حرقوص بن زهير











حرقوص بن زهير



کان حرقوص من الصحابة،[1] ولکنّه خاوٍ من الاعتقاد الراسخ. وقد ذکرنا کلمته البذيئة النابية لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله في غزوة حنين، إذ قال له: اعدِلْ يا محمّد! وکذلک جواب النبيّ صلي الله عليه و آله له.[2] أمره عمر بن الخطّاب بقمع التمرّد الذي قام به

[صفحه 309]

الهرمزان في خوزستان، فنجح في مهمّته.[3] وشارک في الثورة علي عثمان. وهمّ أصحاب الجمل بقتله، لکنّه استطاع الفرار من أيديهم.[4] .

کان في عداد أصحاب الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام أيّام خلافته، لکنّه انخدع بمکيدة عمرو بن العاص في صفّين، ووقف بوجه الإمام عليه السلام، وقام بدور مهمّ في فرض التحکيم، بما کان يحمله من أرضيّة فکريّة وروحيّة منحرفة کما أشرنا إلي ذلک سلفاً.

وکان عنصراً مؤثّراً أيضاً في تنظيم الخوارج لحرب الإمام عليه السلام.

کما کان متشدّداً في عدائه له وحقده عليه.[5] وهو وإن رفض الإمارة علي أصحاب النهروان، لکنّه کان علي رجّالتهم في تلک المعرکة.[6] ثمّ قتله الإمام عليه السلام فيها.[7] وکان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد أخبر بهلاکه في النهروان، وعن کيفيّة ذلک. وبعد معرکة النهروان قال الإمام عليه السلام: اطلبوه، فلم يجدوه، فقال عليه السلام مؤکّداً: ارجِعوا، فواللَّه ما کَذبتُ ولا کُذِّبتُ مرّتين أو ثلاثاً ثمّ وجدوه في خربة.[8] .

فهذا التأکيد دليل علي حقّانيّة الإمام عليه السلام من جهة، وعلي انحراف الخوارج وضلالهم الثابت من جهة اُخري، وهو خطوة لتثبيت قلوب أصحاب الإمام عليه السلام

[صفحه 310]

الذين کان قد شقّ عليهم قتال اُناس يتظاهرون بالزهد والعبادة. وهکذا أصحر الإمام عليه السلام بحقّه وثبات خُطاه هو وأصحابه مراراً في معرکة النهروان.

2659- الإرشاد: لمّا قسّم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله غنائم حنين، أقبل رجل طوال آدَم أجنأ،[9] بين عينيه أثر السجود، فسلّم ولم يخصّ النبيّ صلي الله عليه و آله، ثمّ قال: قد رأيتک وما صنعت في هذه الغنائم. قال: وکيف رأيت؟ قال: لم أرَک عدلت! فغضب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقال: ويلک! إذا لم يکن العدل عندي فعند مَن يکون؟! فقال المسلمون: ألا نقتله؟ فقال: دعوه؛ سيکون له أتباع يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرميّة، يقتلهم اللَّه علي يد أحبّ الخلق إليه من بعدي. فقتله أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيمن قتل يوم النهروان من الخوارج.[10] .

2660- صحيح مسلم عن جابر بن عبد اللَّه: أتي رجل رسولَ اللَّه صلي الله عليه و آله بالجِعْرانة منصرَفَه من حنين وفي ثوب بلال فضّةٌ، ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقبض منها، يُعطي الناس، فقال: يا محمّد! اعدل. قال: ويلک! ومن يعدل إذا لم أکُن أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أکن أعدل. فقال عمر بن الخطّاب: دعني يا رسول اللَّه فأقتل هذا المنافق. فقال: معاذ اللَّه أن يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي، إنّ هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه کما يمرق السهم من الرميّة.[11] .

[صفحه 311]

2661- السنّة عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: أتاه رجل- يعني النبيّ صلي الله عليه و آله- وهو يقسم تبراً يوم حنين، فقال: يا محمّد! اعدل، فقال: ويحک! إن لم أعدل عند من يُلتمس العدل؟ ثمّ قال: يوشک أن يأتي قوم مثل هذا يسألون کتاب اللَّه وهم أعداؤه، يقرؤون کتاب اللَّه، محلّقة رؤوسهم، إذا خرجوا فاضربوا أعناقهم.[12] .

2662- صحيح البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: إنّ أباسعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وهو يقسم قَسْماً، أتاه ذو الخويصرة- وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول اللَّه! اعدل، فقال: ويلک! ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خِبت وخسرت إن لم أکُن أعدل.

فقال عمر: يا رسول اللَّه، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟

فقال: دعْه؛ فإنّ له أصحاباً يحقر أحدکم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرميّة.

ينظر إلي نصله فلا يوجد فيه شي ء، ثمّ ينظر إلي رِصافه فما يوجد فيه شي ء، ثمّ ينظر إلي نضيّه- وهو قِدْحه-[13] فلا يوجد فيه شي ء، ثمّ ينظر إلي قذذه[14] فلا يوجد فيه شي ء، قد سبق الفرث والدم.

