ لکم من عماد وسناد وراية تحفّون بها، وترجعون إليها. فعرضوها علي زيد بن حصين الطائي، فأبي، وعرضوها علي حرقوص بن زهير، فأبي، وعلي حمزة بن سنان وشريح بن أوفي العبسي، فأبيا، وعرضوها علي عبد اللَّه بن وهب، فقال: هاتوها، أما واللَّه لا آخذها رغبة في الدنيا، ولا

[صفحه 345]

أدَعها فَرَقاً[1] مِنَ الموت. فبايعوه لعشرٍ خلونَ من شوّال، وکان يقال له: ذو الثفنات.

ثمّ اجتمعوا في منزل شريح بن أوفي العبسي، فقال ابن وهب: اشخصوا بنا إلي بلدة نجتمع فيها لإنفاذ حکم اللَّه، فإنّکم أهل الحقّ.

قال شريح: نخرج إلي المدائن فننزلها، ونأخذ بأبوابها، ونُخرج منها سکّانها، ونبعث إلي إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا.

فقال زيد بن حصين: إنّکم إن خرجتم مجتمعين اتُّبعتم، ولکن اخرجوا وحداناً مستخفين، فأمّا المدائن فإنّ بها من يمنعکم، ولکن سيروا حتي تنزلوا جسر النهروان وتُکاتِبوا إخوانکم من أهل البصرة. قالوا: هذا الرأي.

وکتب عبد اللَّه بن وهب إلي من بالبصرة منهم يُعلمهم ما اجتمعوا عليه، ويحثّهم علي اللحاق بهم، وسيّر الکتاب إليهم، فأجابوه أنّهم علي اللحاق به.

فلمّا عزموا علي المسير تعبّدوا ليلتهم؛ وکانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة، وساروا يوم السبت، فخرج شريح بن أوفي العبسي وهو يتلو قول اللَّه تعالي: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَآلِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّلِمِينَ وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَي رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ».[2] [3] .

[صفحه 346]



صفحه 345، 346.





  1. الفَرَق: الخوف (لسان العرب: 304:10).
  2. القصص: 21 و 22.
  3. تاريخ الطبري: 74:5، الکامل في التاريخ: 398:2، الأخبار الطوال: 202 نحوه وفيه «حمزة بن سيّار ويزيد بن حصين» بدل حمزة بن سنان وزيد بن حصين» وراجع أنساب الأشراف: 137:3.