خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج











خروج الإمام إلي حروراء وتوبة جماعة من الخوارج



2678- الفتوح- بعد ذکر رجوع عبد اللَّه بن عبّاس من حروراء وإخباره الإمام بما جري بينه وبين الخوارج-: رکب عليّ إلي القوم في مائة رجل من أصحابه، حتي وافاهم بحروراء، فلمّا بلغ ذلک الخوارج رکب عبد اللَّه بن الکوّاء في مائة رجل من أصحابه حتي واقفه.

فقال له عليّ: يابن الکوّاء إنّ الکلام کثير، ابرز إليّ من أصحابک حتي أکلّمک. قال ابن الکوّاء: وأنا آمن من سيفک.

قال عليّ: نعم، وأنت آمن من سيفي.

قال: فخرج ابن الکوّاء في عشرة من أصحابه ودنوا من عليّ رضي الله عنه. قال: وذهب ابن الکوّاء ليتکلّم فصاح به رجل من أصحاب عليّ وقال: اسکت؛ حتي يتکلّم من هو أحقّ بالکلام منک.

قال: فسکت ابن الکوّاء، وتکلّم عليّ بن أبي طالب، فذکر الحرب الذي کان بينه وبين معاوية، وذکر اليوم الذي رفعت فيه المصاحف، وکيف اتّفقوا علي الحکمين، ثمّ قال له عليّ: ويحک يابن الکوّاء، ألم أقُل لکم في ذلک اليوم الذي رفعت فيه المصاحف: کيف أهل الشام يريدون أن يخدعوکم بها؟ ألم أقُل لکم

[صفحه 334]

بأنّهم قد عضّهم السلاح وکاعوا[1] عن الحرب، فذروني اُناجزهم، فأبيتُم عليَّ وقلتم: إنّ القوم قد دعونا إلي کتاب اللَّه عزّ وجلّ فأجبهم إلي ذلک، وإلّا لم نقاتل معک، وإلّا دفعناک إليهم! فلما أجبتُکم إلي ذلک وأردتُ أن أبعث ابن عمّي عبد اللَّه بن عبّاس ليکون لي حکماً، فإنّه رجل لا يبتغي بشي ء من عرض هذه الدنيا ولا يطمع أحد من الناس في خديعته، فأبي عليَّ منکم من أبي، وجئتموني بأبي موسي الأشعري وقلتم: قد رضينا بهذا. فأجبتکم إليه وأنا کاره، ولو أصبت أعواناً غيرکم في ذلک الوقت لما أجبتکم. ثمّ إنّي اشترطت علي الحکمين بحضرتکم أن يحکما بما أنزل اللَّه من فاتحته إلي خاتمته أو السنّة الجامعة، فإن هما لم يفعلا ذلک فلا طاعة لهما عليَّ، أکان ذلک أم لم يکن؟

فقال ابن الکوّاء: صدقت، قد کان هذا بعينه، فلم لا ترجع إلي حرب القوم إذ قد علمت إنّ الحکمين لم يحکما بالحقّ، وأنّ أحدهما خدع صاحبه؟

فقال عليٌ: إنّه ليس إلي حرب القوم سبيل إلي انقضاء المدّة التي ضُربت بيني وبينهم.

قال ابن الکوّاء: فأنت مُجمع علي ذلک؟

قال: وهل يسَعني إلّا ذلک؟ انظر يابن الکوّاء أنّي أصبت أعواناً وأقعد عن حقّي؟

قال: فعندها بَطَن[2] ابن الکوّاء فرسَه وصار إلي عليّ مع العشرة الذين کانوا معه، ورجعوا عن رأي الخوارج، وانصرفوا مع عليّ إلي الکوفة، وتفرّق الباقون

[صفحه 335]

وهم يقولون: لا حکم إلّا للَّه، ولا طاعة لمن عصي اللَّه.[3] .

2679- الأخبار الطوال- في ذکر احتجاجات الإمام عليّ عليه السلام الخوارج-: قال: ليخرج إليّ رجل منکم ترضون به حتي أقول ويقول، فإن وجبت عليّ الحجّة أقررت لکم وتبت إلي اللَّه، وإن وجبت عليکم فاتّقوا الذي مردّکم إليه.

فقالوا لعبد اللَّه بن الکوّاء- وکان من کبرائهم-: اخرج إليه حتي تحاجّه، فخرج إليه. فقال عليّ: هل رضيتم؟ قالوا: نعم. قال: اللهمّ اشهد؛ فکفي بک شهيداً.

فقال عليّ رضي الله عنه: يابن الکوّاء، ما الذي نقمتُم عليّ بعد رضاکم بولايتي، وجهادکم معي، وطاعتکم لي؟ فهلّا برئتم مني يوم الجمل؟

قال ابن الکوّاء: لم يکُن هناک تحکيم.

