عمق جهل الخوارج











عمق جهل الخوارج



إنّ جهل الخوارج مُدهش إلي درجة أنّهم کانوا في مِرْيةٍ وشکّ من أمرهم حتي اللحظات الأخيرة من الحرب التي أوقدوها وزهقت فيها أرواحهم، بَيدْ أنّهم لم يرعووا عن مکابرتهم. وهذه من النقاط المهمّة في تحليل شخصيّتهم، أي أنّهم علي الرغم من تطرّفهم الشديد في العمل لم يلجؤوا إلي رکن وثيق في العقيدة. وعلي سبيل المثال لمّا هلک أحدهم في النهروان قال: «حبّذا الروحة إلي الجنّة»، فقال قائدهم عبد اللَّه بن وهب: ما أدري إلي الجنّة أم إلي النار؟ فقال رجل من بني أسد کان يري هذا المشهد:

«إنّما حضرتُ اغتراراً بهذا، وأراه قد شکّ!! وانخزل بجماعة من أصحابه ومال إلي ناحية أبي أيّوب الأنصاريّ».

ونُذکّر بأنّ جواب صادق آل محمّد صلي الله عليه و آله بشأن الخوارج جدير بالمطالعة والتأمّل. فقد سمّاهم «الشُّکّاک»، ونبّه أيضاً علي مواقفهم من الوجهة النفسيّة، فعن جميل بن درّاج: قال رجل لأبي عبد اللَّه [الإمام الصادق] عليه السلام:

الخوارج شُکّاک؟

فقال: نعم. قال: کيف وهم يدعون إلي البراز؟

[صفحه 275]

قال: ذلک ممّا يجدون في أنفسهم.[1] .

والنقطة اللافتة للانتباه في هذا الحوار هي أنّ السائل يجد صعوبة في أن يقرّ بأنّ رجالاً يشهرون سيوفهم ويقاتلون دفاعاً عن عقيدةٍ مشوبة بالشّک والارتياب. وجواب الإمام عليه السلام هو أنّهم لا ينطلقون في تحرّکهم من وحي عقيدةٍ راسخة معيّنة، بل من وحي عواطف باطنيّة دعتهم إلي اتّخاذ مثل ذلک الموقف، وهذه النقطة شديدة الإثارة للتأمّل والدعوة إلي الاعتبار، فقد يحدث- بل کثيراً ما يحدث- أن يقع الإنسان دونما تفکير أسيراً لعواطفه دفعةً واحدة، في المواطن المثيرة والمواضع التي تحکمها اللحظة الحاضرة إلي درجة يتعطّل معها عقله بغتةً، وهو يعيش إعصار العاطفة، فإذا ما سکن هذا الإعصار وهدأت فورته يفهم الراکب موجته ماذا کان فعل، وکيف فَقَدَ کنزه! وکلام الإمام عليه السلام يدلّ علي أنّ تحرّک المارقين لم يعتمد علي عقيدة راسخة. وفيما ذکرناه- وفي غيره من الحقائق التي تصدق علي حياة بعضهم- إنارة وبيان لهذه الحقيقة.



صفحه 275.





  1. تهذيب الأحکام: 251:145:6.