التكفير والاتّهام











التکفير والاتّهام



إنّ إحدي الثمار المرّة المضرّة للتطرّف المنطلق من الجهل، والإفراط الهشّ الخاوي، و«التعمّق» في الدين، وحبّ التمحور المنبثق منه هي اتّهام الآخرين بالخروج من الدين؛ فالسطحيّون المتحجّرون الزاهون بأنفسهم العادّون سلوکهم معياراً للحقّ يحکمون علي الآخرين بلا أناةٍ ولا أساس، ويقصمون ظهر کلّ من لا يفکّر تفکيرهم بعصا التکفير. وهکذا کان الخوارج، فهم الذين کانوا قد فرضوا التحکيم علي الإمام عليه السلام غير آذِنين لأنفسهم بالتفکير فيه والتأمّل فيما ابتدعوه ولو قليلاً، ثمّ حملوا عصا التکفير وکفّروا الإمام عليه السلام وهو الذي کان کيان الإيمان الماثل، وصورة الحقّ المتجسّد، ومظهر الربّانيّة الرفيعة. والعجب أنّهم قد أفتوا بقتل کلّ من لم يعتقد بعقيدتهم، وأقدموا علي ذلک عمليّاً، فقتلوا أشخاصاً في هذا السبيل.[1] وواصلوا نهجهم علي هذا المنوال، وشرّعوا التکفير، وقالوا بکفر کلّ من يرتکب الکبيرة. ومن هنا، لمّا سُئل أحد قادتهم؛ وهو قطري بن الفُجاءة، في إحدي المعارک: هل تقاتل أم لا؟ فأجاب بالنفي، ثمّ استدرک فعزم علي القتال، قال جنده: کَذَبَ وکَفَرَ. وعرّضوا به قائلين: «دابّة اللَّه»، فحکم عليهم

[صفحه 287]

بالکفر.[2] .



صفحه 287.





  1. من جملتهم عبد اللَّه بن خباب بن الأرت، وقصّته مشهورة.
  2. راجع الکامل للمبرّد: 1334:3.