فقال عليّ: يابن الکوّاء، أنا أهدي أم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟

قال ابن الکوّاء: بل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

قال: فما سمعت قول اللَّه عزّ وجلّ: «فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَکُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَکُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَکُمْ»،[4] أکان اللَّه يشکّ أنّهم هم الکاذبون؟

قال: إنّ ذلک احتجاج عليهم، وأنت شککتَ في نفسک حين رضيت بالحکمين، فنحن أحري أن نشکّ فيک.

قال: وإنّ اللَّه تعالي يقول: «فَأْتُواْ بِکِتَبٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَي مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ».[5] .

[صفحه 336]

قال ابن الکوّاء: ذلک أيضاً احتجاج منه عليهم.

فلم يزَل عليّ عليه السلام يحاجّ ابن الکوّاء بهذا وشبهه، فقال ابن الکوّاء: أنت صادق في جميع ما تقول، غير أنّک کفرت حين حکّمت الحکمين.

قال عليّ: ويحک يابن الکوّاء، إنّي إنّما حکّمت أباموسي وحده، وحکّم معاوية عمراً.

قال ابن الکوّاء: فإنّ أباموسي کان کافراً.

قال عليّ: ويحک، متي کفر، أحين بعثتُه، أم حين حکم؟

قال: لا، بل حين حکم.

قال: أفلا تري أنّي إنّما بعثته مسلماً، فکفر- في قولک- بعد أن بعثته، أرأيت لو أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بعث رجلاً من المسلمين إلي اُناس من الکافرين ليدعوهم إلي اللَّه، فدعاهم إلي غيره، هل کان علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من ذلک شي ء؟

قال: لا.

قال: ويحک، فما کان عليّ إن ضلّ أبوموسي؟ أفيحلّ لکم بضلالة أبي موسي أن تضعوا سيوفکم علي عواتقکم فتعترضوا بها الناس؟!

فلمّا سمع عظماء الخوارج ذلک قالوا لابن الکوّاء: انصرف، ودَع مخاطبة الرجل.

فانصرف إلي أصحابه، وأبي القوم إلّا التمادي في الغيّ.[6] .

2680- الکامل للمبرّد- في ذکر الخوارج-: يروي أنّ عليّاً في أوّل خروج القوم

[صفحه 337]

عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي- وقد کان وجّهه إليهم- وزياد بن النضر الحارثي مع عبد اللَّه بن العبّاس، فقال لصعصعة: بأيّ القوم رأيتهم أشدّ إطافة؟

فقال: بيزيد بن قيس الأرحبي.

فرکب عليّ إليهم إلي حروراء، فجعل يتخلّلهم حتي صار إلي مضرب يزيد بن قيس، فصلّي فيه رکعتين، ثمّ خرج فاتّکأ علي قوسه، وأقبل علي الناس، ثمّ قال: هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة، أنشدکم اللَّه، أعلمتُم أحداً منکم کان أکره للحکومة منّي؟

قالوا: اللهمّ لا.

قال: أفعلمتم أنّکم أکرهتموني حتي قبلتها؟

قالوا: اللهمّ نعم.

قال: فعلامَ خالفتموني ونابذتموني؟

قالوا: إنّا أتينا ذنباً عظيماً، فتبنا إلي اللَّه، فتب إلي اللَّه منه واستغفره نُعد لک.

فقال عليّ: إنّي أستغفر اللَّه من کلّ ذنب. فرجعوا معه، وهم ستّة آلاف. فلمّا استقرّوا بالکوفة أشاعوا أنّ عليّاً رجع عن التحکيم ورآه ضلالاً، وقالوا: إنّما ينتظر أميرالمؤمنين أن يسمن الکراع، ويُجبي المال، فينهض إلي الشام.

فأتي الأشعث بن قيس عليّاً فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ الناس قد تحدّثوا أنّک رأيتَ الحکومة ضلالاً، والإقامة عليها کفراً!

فخطب عليّ الناس فقال: من زعم أنّي رجعت عن الحکومة فقد کذب، ومن رآها ضلالاً فهو أضلّ. فخرجت الخوارج من المسجد، فحکّمت، فقيل لعليّ: إنّهم خارجون عليک.

[صفحه 338]

فقال: لا اُقاتلهم حتي يقاتلوني، وسيفعلون.[7] .

2681- تاريخ الطبري عن عمارة بن ربيعة- في ذکر الخوارج-: بعث عليٌّ زيادَ ابن النضر إليهم فقال: انظر بأيّ رؤوسهم هم أشدّ إطافة. فنظر، فأخبره أنّه لم يَرهم عند رجل أکثر منهم عند يزيد بن قيس.