آيتهم رجل أسود، إحدي عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون علي حين فرقة من الناس.

[صفحه 312]

قال أبوسعيد: فأشهد أنّي سمعت هذا الحديث من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلک الرجل فالتُمِس، فاُتي به حتي نظرت إليه علي نعت النبيّ صلي الله عليه و آله الذي نعته.[15] .

2663- الکامل للمبرّد: يُروي أنّ رجلاً أسود شديد بياض الثياب وقف علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وهو يقسم غنائم خيبر- ولم تکن إلّا لمن شهد الحديبية- فأقبل ذلک الأسود علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقال: ما عدلتَ منذ اليوم!

فغضب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتي رؤي الغضب في وجهه، فقال عمر بن الخطّاب: ألا أقتله يا رسول اللَّه؟

فقال: إنّه سيکون لهذا ولأصحابه نبأ.

قال أبوالعباس: وفي حديث آخر: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال له: ويحک! فمن يعدل إذا لم أعدل؟

ثمّ قال لأبي بکر: اقتله، فمضي ثمّ رجع، فقال: يا رسول اللَّه، رأيته راکعاً.

ثمّ قال لعمر: اقتله، فمضي ثمّ رجع، فقال: يا رسول اللَّه، رأيته ساجداً.

ثمّ قال لعليّ: اقتله، فمضي ثمّ رجع، فقال: يا رسول اللَّه، لم أرَه.[16] .

2664- مسند أبي يعلي عن أنس بن مالک: کان رجل علي عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يغزو مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فإذا رجع وحطّ عن راحلته، عمد إلي مسجد الرسول، فجعل

[صفحه 313]

يُصلّي فيه فيطيل الصلاة، حتي جعل بعض أصحاب النبيّ صلي الله عليه و آله يرون أنّ له فضلاً عليهم. فمرّ يوماً ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله قاعد في أصحابه. فقال له بعض أصحابه: يا نبي اللَّه، هذا ذاک الرجل- فإمّا أرسل إليه نبي اللَّه صلي الله عليه و آله، وإمّا جاء من قبل نفسه- فلمّا رآه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مقبلاً قال: والذي نفسي بيده إنّ بين عينيه سفعة[17] من الشيطان. فلمّا وقف علي المجلس قال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: أقلت في نفسک حين وقفت علي المجلس: ليس في القوم خيرٌ منّي؟. قال: نعم![18] .



صفحه 309، 310، 311، 312، 313.





  1. تاريخ الطبري: 76:4، اُسد الغابة: 1127:714:1 و ج 1541:214:2 وفيه «اسمه الآخر: ذو الخُوَيصرة، وذو الثدية»، الإصابة: 1666:44:2 وفيه «عدّ هذين اسمين لشخصين». ولمزيد الاطّلاع علي مختلف الأقوال في هذه المسألة راجع فتح الباري: 292:12.
  2. صحيح البخاري: 3414:1321:3، صحيح مسلم: 148:744:2.
  3. اُسد الغابة: 1127:714:1، الإصابة: 1666:44:2، تاريخ الطبري: 76:4.
  4. تاريخ الطبري: 472:4.
  5. تاريخ الطبري: 72:5.
  6. تاريخ الطبري: 85:5، الکامل في التاريخ: 405:2، الأخبار الطوال: 210، البداية والنهاية: 289:7.
  7. کشف الغمّة: 266:1؛ الفتوح: 273:4.
  8. صحيح مسلم: 157:749:2، تاريخ بغداد: 5453:305:10، البداية والنهاية: 292:7.
  9. الاُدمة: السُّمرة. وأجنأ: أي أحدب الظهر (لسان العرب: 11:12 و ج 50:1).
  10. الإرشاد: 148:1، إعلام الوري: 387:1، کشف الغمّة: 225:1.
  11. صحيح مسلم: 142:740:2، السنن الکبري للنسائي: 8087:31:5، المعجم الأوسط: 9060:34:9، مسند ابن حنبل: 14810:128:5، صحيح ابن حبّان: 4819:148:11 کلاهما نحوه.
  12. السنّة لابن أبي عاصم: 944:446، المستدرک علي الصحيحين: 2644:159:2 نحوه، کنز العمّال: 31610:316:11 نقلاً عن ابن جرير.
  13. القِدْح: السهم (النهاية: 20:4).
  14. القُذَذ: ريش السهم (لسان العرب: 504:3).
  15. صحيح البخاري: 3414:1321:3، صحيح مسلم: 148:744:2، اُسد الغابة: 1541:214:2 کلاهما عن أبي سلمة والضحّاک، مسند ابن حنبل: 7059:680:2، السيرة النبويّة لابن هشام: 139:4 کلاهما عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص نحوه.
  16. الکامل للمبرّد: 1108:3؛ دعائم الإسلام: 389:1 نحوه.
  17. أي علامة (النهاية: 375:2).
  18. مسند أبي يعلي: 4113:154:4 وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 187:3.