استدامة الجهل











استدامة الجهل



وتُمثّل الغصن الآخر من أغصان شجرة «التعمّق»، ولها في العُجب جذور علي نحوٍ ما؛ فحينما يُفرط الإنسان في عمله، وينطلق فيه بلا تعقّل، ويري نفسه

[صفحه 285]

أفضل من الآخرين من دون منازِع؛ فإنّه لا يعيد النظر في فکره وعمله، ويسعي في جهله، ويَلجّ فيه، ويَظلّ حبيسَ حبالته.

ومن هنا قال الإمام الهادي عليه السلام:

«العُجب صارف عن طلب العلم، داعٍ إلي التخبّط في الجهل».[1] .

وفي الواقع أنّ داء العُجب يُلقي الإنسان في الجهل المرکّب حقّاً، و«المتعمّق»- کما قلنا- يري أنّ ما يفعله هو الأفضل، فلِمَ التأمّل وإعادة النظر فيه إذن؟

وتحدّث القرآن الکريم عن أمثال هذا النموذج بنحو يدعو إلي الاعتبار والاتّعاظ. قال جلّ من قائل:

«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَلاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا».[2] وحين تُليت هذه الآية الکريمة عند الإمام عليه السلام، قال:

«أهل حَروراء منهم».

وهکذا يأسر العجب الإنسان في الجهل، والمفتون بهذا الجهل لا يري نفسه جاهلاً أبداً، ولا ينفکّ من هذا القيد بتاتاً، وکلام الإمام عليه السلام في هذا الشأن معبِّر ناطق بليغ، فقد قال عليه السلام في وصيّته لابنه الحسن عليه السلام:

«إنّ الجاهل مَنْ عدّ نفسه- بما جهل من معرفة العلم- عالماً، وبرأيه مکتفياً؛ فما يزال للعلماء مباعداً، وعليهم زارياً، ولمن خالفه مخطّئاً، ولعالمٍ يعرف من الاُمور مضلِّلاً، فإذا ورد عليه من الاُمور ما لم يعرفه أنکره وکذّب به وقال

[صفحه 286]

بجهالته: ما أعرف هذا، وما أراه کان، وما أظنّ أن يکون، وأنّي کان؟! وذلک لثقته برأيه، وقلّة معرفته بجهالته. فما ينفکّ- بما يري ممّا يلتبس عليه رأيه ممّا لم يعرف- للجهل مستفيداً، وللحقّ منکراً، وفي الجهالة متحيّراً، وعن طلب العلم مستکبراً».[3] .



صفحه 285، 286.





  1. نزهة الناظر: 16:140، بحارالأنوار: 27:199:72 وراجع الدرّة الباهرة: 42.
  2. الکهف: 103 و 104.
  3. تحف العقول: 73، بحارالأنوار: 1:203:77 نقلاً عن کتاب الرسائل للکليني.