فخرج عليّ في الناس حتي دخل إليهم، فأتي فسطاط يزيد بن قيس، فدخله فتوضّأ فيه، وصلّي رکعتين، وأمّره علي أصبهان[8] والريّ.[9] ثمّ خرج حتي انتهي إليهم وهم يخاصمون ابن عبّاس، فقال: انتهِ عن کلامهم، ألم أنهَک رحمک اللَّه! ثمّ تکلّم فحمد اللَّه عزّ وجلّ وأثني عليه، ثمّ قال: اللهمّ إنّ هذا مقام من أفلج فيه کان أولي بالفَلَج يوم القيامة، ومن نطق فيه وأوعث[10] فهو في الآخرة أعمي وأضلّ سبيلاً. ثمّ قال لهم: من زعيمکم؟

قالوا: ابن الکوّاء.

قال عليّ: فما أخرجکم علينا؟

قالوا: حکومتکم يوم صفّين.

قال: أنشدکم باللَّه، أتعلمون أنّهم حيث رفعوا المصاحف، فقلتُم: نُجيبهم إلي

[صفحه 339]

کتاب اللَّه، قلتُ لکم: إنّي أعلم بالقوم منکم، إنّهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إنّي صحبتهم وعرفتهم أطفالاً ورجالاً، فکانوا شرّ أطفال وشرّ رجال. امضوا علي حقّکم وصدقکم، فإنّما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ودهناً[11] ومکيدة، فرددتم عليَّ رأيي، وقلتم: لا، بل نقبل منهم. فقلت لکم: اذکروا قولي لکم، ومعصيتکم إيّاي، فلمّا أبيتم إلّا الکتاب اشترطتُ علي الحکمين أن يُحييا ما أحيا القرآن، وأن يُميتا ما أمات القرآن، فإن حکما بحکم القرآن فليس لنا أن نخالف حَکَماً يحکم بما في القرآن، وإن أبَيا فنحن من حکمهما برآء.

قالوا له: فخبّرنا أتراه عدلاً تحکيم الرجال في الدماء؟

فقال: إنّا لسنا حکّمنا الرجال، إنّما حکّمنا القرآن، وهذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين لا ينطق، إنّما يتکلّم به الرجال.

قالوا: فخبّرنا عن الأجل، لِمَ جعلته فيما بينک وبينهم؟

قال: ليعلم الجاهل، ويتثبّت العالم، ولعلّ اللَّه عزّ وجلّ يصلح في هذه الهدنة هذه الاُمّة. ادخلوا مصرکم رحمکم اللَّه. فدخلوا من عند آخرهم.[12] .

2682- العقد الفريد- في ذکر کلام الإمام مع ابن الکوّاء-: فقال له عليّ: يابن الکوّاء، إنّه من أذنب في هذا الدين ذنباً يکون في الإسلام حدثاً استتبناه من ذلک الذنب بعينه، وإنّ توبتک أن تعرف هدي ما خرجتَ منه، وضلال ما دخلتَ فيه.

قال ابن الکوّاء: إنّنا لا ننکر أنّا قد فُتنّا. فقال له عبد اللَّه بن عمرو بن جرموز:

[صفحه 340]

أدرَکنا واللَّه هذه الآية: «الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَکُواْ أَن يَقُولُواْء َامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ»-[13] وکان عبد اللَّه من قرّاء أهل حروراء-. فرجعوا فصلّوا خلف عليّ الظهر، وانصرفوا معه إلي الکوفة. ثمّ اختلفوا بعد ذلک في رجعتهم، ولامَ بعضهم بعضاً.[14] .



صفحه 334، 335، 336، 337، 338، 339، 340.





  1. کاعَ: جبُن (لسان العرب: 317:8).
  2. بَطَنَه: ضرب بطنه (لسان العرب: 54:13).
  3. الفتوح: 253:4 وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 189:3 وکشف الغمّة: 264:1.
  4. آل عمران: 61.
  5. القصص: 49.
  6. الأخبار الطوال: 208.
  7. الکامل للمبرّد: 1130:3، شرح نهج البلاغة: 278:2 نحوه؛ بحارالأنوار: 353:33 وراجع أنساب الأشراف: 130:3.
  8. إصبهان: هي مرکز محافظة اصفهان وتعدّ واحدة من المدن الکبيرة والقديمة في إيران، تقع هذه المدينة علي بعد 400 کيلو متر من جنوب طهران. وکانت عاصمة ايران إبّان العهد الصفوي.
  9. الرّي: واحدة من المدن الإيرانية القديمة وتعدّ الآن إحدي مناطق مدينة طهران، وکان لها في السابق مکانة متميّزة وقد تخرّج منها عدد وفير من العلماء الأفاضل.
  10. أوعثَ فلان: إذا خلّطَ، والوعث: فساد الأمر واختلاطه (لسان العرب: 202:2).
  11. دَهَنَ الرجل: إذا نافق (لسان العرب: 162:13).
  12. تاريخ الطبري: 65:5، الکامل في التاريخ: 393:2؛ الإرشاد: 270:1 نحوه وفيه من «فحمد اللَّه عزّوجلّ...».
  13. العنکبوت: 1 و 2.
  14. العقد الفريد: 345:3، جواهر المطالب: 69:2.