التعصّب واللجاج











التعصّب واللجاج



اللجاج من وحي الجهل والتعصّب الأعمي إفراز آخر من الإفرازات الخطرة للتطرّف الديني والعُجب المنبثق منه. وهکذا فالشخص المتعمّق مرتهن بحبالة الزيغ والضلال بحيث تتعذّر نجاته. من هذا المنطلق، ولمّا اتّصف به الخوارج، خاطبهم الإمام عليه السلام قائلاً:

«أيّتها العصابة التي أخرجتها عداوة المراء واللجاجة، وصدّها عن الحقّ الهوي، وطمع بها النَّزَق،[1] وأصبحت في اللبس والخطب العظيم».[2] .

وهکذا «فالمتعمّقون» و «المتعصّبون» أولو اللجاجة لم ينظروا فيما يعتقدون به قطّ، ولم يحتملوا فيه الخطأ فيرونه بحاجةٍ إلي إعادة نظر وتمحيص. من هنا صمّوا عن سماع توجيهات الإمام عليه السلام الناصحة الشفيقة، ولم يعيدوا النظر في مواقفهم حين حاورهم ابن عبّاس وغيره من رُسُل الإمام عليه السلام حواراً استدلاليّاً واعياً، بل أنّهم قد تصامّوا عن الکلام؛ لئلّا يسمعوهُ فيؤثّر فيهم. قال عبد اللَّه بن وهب، وهو يقاتل:

«ألقوا الرماح، وسلّوا سيوفکم من جفونها؛ فإنّي أخاف أن يناشدوکم کما ناشدوکم يوم حَروراء!».

وصرخوا بعد مناظرةٍ للإمام عليه السلام معهم قائلين: «لا تخاطبوهم ولا تکلّموهم».

[صفحه 288]

ولمّا سمعوا احتجاج ابن عبّاس الرصين، وقد أغلق عليهم منافذ التذرّع والتشبّث، مستهدياً بالقرآن الکريم، صاحوا:

«لا تجعلوا احتجاج قريش حجّةً عليکم؛ فإنّ هذا من القوم الذين قال اللَّه عزّ وجلّ فيهم: «بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ »![3] .

وحين سمعوا أجوبته القويّة في حوار آخر وعَيَوا عن ردّه، رفعوا عقيرتهم بوجهه مخاطبين إيّاه بقولهم:

«أمْسِکْ عنّا غَرْب لسانک يا ابن عبّاس؛ فانّه طلق ذلق غوّاص علي موضع الحجّة!».

وعلي هذا فالخوارج- وبعنوان آخر «القرّاء»، وأخيراً «المتعمّقون» في الدين، وفيما نتج عنهم من الإفراط، والتطرّف، والجهل، واللجاجة- قد ظلّوا علي کفرهم، وصاروا مصدراً للغيّ والضياع في المجتمع الإسلامي.

[صفحه 289]



صفحه 288، 289.





  1. النَّزَق: خفّة في کلّ أمر وعجلة في جهل وحمق (لسان العرب: 352:10).
  2. تاريخ الطبري: 84:5.
  3. الزخرف: 58.