رسائل اُخري من الإمام إليه











رسائل اُخري من الإمام إليه



2400- الإمام عليّ عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية-: فاتّقِ اللَّه فيما لديک، وانظر في حقّه عليک، وارجع إلي معرفة مالا تُعذر بجهالته؛ فإنّ للطاعة أعلاماً واضحة، وسبلاً نيّرة، ومحجّةً نَهْجةً، وغاية مُطَّلَبة، يَرِدُها الأکياس، ويخالفها الأنکاس؛ من نکب عنها جار عن الحقّ، وخَبَط في التِّيْه، وغَيَّرَ اللَّه نعمته، وأحلَّ به نِقْمَته. فنفسَک نفسَک! فقد بيّن اللَّه لک سبيلک. وحيث تناهت بک اُمورک فقد أجريت إلي غايةِ خُسْرٍ ومحلّةِ کفر؛ فإنَّ نفسک قد أولجتک شرّاً، وأقحمتک غيّاً، وأوردتک المهالک، وأوعرت عليک المسالک.[1] .

2401- عنه عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية-: أمّا بعد، فإنّ الدنيا مَشْغَلة عن غيرها، ولم يُصِبْ صاحبها منها شيئاً إلّا فتحت له حرصاً عليها ولَهَجاً بها، ولن يستغني صاحبها بما نال فيها عمّا لم يبلغه منها. ومن وراء ذلک فراق ما جمع، ونقض ما

[صفحه 32]

أبرم! ولو اعتبرتَ بما مضي حفظتَ ما بقي. والسلام.[2] .

2402- عنه عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية-: أمّا بعد؛ فإنّ اللَّه سبحانه قد جعل الدنيا لما بعدها، وابتلي فيها أهلها؛ ليعلم أيُّهم أحسنُ عملاً. ولسنا للدنيا خُلِقنا، ولا بالسعي فيها اُمِرنا، وإنّما وُضِعنا فيها لنبتلي بها، وقد ابتلاني اللَّه بک، وابتلاک بي، فجعل أحدنا حجّة علي الآخر، فعدوت علي الدنيا بتأويل القرآن، فطلبتني بما لم تَجْنِ يدي ولا لساني، وعصيته أنت وأهل الشام بي وألَّبَ عالمُکم جاهلَکم، وقائمُکم قاعدَکم؛ فاتّقِ اللَّه في نفسک، ونازعِ الشيطان قيادک، واصرف إلي الآخرة وجهک؛ فهي طريقنا وطريقک. واحذر أن يصيبک اللَّه منه بعاجل قارعة تمسّ الأصل وتقطع الدابر؛ فإنّي اُولي لک باللَّه ألِيّةً غيرَ فاجرة، لئن جمعتني وإيّاک جوامع الأقدار لا أزال بباحَتک «حَتَّي يَحْکُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَکِمِينَ».[3] [4] .

2403- عنه عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية-: أمّا بعد؛ فقد آن لک أن تنتفع باللمح الباصر من عِيان الاُمور، فقد سلکتَ مدارجَ أسلافک بادّعائک الأباطيل، واقتحامک غرور المَينِ والأکاذيب، وبانتحالک ما قد علا عنک، وابتزازک لما قد اختُزِن دونک، فراراً من الحقّ، وجحوداً لما هو ألزم لک من لحمک ودمک، ممّا قد وعاه سمعک، وملئ به صدرک، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال المبين، وبعد البيان إلّا اللَّبْس.

[صفحه 33]

فاحذر الشبهة واشتمالها علي لُبْستها؛ فإنّ الفتنة طالما أغدفت جلابيبها وأغشت الأبصار ظلمتها. وقد أتاني کتاب منک ذو أفانين من القول، ضعفت قواها عن السِّلْم، وأساطير لم يحُکها منک علم ولا حلم، أصبحت منها کالخائض في الدَّهاس،[5] والخابط في الدِّيماس،[6] وترقّيت إلي مرقَبة بعيدة المرام، نازحة الأعلام، تقصر دونها الأنُوق، ويحاذي بها العَيُّوق.[7] .

وحاشَ للَّه أن تلي للمسلمين بعدي صدراً أو وِرداً، أو اُجري لک علي أحد منهم عقداً أو عهداً، فمن الآن فتدارک نفسک وانظر لها؛ فإنّک إن فرَّطت حتي ينهدَ[8] إليک عباد اللَّه اُرْتِجَتْ عليک الاُمورُ، ومُنِعت أمراً هو منک اليوم مقبول. والسلام.[9] .

2404- الأمالي للطوسي عن ثعلبة بن يزيد الحمّاني: کتب أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلي معاوية بن أبي سفيان:

أمّا بعد؛ فإنّ اللَّه تعالي أنزل إلينا کتابه، ولم يدعنا في شبهة ولا عذر لمن رکب ذنباً بجهالة، والتوبة مبسوطة «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي»[10] وأنت ممّن شرع

[صفحه 34]

الخلاف متمادياً في غرّة الأمل مختلف السرّ والعلانية، رغبة في العاجل، وتکذيباً بعدُ بالآجل، وکأنّک قد تذکّرت ما مضي منک، فلم تجد إلي الرجوع سبيلاً.[11] .



صفحه 32، 33، 34.





  1. نهج البلاغة: الکتاب 30، بحارالأنوار: 399:83:33.
  2. نهج البلاغة: الکتاب 49، وقعة صفّين: 498 نحوه وفي صدره «کتب عليّ إلي عمرو بن العاص» بدل «إلي معاوية»، بحارالأنوار: 688:483:33.
  3. الأعراف: 87.
  4. نهج البلاغة: الکتاب 55، بحارالأنوار: 409:116:33 وراجع المعيار والموازنة: 138.
  5. الدهاس: من رواها بالکسر فهو جمع دَهْس، ومن قرأها بالفتح فهو مفرد، يقول: هذا دَهسٌ ودَهاس- بالفتح- للمکان السهل الذي لا يبلغ أن يکون رملاً، وليس هو بتراب ولا طين.(شرح نهج البلاغة: 26:18).
  6. الدِّيْماس: السَّرَب المُظلم تحت الأرض (شرح نهج البلاغة: 26:18).
  7. الأنُوقْ- کأکول-: طائر؛ وهو الرَّحْمَة، والعَيّوق کوکب معروف فوق زحل في العلو. وهذه أمثال ضَرَبها في بُعد معاوية عن الخلافة (شرح نهج البلاغة: 27:18).
  8. أي ينهض. ونَهَدَ القوم لعدوّهم، إذا صمدوا له، وشرعوا في قتاله (النهاية: 134:5).
  9. نهج البلاغة: الکتاب 65، بحارالأنوار: 410:118:33.
  10. الأنعام: 164.
  11. الأمالي للطوسي: 381:217، بحارالأنوار: 399:75:33؛ المعيار والموازنة: 102 نحوه.