آثار التعمّق











آثار التعمّق



من المناسب أن نتحدّث عن آثار «التعمّق» بعد أن تعرّفنا علي طبيعته وجذوره؛ فإنّا نلحظ أنّ الأحاديث التي أحصت أخطار الجاهل «المتنسّک» هي في الحقيقة قد صوّرت آثار «التعمّق» الضارّة. ونقرأ في هذه الأحاديث: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أخبر بهلاک اُمّته علي يد العلماء الفجّار، والعبّاد الجهّال. وقد تجسّد هذا الخبر في أيّام حکومة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام واتّخذ شکله يومئذٍ، قال عليه السلام: «قصم ظهري عالم متهتّک، وجاهل متنسّک».[1] .

وقال: «قطع ظهري اثنان: عالم فاسق... وجاهل ناسک»[2] .

وقال في خطبة له عليه السلام:

«قطع ظهري رجلان من الدنيا: رجل عليم اللسان فاسق، ورجل جاهل القلب ناسک؛ هذا يصدّ بلسانه عن فسقه، وهذا بنُسکه عن جهله؛ فاتّقوا الفاسق

[صفحه 272]

من العلماء، والجاهل من المتعبّدين، اُولئک فتنة کلّ مفتون».[3] .

نلحظ هنا أنّ الإمام عليه السلام بکلماته هذه يذکّر بمشکلة حکومته في الحقيقة، وأنّه يلفتنا إلي أنّ حکومته قد تلقّت ضربتين قاصمتين من شريحتن، وأنّ عمودها الفقري قد اُصيب وتضعضع بذلک، وهاتان الشريحتان هما:

1- العلماء المتهتّکون؛ وهم الوجوه البارزة الذين أوقدوا فتنة الجمل وصفّين (الناکثون والقاسطون) ومهّدوا سبل الفساد، وقسطوا ونکثوا عامِدين.

2- الجهّال العابدون الذين واجهوا الإمام عليه السلام في النهروان بسيماء الزاهدين وباسم الدين منطلقين من جهلهم وحمقهم.

وهکذا، فلا قيمة لعبادات الجاهل المتنسّک، ولا وزن لتهجّداته، ولا خلاقَ له منها. وليس هذا فحسب، بل إنّهم يشکّلون خطراً عظيماً علي الإسلام والحکومة الإسلاميّة، وبعبارة اُخري: مَثَلُ العالم المتهتّک في خطره علي النظام الإسلامي کمثل الجاهل المتنسّک في خطره علي الاُمّة الإسلاميّة والنظام الإسلامي أيضاً.

ولا غرْو أن تُختم حياة الإمام عليه السلام علي يد هذه الشريحة الثانية، فدلّ واقع التاريخ علي أنّ خطر العبّاد الجاهلين أشدّ وأنکي.

فاستبان- إذن- أنّ أمرّ ثمرةٍ وأضرّها لشجرة «التعمّق» الخبيثة- الضاربة جذورها في الجهل وحبّ الدنيا والمرتدية لباس الدين- هو تقويض أرکان النظام الإسلامي. والآن نعرّج علي أغصان هذه الشجرة بشي ء من التوضيح:

[صفحه 283]



صفحه 272، 283.





  1. منية المريد: 181، غرر الحکم: 9665.
  2. تنبيه الخواطر: 82:1.
  3. الخصال: 103:69، مشکاة الأنوار: 687:238، روضة الواعظين: 10، بحارالأنوار: 3:106:2.